12 مايو 2020

د. حسن مدن يكتب: مصادر غامضة للسعادة

كاتب بحريني، يكتب زاوية يومية في جريدة "الخليج" الإماراتية بعنوان "شيْ ما"

كاتب بحريني، يكتب زاوية يومية في جريدة "الخليج" الإماراتية بعنوان "شيْ ما"، صدرت له مجموعة من الكتب بينها: "ترميم الذاكرة"، "الكتابة بحبر أسود"، "للأشياء أوانها"، "يوميات التلصص".

د. حسن مدن يكتب: مصادر غامضة للسعادة

في دراسة عن مقادير الشعور بالسعادة في القارة الأوروبية، هذا قبل «كورونا» طبعًا، جاء أنه كلما اقترب البلد الأوروبي المعني من البحر الأبيض المتوسط ازدادت درجة الإقبال على الحياة عند أهله. وبهذا المعنى يجب أن يكون الإيطاليون والفرنسيون والإسبان واليونانيون أكثر سعادة وبهجة من شعوب الشمال الأوروبي، خاصة الدول الاسكندنافية التي تميل شعوبها نحو الكآبة، حتى يقال إن بلداً مثل السويد يسجل سنوياً أعلى نسبة انتحار في العالم.

ربما يرد هنا سؤال عما نقصده بالشعور بالسعادة، وحول هذا قام فريق بحث علمي بدراسة على ثلاث مجموعات من الطلبة لاستقراء مستويات السعادة لدى كل مجموعة، فخلص الفريق إلى أن معظم الطلاب الذين أجريت عليهم التجارب، على اختلافهم، قالوا إن الشعور بنقص الأمان وقلة الطمأنينة هما ما يؤثران بالدرجة الأولى في استقرارهم النفسي، ما يشير إلى أن بيت السعادة في دواخلنا، وليس، بالضرورة، خارجها.

وكمن يحرضنا على ألا نستنفد بسرعة مصادر السعادة في حياتنا، يدعونا أحد الكتاب إلى التقتير في كل شيء بما في ذلك في الحب، داعياً إلى التدرج في العواطف، لأن إظهار ما لدى المرء من عواطف دفعة واحدة يحرمه من الاحتفاظ بحالاتها للحظات الكبرى التي لا تزيد، برأيه، على أربع أو خمس لحظات في حياة كل فرد.

ولم يكن هذا الرجل يتحدث عن الحب والفرح وحدهما، وإنما عن الحزن أيضاً، فهو الآخر يجب تقنينه ما أمكن، متسائلاً عم يبقى لمن يبكي كل يوم عندما تحلّ به فجيعة كبرى؟ لكن هذا ليس سوى أسلوب حياة قد يناسب البعض ولكنه لا يناسب بعضاً آخر هو أميل إلى التطرف في التعبير عن مشاعره إما في اتجاه الفرح وإما في اتجاه الحزن.

كاتب آخر ينصح بعدم الذهاب إلى السينما لمشاهدة أفلام حزينة، لأن الحياة فيها ما يكفي من المرارة، كي لا نصبح بكائين مدللين وهستيريين، لمجرد أن شيئاً قد اعترض طريقنا ومنعنا من مواصلة نزهتنا نحو السعادة.
بلوغ السعادة بمعناها المطلق نادر أو متعذر، هذا إن وجدت أصلاً. أحياناً تكفي أشياء متناهية البساطة، كي تخلق لدينا شعوراً حقيقياً بالسعادة، على خلاف الانطباع السائد الذي يجعل السعادة شيئاً عصياً على النيل حين تقرن ببلوغ المستحيلات، وكلما كان المرء محباً للحياة، فإنه أميل لأن يرى أن السعادة تتحقق عبر المسرات البسيطة، التي قد يكون مصدرها غامضاً. 

 

مقالات ذات صلة