18 أبريل 2021

د. باسمة يونس تكتب : أشياء صغيرة .. تصبح عظيمة

كاتبة إماراتية، دكتوراه في القيادة التربوية

كاتبة إماراتية، دكتوراه في القيادة التربوية. أصدرت (10) مجموعة قصصية، (4) روايات،(12) نص مسرحي وعدة أعمال درامية وإذاعية .حاصلة على أكثر من( 22 ) جائزة في مجالات الرواية والقصة والمسرحية.

د. باسمة يونس تكتب : أشياء صغيرة .. تصبح عظيمة

يقول الكاتب «نابليون هيل» صاحب كتاب «فكر لتصبح غنياً» إذا لم تستطع عمل أشياء عظيمة، افعل أشياء صغيرة ولكن بطريقة عظيمة.

 ويريد أن يخبرنا بأننا غالباً ما نقلل أو نتجاهل تلك المهام الصغيرة الموكلة إلينا أو التي نضطر للقيام بها لأننا نعتقد أن هذه ليست أشياء عظيمة ولا تأثير لها فينا أو في الآخرين مثل المهام أو المسؤوليات الأكبر.

ويبلغنا بمقولته خطأ نظرتنا إلى الإنجاز على أنه النجاح من أول مرة أو التفوق من أول مشروع، ومن دون تعب أو جهد يبذله صاحبه أو خيبة أمل تواجه محاولاته. وهذا ما يجعلنا نهمل في إتقان العمل إن لم نباشره من على مقعد منصب مهم أو نتذرع بعدم توقعنا أن يكون له تأثيراً فينا أو في الآخرين.

فماذا سيحدث لو تجاهل الجميع المهام الصغيرة لاعتقادهم بأنها غير ذات أهمية وعليهم ادخار قدراتهم بانتظار الفرصة الأهم والأكبر؟

وماذا لو اعتقدنا بأنه يمكن للإنسان شحن طاقته وحيويته التي يملكها في شبابه بانتظار الاستفادة منها في وقت الحاجة أو تأجيل الزمن ليكون ما نملكه من الوقت أضعاف ما لدينا فنتمكن من تحقيق منجز عظيم ذات يوم؟

وماذا لو أحجم «زرياب» صاحب المنجزات الهائلة في تاريخ الموسيقى العربية والشرقية عن متابعة الترحال من مكان لآخر، هرباً من أكبر مأساة واجهها في حياته وكادت أن تعصف بمستقبله لو استسلم أمامها بسبب حسد معلمه «إسحاق الموصلي» وغيرته من حب الخليفة هارون الرشيد له، وتهديده له بالقتل إن لم يغادر بغداد ويترك له الساحة خالية بدون منافس؟

وماذا لو أنه لم ير في ابتكاره فن الإتيكيت الذي تتباهى به أمم الغرب اليوم قبل الشرق مشروعاً سيكبر على الرغم من البدء فيه صغيراً بعد اتضاح معالمه وانبهار الخليفة به واكتشاف العالم أهميته؟ وماذا لو أنه لم يقم بتأسيس أول مدرسة لتدريس قواعد الغناء والموسيقى، ليصبح ابتكاراً مهماً فتح الباب أمام أهمية تدريس هذا الفن في العالم؟

وماذا لو استسلم «هارلند ساندرز» وبعد تجاوزه الستين أمام تقلبات الفشل في حياته على الرغم من إنهاء دراسته في كلية الحقوق ولم يفكر في المجازفة بمشروع الطهي الذي لم يكن بالنسبة له أكثر من فرصة غير مضمونة وأمل قد يواجه الفشل الذي سبق وأن مني به في مشاريعه السابقة ولم يعمد إلى تجهيز غرفة في محطة السيارات التي يملكها ليحولها إلى مطبخ يعد فيه وجبات الدجاج والبطاطس؟ ماذا لو أنه لم يظل يعمل جاهداً إلى أن يكتشف وصفته الخاصة في قلي الدجاج والتي ستجعله يحظى بتكريم حاكم الولاية ورتبة كولونيل لم يكن ليحصل عليها إن عمل في مجال آخر أو انتظر تنفيذ مشروع أكبر وأهم من مجرد ابتكار وصفة لقلي الدجاج؟

ألم تكن تلك الأشياء الصغيرة التي اجتهدوا فيها، طريقهم نحو المنجزات العظيمة التي اشتهروا بسببها، والمسيرة الناجحة نحو الضوء المتوقع في نهاية النفق والتي لن يصلها الإنسان قفزاً لكنها تتطلب المضي قدماً وتحمل المشاق بقلب مؤمن وصبور ومدرك لقيمة ما قل حجمه وارتفع ثمنه وبأن ما بدأ صغيراً سيكبر يوماً لو تعهدناه بالرعاية؟

 

مقالات ذات صلة