10 مارس 2021

د. هدى محيو تكتب: ماذا حلَّ بخبزنا اليومي؟

أستاذة وباحثة جامعية

أستاذة وباحثة جامعية

د. هدى محيو تكتب: ماذا حلَّ بخبزنا اليومي؟

لماذا صار الخبز هو الطعام الأول الممنوع أو «المحجور» في كل أنظمة الحمية الصحية في أيامنا هذه بعد أن كان هو الطعام «المقدس» ورمز المحبة والتقاسم والعطاء؟ «صار بيننا خبز وملح» عبارة ترمز إلى هذه القيمة، فهل تستبدل «صار بيننا «توست وزيت» بها؟ 

يتهم الخبز العصري بأنه يحدث مشكلات هضمية وحساسية وأكزيما ويجعل الأمعاء هشة ويفاقم أمراض جهاز المناعة وزيادة الوزن والسكري والاكتئاب. فكيف وصلت الأوضاع إلى هنا في حين أن الخبز كان، من حوالي خمسين عامًا فقط، يعتبر الغذاء الشافي ويؤكل منذ أكثر من ثمانية آلاف سنة في الهلال الخصيب وينتشر منه ليعم أرجاء أوروبا والمعمورة. هو الخبز الذي ورد ذكره في الكتب المقدسة والخبز الذي حمى من المجاعات والأوبئة على مدى آلاف السنوات، على الرغم من انعدام المضادات الحيوية واللقاحات. 

يقولون لنا إن خبز أيام زمان اندثر من دون رجعة لأن كلفة تصنيعه تفوق بعشرين مرة كلفة تصنيع الخبز الذي نعرفه اليوم. يقولون إن الخبز القديم نادر وثمين، فخبز بلاد ما بين النهرين لا يمتلك سوى أربعة عشر كروموسومًا مقابل الستة وأربعين التي تحملها حبات القمح الهجينة والمركبة جينيًا. وهو كان ينمو في أراضٍ فقيرة، صخرية لا مبيدات فيها ولا أسمدة كيماوية. ثم كان يحصد بالمنجل ويضرب بالعصي الخشبية ثم يرص لفصل الحبة عن القشرة وبعدها يطحن بطواحين من الصوان التي تدور فيه ببطء شديد لتحول دون أن يصاب بالإحماء والحرارة فيصير طحينًا دسمًا مفعمًا بالمغذيات التي تقضي عليها اليوم آلات الطحن الحديثة. ثم يخلط بماء العين الصافية، وليس بماء مشبعة بالكلور مع الخميرة الخاصة به. 

وقد عرفت أهمية الخميرة بقدر أهمية القمح، ولا علاقة لها بالخمائر الصناعية التي تستخدم في أيامنا هذه لتزيد نوعية الخبز سوءًا. فقد كانت كل قرية تمتلك خميرتها التي تصنعها من مكونات خاصة ببيئتها لترتدي الخميرة أهمية أدخلتها بدورها معجم الحكم حينما يقال عن شخص جيد إنه «خميرة في الأرض»، هذا لأن الخميرة الأصلية كان يحتفظ بها لعشرات السنوات وحتى لمئات منها وتخبأ في مكان سري ويؤخذ منها القليل في كل مرة من أجل صنع الخبز الجديد. وفي الخميرة هذه حلول لمشكلات الهضم لأنها تحول الطحين والماء والملح إلى مادة حية ومغذية. 

يقولون إن خبزًا كهذا صار مستحيلاً بسبب كلفته الباهظة، ولكن هل يعجز الإنسان، الذي صار على عتبة أن يمزج بين المكونات البشرية ومكونات الآلة البيونية لينتج إنساناً خارقاً، من أن يجد طريقة له عصرية يستعيد بها طريقة أجدادنا في الحفاظ على خبزنا وميراثنا الطبيعي؟ الجواب بديهي لو توافرت الإرادة.

 

مقالات ذات صلة