2 فبراير 2022

د. هدى محيو تكتب: الراحة النفسية الضائعة

أستاذة وباحثة جامعية

أستاذة وباحثة جامعية

د. هدى محيو تكتب: الراحة النفسية الضائعة

«سأحكي لكم عن زمن لا يعرفه من هم دون العشرين عامًا»، هذه الكلمات هي مطلع لأغنية «شارل أزنافور»، وكان مغنيًا فرنسيًا ذي شهرة عالمية. تذكرتها عند قراءة مقال لعالمة النفس الأمريكية «جين توينج» التي تدرس منذ ربع قرن سلوك الشبان الاجتماعي والعاطفي وقد لاحظت في السنوات الأخيرة حصول نوع من الزلزال فيه عبرت عنه بعنوان مؤثر هو «هل دمّرت الهواتف الذكية جيلاً بأكمله؟»

تقول توينج إن كل شيء تغير حين امتلك المراهقون هواتف ذكية، فقد لاحظت عليهم مجموعة من العوارض وهي: زيادة مظاهر الاكتئاب لدى الفتيات بنسبة خمسين بالمئة، ولدى الأولاد بنسبة واحد وعشرين بالمئة، تضاعف حالات الانتحار ثلاث مرات لدى الفتيات ومرتين لدى الأولاد، زيادة كمية الأرق الليلي لديهم بنسبة سبعة وخمسين بالمئة، هبوط عدد الشبان الذين يلتقون بأصدقائهم بنسبة أربعين بالمئة ليبقوا في منازلهم ملتصقين بهواتفهم الذكية، ومن يخرج منهم ينشر بكثافة على صفحات فيسبوك وإنستغرام صورًا لهذه اللقاءات فيشعر من لم يُدعَ إليها بإحساس فظيع بالعزلة، علمًا أن الحاضرين يكونون أكثر انشغالاً بهواتفهم من انشغالهم بالحديث مع رفاقهم.

أما بالنسبة لمن هم مثلي فوق العشرين، وقد تخطيت هذه السن بأشواط، فقد قاومت فكرة اقتناء الهاتف الذكي لأكثر من سنتين بعد ظهوره ولم أستسلم إلا حين قالت لي ابنتي التي هاجرت إلى الولايات المتحدة إنه باستطاعتي أن أتواصل معها بشكل فوري، فقبلت. أنزلت تطبيق واتساب وانخرطت في مجموعة الأسرة ليطبق الفخ كماشته من حولي.

انقلبت حياتي رأسًا على عقب، وجدت نفسي يومًا أمشي وأنا أكتب رسالة نصية على الهاتف بدل أن أستمتع بزرقة السماء وأترقب رنين الهاتف وأجراسه المختلفة بدل أن أركز على الموسيقى التي أحبها أو أن أكون كاملة الحضور في اجتماع عمل مهم أو أيضًا خلال قيادة السيارة، وأيضًا من دون أن أنجح في عزل نفسي بهدف الراحة عن أي مصدر توتر وإزعاج خلال العطلة أو السفر... نسيت كم كانت الحياة أقل توترًا قبل هذه الآلات التي لا أنكر فوائدها.

لكن، برأيكم، لماذا منع عبقري شركة آبل، «ستيف جوبز»، أولاده من استعمال الهاتف الذكي؟

ولماذا رفض مؤسس شركة مايكروسوفت «بيل غيتس» أن يقتني حاسوبًا في منزله؟ ألا تتضمن هذه التكنولوجيا التي تقود عصرنا مشكلة استشفّها عباقرة المعلوماتية هؤلاء وخافوا منها على أولادهم في حين أن زبائنهم لم يدركوها؟ من المؤكد أنه لم يعد باستطاعتنا الرجوع إلى ما قبل عشرين عامًا والاستغناء عن الهواتف الذكية في يومنا هذا، لكن دعونا نفتحها في أوقات نحددها نحن، لنا ولأولادنا، حتى يتسنى لنا أن نعيش كبشر منخرطين في المجتمع وحريصين على راحتنا النفسية وحريتنا في آن.

 

مقالات ذات صلة