14 يونيو 2022

د. حسن مدن يكتب: ممن نأخذ النصيحة؟

كاتب بحريني، يكتب زاوية يومية في جريدة "الخليج" الإماراتية بعنوان "شيْ ما"

كاتب بحريني، يكتب زاوية يومية في جريدة "الخليج" الإماراتية بعنوان "شيْ ما"، صدرت له مجموعة من الكتب بينها: "ترميم الذاكرة"، "الكتابة بحبر أسود"، "للأشياء أوانها"، "يوميات التلصص".

د. حسن مدن يكتب: ممن نأخذ النصيحة؟

في رواية «الآن.. هنا» يقول الروائي عبدالرحمن منيف ما معناه أن أكثر الناس خبرة ودراية في الحياة يحتاجون في لحظات إلى من يشاورونه، وإلى من يستمعون إلى وجهة نظره.

وهذا صحيح، لأن المرء الحائر إزاء قرار ما من القرارات التي ينوي اتخاذها غالباً ما يكون في تلك اللحظة خاضعاً لضغط ظرف معين، لضغط حدث آني أو حاجة فورية، وهو بذلك غير قادر على تلمس الجوانب المختلفة للمشكلة التي هو بصدد التعامل معها.

مهما قيل عن ميل الناس إلى أن يتخذوا القرارات المهمة في حياتهم باستقلالية ووفق ما يرونه ملائماً ومنسجماً مع رغباتهم، فإن الناس أميل إلى التشاور، إلى سماع النصيحة من آخرين، من محيط قد يضيق وقد يتسع من الأصدقاء والمعارف وذوي الخبرة قبل الإقدام على الخطوات التي يريدونها.

وغالباً ما يكون طلب المشورة هو أشبه بتفكير بصوت عالٍ، لأنك حين تتحدث إلى صديق عن مشكلة تواجهك وتقوم بالتعبير عنها في كلمات وفي جمل، تكون كمن يضع المشكلة في إطارها. والتفكير المسموع هو غير التفكير الصامت، لأن هذا الأخير أقرب إلى المنولوج الداخلي، بينما الأول أقرب إلى الحوار، كأنك حين تصيغ المشكلة في كلمات تكون قد اخترت ما تظنه التوصيف الأقرب إليها.

موضوع النصائح لا يخلو من المفارقات، بينها أننا أحياناً نطلب النصح من الآخرين في الوقت الذي نكون، في ذواتنا، قد عقدنا العزم على أن ننفذ ما قررناه في أذهاننا سلفاً، بل ونحن نطلب المشورة نقوم بتقديم تلك العناصر التي تجعل من يستمع إلينا يصل إلى ذات النتيجة التي وصلنا إليها، نفعل ذلك بإلغاء أو إخفاء أو التقليل من أهمية العناصر التي يمكن أن تغلب رأياً آخر نقيضاً للذي نشتهيه.

تتعدد النصائح بتعدد الأشخاص

ومن نطلب منهم المشورة أناس مختلفون ولكلٍ طريقته في التفكير وفي رؤية الأمور، وبالتالي تتعدد النصائح بتعدد الأشخاص، ومن النادر أن يتفق الناس على رأي واحد، فتجد نفسك إزاء كمٍ من الآراء لا تدري أيها الأنسب.

وهناك بعض البشر الذين يجدون أن من واجبهم إسداء النصح للآخرين، هؤلاء متبرعون دائماً ليقولوا لسواهم ما الذي عليهم فعله، أو عدم فعله، وغالباً ما يكون في سلوكهم هذا شيء من التطفل على الحياة الخاصة للآخرين، وغالباً أيضاً ما يكون هؤلاء هم أنفسهم أحوج ما يكونون لاتباع النصائح التي يسدونها.

في حياة كل واحد منا ثمة دائماً شخص عزيز، قريب إلى النفس والروح والقلب، هو مستودع أسرارنا، نلجأ إليه كلما شعرنا بالتعب، فنجد في كنفه الأمان.

 

مقالات ذات صلة