5 أكتوبر 2020

د. هدى محيو تكتب: عقلية المسافر الجديدة

أستاذة وباحثة جامعية

أستاذة وباحثة جامعية

د. هدى محيو تكتب: عقلية المسافر الجديدة

من العادات التي تأصلت خلال العقود الأخيرة في حياة الناس في جميع أرجاء العالم، التي حرمنا منها فيروس «كورونا» أو «كوفيد 19»، عادة السفر والسياحة في فصل الصيف. وقد شهدت منصات التواصل الاجتماعي في الكثير من الأحيان، نقاشات جدية بين الأسر والأصدقاء وحتى الغرباء حول الموضوع، حيث يقال إن المسافر بهدف السياحة يضع نفسه وصحته في خطر من دون سبب وجيه يجبره على السفر أو ينشر الفيروس في أرجاء الأرض من دون علم منه، إن كان هو مصابًا به.

وفي الحقيقة، ثمة مروحة من المواقف الشديدة الاختلاف حول الموضوع. فمنهم من يعتبر أن السفر الضروري والذي لا بد منه هو وحده المسموح به، في حين يعتبر نقيضهم أن لا مشكلة في السفر طالما أن المسافرين يتبعون إرشادات السلامة والوقاية، وما بين الموقفين هناك من يبرر السفر لغايات أسرية أو السفر بالسيارة وسواها من تلاوين المواقف المتعددة. بيد أن الشيء الوحيد المؤكد هو أن قطاع السياحة في العالم قد تلقى ضربة قاسية جدًا سيحتاج إلى سنوات لينهض منها. ففي الولايات المتحدة الأمريكية وحدها، خسر قطاع السفر والسياحة 341 مليار دولار منذ بداية الجائحة في مارس الماضي.

ولن يتمكن هذا القطاع من النهوض ما لم يجار عقلية الزبون المستجدة. فزبون ما بعد «كورونا» لن يكون هو نفسه زبون ما قبل «كورونا»، حتى لو كان الشخص نفسه لأن عقليته قد تغيرت. فبعد أن كان المسافر قبل «كورونا» يحمل همًا أساسيًا هو الحفاظ على أمنه وسلامته ومن ثم راحته ومتعته، صار المسافر بعد «كورونا» أو المجبر على السفر أو المحب له لا يفكر سوى بصحته. وصار أمنه وسلامته يمران عبر هواجسه الصحية وما تفرضه من إجراءات وقاية، حتى على حساب راحته ومتعته، تمامًا مثلما تقبل إجراءات الأمن المشددة في المطارات من دون تذمر خوفًا من العمليات الإرهابية، بل صار يطالب فيها، تراه الآن يطالب بإجراءات الوقاية والنظافة خوفًا من هذا الفيروس الإرهابي الجديد، سواء أكان في المطارات أم في الفنادق والمطاعم.

وقد باشرت بعض شركات الفنادق العالمية بمجاراة هذه العقلية والاستجابة لها بأن رفعت معدلات النظافة والتعقيم والاهتمام الزائد في أماكن تواجد الزبائن المكثف ووضع الأختام على أبواب الغرف للإشارة إلى أن أحدًا لم يدخلها بعد تنظيفها، كل هذا بهدف كسب ثقة الزبون أو استرجاعها. كما يذهب بعضها الآخر إلى ما هو أبعد من هذا، إلى ما أسموه «السفر التجديدي» الذي يصير فيه المكان أفضل مما كان عليه حينما وصل الزبون إليه. وفي أي حال من الأحوال، لن يكون هذا هو الشيء الوحيد الذي سيتغير في عقلياتنا بعد «كورونا»، لأن التغيير سيطال جوانب مهمة من حياتنا، يكفي أن نشير منها إلى طرائق التعليم الحضوري/الغيابي في السنة التي تبدأ الآن.

 

 

مقالات ذات صلة