6 أغسطس 2020

د. هدى محيو تكتب : عيد «جيمس بوند»

أستاذة وباحثة جامعية

أستاذة وباحثة جامعية

د. هدى محيو تكتب : عيد «جيمس بوند»

يحتفل جيمس بوند هذا العام بعشرين سنة على ولادة أفلامه مع تمنياتنا الحارة بمواصلة نجاحاته الباهرة... ولكن بعد؟ دعونا نلقي نظرة عن كثب على شخصية جيمس بوند. 

يكرس جيمس بوند حياته في ركوب المخاطر، سواء أنجح أم فشل تراه بكامل رباطة جأشه. يلعب جيمس بوند في الكازينو ويربح عشرة ملايين؟ يغادر مائدة اللعب، يأخذ حقيبته المملوءة بالمال ثم يذهب لينام في سريره كأن شيئًا لم يكن. وحين يخسر عشرة ملايين؟ يضحك ويكمل حياته الاعتيادية. يقتل رجلاً بيديه العاريتين، ولا يفكر بعدها سوى بإغواء سيدة جميلة مرت من قربه. وإن رأى جثتها في اليوم التالي مطعونة بالخناجر، يخفض بصره بضع ثوانٍ ثم يواصل مهمته غير مبالٍ. يعتقله عدوه ويقيد وثاق يديه وقدميه ويعده بموت شنيع فيعترف باسمًا بهزيمته ويقبل سيجارة من خصمه ثم يأخذ بإلقاء النوادر. 
نلاحظ كذلك أن جيمس بوند لا رادع له فهو يتحرر من القواعد والأوامر متى شاء، يكسر التجهيزات التي تعطى له وتنقذ حياته من دون أي همّ، علمًا أنه لم يشكر ولا مرة واحدة الرجل الذي يوفرها له. 

باختصار جيمس بوند هو الحالة النموذجية للمعتل النفسي (سايكوباث) الذي لا يأبه لشيء سوى لمصالحه ولمتعته ولا يهمه إن عانى أقرب المقربين منه الأمرين بسببه. لا يعرف تأنيب الضمير ولا يأبه لنظرة الآخرين إليه ولا تنتابه المشاعر التي يعيشها الآخرون. ومع هذا نحن معجبون بجيمس بوند ونرى فيه بطلاً ونتمنى أن نكون مثله.

قليلون من يعرفون أن شخصية جيمس بوند حقيقية وهي مستوحاة من عميل سري بريطاني يدعى «فورست ييو-توماس» كان ناشطًا في ألمانيا النازية خلال الحرب العالمية الثانية وزير نساء من الدرجة الأولى. 
أطلقت عليه وكالات التجسس الألمانية لقب «الأرنب الأبيض» لأنه كان يهرب من أعدائه بتغيير شكله أو بالقتل. دخل الجيش الأمريكي في السادسة عشرة مزورًا سنه وهرب من الروس حين خنق حارسه بيديه ثم أسره النازيون وعذبوه. تنكر بزي ناشط فاشي ولم يتردد في التظاهر بالموت والمكوث في تابوت مكان الجثة الحقيقية للسفر، وهي واقعة استعيدت في أحد أفلام جيمس بوند. 

غياب المشاعر لدى المعتل نفسيًا يجعله قادرًا على تحقيق بطولات لا يفهمها الناس العاديون، لذا يود الجميع في سرهم لو أنهم قادرون أن يكونوا مثله نوعًا ما. ألن تكون الحياة أكثر بساطة من دون روادع ولا تأنيب ضمير ولا مشاعر مؤلمة؟ ألن تكون عنوانًا للنجاح إن كان الهم الأوحد هو السعي وراء المصلحة الشخصية؟ تدل الأبحاث على أن المعتلين نفسياً أكثر تواجدًا في المواقع المهمة. بيد أن العاقبة الأساسية لهذه الشخصية المريضة التي لا تحس بأي شعور سلبي هي أنها لا تحس بأي شعور إيجابي أيضًا، لذا مهما حققت من نجاحات فهي لن تشعر بالسعادة يومًا ولا حتى لحظة.

 

مقالات ذات صلة