3 مارس 2022

المرأة في الإسلام.. كيف كان الرسول يتعامل مع نسائه؟

محرر متعاون

محرر متعاون

المرأة في الإسلام.. كيف كان الرسول يتعامل مع نسائه؟

رسول الله صلى الله عليه وسلم هو قدوتنا ومثلنا الأعلى في كل أمورنا الخاصة والعامة ، استجابة لقول الحق سبحانه:«لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا».

فما الذي تعلمناه من رسول الأعظم في التعامل مع الزوجة؟ وكيف يستوعبها الزوج في انفعالاتها وحالات غضبها؟ وما هي صور مراجعتها وضبط سلوكها عندما يصدر منها ما هو مخالف لتعاليم الشرع وأدب العلاقة الزوجية؟

المرأة في الإسلام.. كيف كان الرسول يتعامل مع نسائه؟

الإسلام يرفض ويدين كل سلوك عنيف من الزوج تجاه زوجته، فكل زوج مطالب شرعا أن يتعامل مع زوجته بإحسان

في البداية يؤكد د. أحمد الطيب، شيخ الأزهر، أن القرآن الكريم رسم صورة مثالية للعلاقة بين الزوجين، فقال سبحانه وتعالى:«ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون»، فالرجل مطالب شرعا بإحسان التعامل مع زوجته، والزوجة كذلك، فالعلاقة بين الزوجين تقوم على الإحسان المتبادل، وعلى الرجل أن يكون هو المبادر بالمودة والرحمة ليحصد ثمرة ذلك كل المعاني الإنسانية النبيلة التي توفر له ولأسرته كلها الاستقرار والسعادة التي يبحث عنهما كل زوج.

لذلك يؤكد د. الطيب أن الإسلام يرفض ويدين كل سلوك عنيف من الزوج تجاه زوجته، فكل زوج مطالب شرعا أن يتعامل مع زوجته بإحسان، ويقول «يحرم على الرجل أن يقهر زوجته في بيت الزوجية، فالمرأة ليست جارية في بيت زوجها، ولا ينبغي أن يتعامل معها رجل بهذا المفهوم الخاطئ الذي لا يقره دين ولا عرف، ولا يجوز لرجل أن يزعم أن الإسلام يقر سلوكه، فمن يفهم ذلك من تعاليم الدين فهو يعاني من قصور في الفهم والإدراك، وعليه أن يراجع نفسه، أو يذهب للعلاج لدى الأطباء النفسانيين، فالشريعة الإسلامية وفرت للمرأة في بيت زوجها كل وسائل الحماية والتكريم».

ويشدد شيخ الأزهر على أن الإسلام يدين سلوك الزوج الذي يحرم زوجته من حقوقها الشرعية ويسيء إليها، ولا يعاملها بما يجب أن يعامل به الأزواج أزواجهن.. مشيراً إلى أن علاقة الزوج بزوجته يضبطها الشرع والعرف، ولا يجوز لرجل أن يخرج على تعاليم الإسلام ويلحق أي أذى بدني أو نفسي بشريكة حياته، فشريعة الإسلام العادلة تحرر المرأة من عادات جاهلية انتقصت من حقوقها، وتعاملت معها كإنسان مسلوب الإرادة والحقوق، لذلك نحن نؤيد ونساند كافة الإجراءات التي تضمن حق المرأة في التعليم الكامل والكرامة، وكافة حقوقهن التي كفلها الإسلام، وهي كثيرة ومتنوعة وتتفوق على منظومة الحقوق التي يتغنى بها الغرب الآن.

وينتهي د. الطيب إلى أن إكرام الرجل لزوجته «خلق نبوي كريم» إلى جانب كونه شريعة وعرف لا يجوز التخلي عنه، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم في بيته ومع أزواجه جميل العشرة، دائم البشر، يداعب أهله ويتلطف بهن وينفق عليهن بقدر ما يرزقه الله، ويضاحك نساءه، ويسابق بعضهن.. تقول السيدة عائشة رضي الله عنها: سابقني رسول الله صلى الله عليه وسلم فسبقته، ثم سابقته فسبقني فقال: «هذه بتلك».

المرأة في الإسلام.. كيف كان الرسول يتعامل مع نسائه؟

كان الرسول صلوات الله وسلامه عليه يحترم عقل المرأة وقدراتها الفكرية والعقلية

عالم السنة النبوية د. أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، يؤكد أن علاقة الرسول بزوجاته تجسد أروع صور التسامح والعفو والرحمة وتكشف عن منظومة أخلاقية للتعامل بين الزوجين وخاصة من جانب الرجل، ويبين «في بيته كان صلى الله عليه وسلم يعاون زوجاته فيقوم بما يستطيع من أعمال البيت دون أن يطلب منه، فكان، كما نقلت لنا الروايات الصحيحة، يرقع ثوبه ويخيط نعله، ويرفق بزوجاته، ولا يكلفهن ما لا يستطعن، وكان إذا دخل البيت بادر بالسلام، وإذا سلم ليلا فبصوت خافت حتى تسمعه زوجته إذا كانت يقظة، ولا تستيقظ إذا كانت نائمة، ينصف بين أزواجه في كل شيء: المأكل والملبس والنفقة واللقاء، ويزور بيت كل واحدة منهن بعد صلاة العصر، ويسأل عن حاجتهن».

ويضيف د. هاشم «وفي الوفاء بالحقوق، كان صلى الله عليه وسلم حريصا على أن يعدل بين زوجاته عدلا تاما في الحضر والسفر، حتى أنه كان يقترع بينهن عند سفره في الغزوات، وكان صلوات الله وسلامه عليه يحترم عقل المرأة وقدراتها الفكرية والعقلية، ويأخذ بمشورتهن في بعض الأمور، وقد سجل التاريخ كيف أنه أخذ بمشورة السيدة (أم سلمة) رضي الله عنها في صلح الحديبية، حينما نقض المشركون العهد الذي كان بينهم وبين الرسول صلى الله عليه وسلم، وأمر الله رسوله بأن يتحلل من العمرة بعد أن كتب كتاب الصلح، فلما فرغ قال للناس: «قوموا فانحروا»، فلم يقم منهم أحد حتى قالها ثلاثاً فلم يقم أحد منهم ولا تكلم أحد، ودخل صلى الله عليه وسلم على أم سلمة فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت أم سلمة،رضي الله عنها، يا نبي الله أتحب ذلك؟ اخرج ثم لا تكلم أحداً منهم كلمة حتى تنحر بدنك، وتدعو حالقك فيحلق، فخرج صلى الله عليه وسلم ففعل ذلك، فما رأوه حتى قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضا.

كان صلى الله عليه وسلم يحترم مشاعر زوجاته دون أن يرتكب مخالفة شرعية، وقد حدث وغضبت إحدى زوجاته من أنه ذهب لزوجة أخرى لم يكن يومها وأكل عندها، فحرم رسول الله على نفسه أن يأكل هذا الطعام مرة أخرى إرضاء لمشاعر زوجته حتى نزلت الآية الكريمة: «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ».

ويواصل د. هاشم «كان صلى الله عليه وسلم يعين أهله، ويراعي أزواجه، ويعمل على راحتهن.. تقول أم المؤمنين صفية إنها كانت في سفر مع النبي تركب معه وقد تغطت بعباءة، فكانت إذا أرادت أن تركب كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس عند بعيره فيضع ركبته فتضع صفية رجلها على ركبته حتى تركب، وعنها رضي الله عنها قالت: حج رسول الله صلى الله عليه وسلم بنسائه، فلما كان ببعض الطريق برك جملي وكنت من أحسرهن ـ أعياهن ـ ظهرا، فبكيت فجاء النبي صلى الله عليه وسلم وجعل يمسح دموعي بردائه وبيده».

المرأة في الإسلام.. كيف كان الرسول يتعامل مع نسائه؟

على كل رجل أن يتعلم من سلوك الرسول في بيته بأن شغل الرجل داخل بيته ومساعدته لزوجته لا يقلل من شأنه، ولا يضعف من هيبته

وتطالب الداعية الأزهرية د. أمنة نصير، أستاذة العقيدة والثقافة الإسلامية بالأزهر، الرجال بالتعرف على كيف كانت علاقة الرسول بزوجاته، وتوضح «رسولنا العظيم وضع ميثاقا تاريخيا لضبط العلاقة الزوجية من المهم أن يتعرف عليه كل زوجين وخاصة الرجال الذين يتعاملون مع زوجاتهم بعنف وقسوة، ويعتقد بعضهم أو كثير منهم أن مساعدة الزوجة في الأعمال المنزلية «عيب» لا يجوز للرجل أن يفعله، فرسول الله صلى الله عليه وسلم الذي نشأ وتربى في بيئة جاهلية تستعبد المرأة وتجعل منها مجرد خادمة في البيت، هو من أرسى قيمة التعاون بين الرجل وزوجته، ومساعدة الزوجات في أعمال البيت، وهو من جسد فضل قضاء الرجل لما يستطيع من أموره وحاجاته الشخصية..

فكان صلى الله عليه وسلم قدوة ومثلا لجميع الرجال في ذلك، كان يخيط ثوبه ويخصف نعله، ويرفع دلوه، ويحلب شاته، ويخدم نفسه، وهو بهذا يضرب المثل في التعاون الذي يجب أن يسود جو الأسرة، فهي شراكة لا ينبغي أن يجد أحد أعضائها حرجا أو غضاضة في عمل ما، يساعدها على الوصول إلى غايتها من الاستقرار والسعادة، حتى في ظل وجود الخدم الذين قد يتولون كثير من الأعمال المنزلية».

وتضيف «على كل رجل أن يتعلم من سلوك الرسول في بيته بأن شغل الرجل داخل بيته ومساعدته لزوجته لا يقلل من شأنه، ولا يضعف من هيبته، فقد بين لنا صلوات الله وسلامه عليه أن أفضل الرجال ما كان في مساعدة أهله، فقال في الحديث الصحيح: «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي». كما تروي لنا كتب السنة والسيرة النبوية كيف كانت إنسانية الرسول في كل سلوكياته وتصرفاته مع أهل بيته، فكان ألين الناس، بساماً ضاحكاً، وكان يتبسط مع زوجاته ويدخل السرور على قلوبهن بما تقتضيه الطبيعة، فكان يسرب إلى السيدة عائشة بنات الأنصار ليلعبن معها، وكان يريها الحبشة وهم يلعبون في المسجد وهي متكئة على كتفه، وكان يسابقها فيسبقها وتسبقه، وذلك كنوع من الترفيه، يسري به عن قلوب زوجاته، اللاتي فرض عليهن الاستقرار في البيوت».

تقول د. أمنة «تصرفات رسول الله صلى الله عليه وسلم مع زوجاته تجسد أروع صور الوفاء للزوجة، خاصة عندما تكون مخلصة، وحريصة على زوجها وعلى حياتها الزوجية.. فكان صلى الله عليه وسلم وفيا إلى أبعد حدود الوفاء لزوجاته، لم ينس قط أياما سعيدة قضاها مع السيدة خديجة قبل بعثته وبعدها، فكان يذكرها بعد وفاتها دائما بالخير ويكرم أهلها وصديقاتها، ولم تستطع عائشة على ما لها من منزلة في قلبه أن تنسيه ذكراها، فهي التي آمنت به حين كفر الناس، وصدقته حين كذبه الناس، وواسته حين حرمه الناس، وكان له منها الولد».

 

مقالات ذات صلة