2 أغسطس 2022

إنعام كجه جي تكتب: هل أنت من أصحاب القلوب الذهبية؟

صحافية وروائية عراقية تقيم في باريس

صحافية وروائية عراقية تقيم في باريس.

إنعام كجه جي تكتب: هل أنت من أصحاب القلوب الذهبية؟

اللافتة كانت معلقة عند دكان الخبازة في الحي الذي أقيم فيه، وهي تحمل ثلاث عبارات لا غير: «هل أنت من أصحاب القلوب الذهبية؟ تطوّع معنا لساعتين مساء الثلاثاء والخميس».

سألت الخبازة وعلمت أن المتطوعين يقومون بتحضير وجبات طعام للفقراء. إن هذا الدكان يقع في حي سكني متوسط في باريس، أي لا هو بالشعبي ولا هو بالأرستقراطي. وقد سمعت الزبائن يعلقون على رفع سعر الرغيف بسبب حرب أوكرانيا وأزمة القمح، والتعليقات تعكس القلق رغم أن الزيادة بضعة ملاليم.

إن لكل مليم مكانه في ميزانية الأسرة المتوسطة. وسعر الرغيف الفرنسي الشهير «الباجيت» هو المقياس الذي يستدل به الاقتصاديون على أحوال الدولة.

عرفت من الخبازة أن هناك عشرات الشبان والشابات ممن يتطوعون للمشاركة في تحضير المئات من وجبات الطعام للمحتاجين، سواء في مطابخ بيوتهم أو في مطبخ جماعي عائد لجمعية خيرية.

يطبخون في جو احتفالي وكأنهم في عرس. وهناك موسيقى تساهم في تلطيف الجو. هؤلاء هم أصحاب القلوب الذهبية. طلاب جامعيون وموظفون صغار أو حتى عاطلون عن العمل يعيشون على المساعدة الاجتماعية الضئيلة. ليس الشباب فحسب، بل هناك مديرو مؤسسات متقاعدون وممرضات متقاعدات يتركون الكرسي الوثير أمام التلفزيون ويتطوعون لخدمة جائع يشتهي لقمة طيبة.

في الطريق العام، تحت الجسر الذي يعلو الجانبين، يحضر في السادسة من كل مساء نساء ورجال لكي يحصلوا على طعام مجاني.

أرى بينهم أطفالاً يسيرون مع أمهاتهم أو رضعاً يتمددون في عربات أو حتى عجزة على عكازات.

إن هؤلاء ليسوا متسولين ولا مشردين بدون مأوى، بل أناس مستورون ضاقت بهم سبل العيش، بينهم من أقعده المرض وبينهم من فقد عمله في غفلة من الزمن.

والوجبات المقدمة لهؤلاء ليست من بقايا الخضار والعظام بل تليق بأفضل المطاعم. فالمتطوعون يدورون على المتاجر الضخمة ويحصلون منها على المواد التي تم رفعها عن الرفوف، أو اقتربت من انتهاء الصلاحية.

وهناك أطنان من الفواكه والخبز والمعجنات والعصائر واللحوم التي تنتهي في حاويات المهملات كل مساء، يتلقاها المتطوعون ويطبخون ما يحتاج للطبخ منها، ويقدمون للمحتاج وجبة متكاملة مؤلفة من كل العناصر الضرورية للصحة.. سلطة وطبق ساخن وحلوى أو فاكهة.

في العراق، البلد الغني بالنفط، أيام الخير، كان المقتدرون يساهمون في مساعدة الأقل قدرة. والتقاليد في بلادنا تقضي بالتكتم والتحشم. والطعام يذهب للفقراء تحت جنح الظلام وبدون تبجّح أو تفضّل أو ادعاء. وكانت هناك تسمية لطيفة للإشارة للمعوزين هي «العائلات المُتعففة».

ما أجمل لغتنا العربية حين تسمو وتستر!

هل يمكنني الانضمام لأصحاب القلوب الذهبية؟ عسى أن تسترنا السماء جميعاً.

 

مقالات ذات صلة