3 مارس 2022

حوار مع لينا أميري الخبير المساعد في «إدارة علم الجريمة» بشرطة دبي

محررة في مجلة كل الأسرة

محررة في مجلة كل الأسرة

حوار مع لينا أميري الخبير المساعد في «إدارة علم الجريمة» بشرطة دبي

قادتها الصدفة إلى اختيار مجالين مختلفين للدراسة، لتتمكن من الحصول على شهادتي بكالوريوس في جامعة جريفيث بأستراليا، إحداها في العلوم الجنائية تخصص أحياء، والثانية في علم الجريمة والعدل الإجرامي، ليتم اعتمادها دولياً كمحلل أنماط جنائي من قبل أكاديمية التنميط السلوكي الأمريكية، وكمقابل جنائي مع الأطفال من قبل الرابطة الوطنية للمقابلين الجنائيين المعتمدين، لتعد أول من تم اعتمادها في الشرق الأوسط بالمجالين.

هي لينا محمد أميري، خبير مساعد بالإدارة العامة للأدلة الجنائية وعلم الجريمة في القيادة العامة لشرطة دبي، التقيناها لنتعرف إلى طبيعة عملها وما يقدمه من إسهامات للكشف عن الجرائم الغامضة:

حوار مع لينا أميري الخبير المساعد في «إدارة علم الجريمة» بشرطة دبي

جمعت بين شهادتي بكالوريوس، فما الذي استهواك في دراسة مجالين مختلفين؟

اختياري للمجالين كان بمحض الصدفة، فأثناء حضوري معرضاً للجامعات الأسترالية للبحث عن جامعة تقدم تخصصاً في علم الجينات، ولأنني كنت أرغب في الالتحاق بمجال العمل الجنائي، نصحني مختص أكاديمي بأن أدرس العلوم الجنائية (الأحياء) لجمعها بين علم الجينات ومفاهيم مختلفة تهم الخبير الجنائي كمفهوم (Chain of custody)، أو ما يسمى بسلسلة حجز الأدلة، على سبيل المثال، والذي يهتم بالحفاظ على مسار انتقال وتحويل واستلام الأدلة المادية من مسرح الجريمة إلى التوصل للنتائج من قبل الخبير الجنائي وعرضها على المحكمة، وبما أن هناك فرصة للدمج قمت باختيار تخصص علم الجريمة والعدل الإجرامي ليكون مكملاً للعلوم التي اكتسبتها.

ما التحديات التي واجهتك في البداية، وكيف استطعت اجتيازها؟

لا توجد مرحلة جديدة تمر على الإنسان لا تضم مجموعة من التحديات، ففي بداية عملي حينما أصبحت من ضمن الخبراء الجنائيين الذين يعملون يداً بيد للحفاظ على الأمن الذي نعيشه بدولتنا الغالية، كان علي أن أفصل بين عملي الجنائي وحياتي الخاصة، إذ كنت أحمل معي الأحداث التي أمر بها إلى المنزل وأفكر بها بشكل مستمر وأشعر بألم الأشخاص، خاصة الأطفال منهم ولكنني قمت بتدريب ذاتي على ألا أحمل معي هذه القصص والأحداث بانتهاء وقت عملي، حتى لا تؤثر بشكل سلبي فيّ ومن حولي.

حوار مع لينا أميري الخبير المساعد في «إدارة علم الجريمة» بشرطة دبي

انضممت إلى العمل في القيادة العامة لشرطة دبي في عام 2013، بقسم البيولوجي والحمض النووي، فما الذي استفدته من تلك المرحلة من خبرات؟

«البيولوجي والحمض النووي»، من الأقسام القريبة إلى قلبي لأنه يعكس اهتمامي الأول وهو علم الجينات، فمن هذا القسم اكتسبت الخبرة العملية في التعامل مع الأدلة المادية والمصادر البيولوجية بمختلف أنواعها، فتمكنت بفضل تلك الخبرة أن أنقل هذه العلوم إلى التنميط الجنائي وأن أفهم قراءات الحمض النووي وطبيعة الآثار البيولوجية، التي من الممكن أن نجدها بمسرح الجريمة على حسب الوقائع، ومن بعدها يمكنني التحليل والربط بنتائج تقارير الخبراء الآخرين والخروج بتوصيات تسهم بالتقدم في التحقيق.

تشغلين حالياً منصب خبير مساعد في علم الجريمة، صفي لنا طبيعة عملك تحديداً؟

طبيعة عملي تتلخص في دراسة ملفات الشكاوى والبلاغات، التي تتم إحالتها إلينا من قبل الشركاء الداخليين والخارجيين للقيادة العامة لشرطة دبي، إذ يتم دراسة ما يعتقد بأنها حقائق ويتم بناء فرضيات مختلفة بعيدة عن أي تأثير يسبب انحيازاً لا إرادي أثناء العمل، وبناء على هذه الفرضيات يتم تحديد طبيعة الأسئلة وتكون مختصة على حسب نوع الجريمة وأحداثها وذلك يعود إلى أن كل قضية تختلف عن الأخرى، وبعدها أقوم وزملائي في القسم بإجراء المقابلات الجنائية سواء مع البالغين أو الأطفال، سواء كانوا (ضحايا، متهمين أو شهود) وتطبيق أي اختبارات فنية مناسبة للإجابة على أسئلة مثل: مدى صحة إفادة الأطراف؟ مدى احتمالية حدوث الواقعة المزعومة من عدمها؟.

التنميط الجنائي هو تخصص فرعي في مجال علم الجريمة، متفرع من العلوم السلوكية والجنائية معاً

توصلت إلى بروتوكول يجمع بين أفضل الممارسات العالمية وحاز على جائزة في برنامج دبي للجودة، فما مضمونه وما الذي يقدمه لعلم الجريمة؟

يهدف البروتوكول إلى التأكد من أن جميع الإجراءات التي يقوم بها المقابل الجنائي تتماشى مع قانون (وديمة) لحماية الطفل، كما يسهم البروتوكول في تقوية وتعزيز مبادرات الدولة في مجال رعاية وحماية الطفل، والذي يعكس على المستوى العالمي جهودها لصون حقوق الطفل، فهو مبني على جهود عدد كبير من الخبراء الجنائيين والمختصين النفسيين والباحثين الاجتماعيين والقضاة والقانونيين، ويسهم في التقليل من الصدمات لدى الطفل مع مراعاة أخذ معلومات دقيقة والمحافظة على الصحة النفسية والعقلية له أثناء ذلك، على أن تكون مرحلة المقابلة الجنائية بداية التعافي للأطفال الذين تعرضوا فعلياً لواقعة ما.

حوار مع لينا أميري الخبير المساعد في «إدارة علم الجريمة» بشرطة دبي

تعدين أول محلل أنماط جنائي في الشرق الأوسط، فما المقصود بمصطلح التنميط الجنائي ومسمياته؟

التنميط الجنائي هو تخصص فرعي في مجال علم الجريمة، متفرع من العلوم السلوكية والجنائية معاً، فهو عبارة عن بناء استنتاجات لخصائص المجرمين الجسدية والعاطفية والنفسية والمهنية وحتى عاداتهم السلوكية، ويتم تسميته بمسميات مختلفة ولكنها ليست متداولة بكثرة مثل تنميط الجاني، وتنميط السلوك الإجرامي، وتنميط الشخصية الإجرامية، والتنميط النفسي، وتحليل التحقيق الجنائي، وإن كنت أفضل استخدام المسمى العام وهو التنميط الجنائي.

يقع بعض المحللين في التخمين بدلاً من الموضوعية في التحليل، كيف تجنبين نفسك ذلك؟

الخبراء الجنائيين يتم تأهيلهم وتدريبهم لأن يكونوا موضوعيين في عملهم، ولكن هناك عوامل قد تؤثر في الشخص لكونه إنساناً لديه مشاعر قد تنحاز لمعلومة معينة، ولكن عندما يرتفع الوعي بالذات لدى الخبير يصبح قادراً على مقاومة الانحياز بجميع أنواعه، كما يجب أن يعي الخبراء الجنائيين بشتى تخصصاتهم بأن أهم قيمة موجودة في مجال العلوم الجنائية هو تقيدها والتزامها باتباع الأسلوب العلمي، أو كما يصفها الغرب بـ «The scientific method» والذي يتطلب موضوعية وتوظيف أساليب علمية متفق عليها في المجالات العلمية، وبما أن عمل المحلل الجنائي يعتمد في نتائجه على ما يقدمه الخبراء الجنائيين من نتائج في التقارير الفنية التي تخضع لمراجعة من النظراء في التخصص، فإن ذلك يؤدي إلى تجنب وقوعه في التكهن والانحياز، بدلاً من التركيز على هدف واحد وهو توجيه الاتهام.

أكثر ما يزعجني قيام أبوين مطلقين بجر أطفالهما لمشاكلهما

ما أكثر ما يزعجك أثناء إجراء مقابلة مع طفل؟

من الأمور المزعجة التي قد نواجهها هي مقابلة طفل ما والتوصل إلى أنه لا صحة للادعاء بسبب أن صيغة السؤال الذي طرح عليه ممن حوله أدى إلى قيامه بإعطاء معلومات غير صحيحة حول واقعة ما، كأن تكون إما أسئلة إيحائية أو نبرة صوت عالٍ يملؤها الغضب، وهو ما يدفع الطفل إلى التفكير في الخروج من هذا الموقف، فيبدأ بإعطاء معلومات تؤثر سلباً في الطرف الذي تم اتهامه، أو أن يتم الضغط عليه من قبل أولياء الأمور ليصرح عن معلومة معينة، وهنا يأتي دور المقابل الجنائي الذي يجري الحوار بأسلوب مناسب بدون أن يتم الضغط على الطفل، كما يزعجني أيضاً قيام أبوين مطلقين بجر أطفالهما في مشاكلهما، ومحاولة إيقاع كل طرف للآخر دون الالتفات للضرر الواقع على الأبناء.

كيف تتعاملين مع مسرح جريمة فسدت معالمه بشكل يخفي الحقيقة بطريقة احترافية؟

هناك عدد من العناصر إن وجد يعطي إشارة بأنه تم العبث بمسرح الجريمة، وهو ما يزيد من نسبة الشك لدى المحققين والمحللين وهذا شيء طبيعي يستدعي المزيد من التحقيق من قبلهم وصولاً إلى المسار الصحيح للبحث عن المزيد من الأدلة الجنائية.

أتطلع إلى تأهيل كوادر مستقبلية متخصصة في مجال عملي

هل تتذكرين موقفاً مؤلماً مرّ بك أثناء عملك وما زال عالقاً بذهنك؟

أتذكر عندما كنت في فترة التدريب ورأيت جثة متوفى بحادث مروري، وتأثرت كثيراً على مدار أيام وكنت أقول في نفسي، قدم هذا الشخص إلى الدولة لكسب الرزق ليدعم عائلته ولكن قدره قاده إلى حادث مروري قلب موازين تلك الأسرة ولكن ما جعلني أتقبل ما حدث هو أنها إرادة الله تعالى، كما أتذكر بأنني عملت مع إحدى الزميلات على أخذ عينة من جنين لا يبلغ طوله أكثر من سنتيمتر واحد وهو ما أثر في كثيراً.

ما الذي تطمحين بالوصول إليه في المستقبل؟

أتيحت لي فرصة الانضمام إلى أول دفعة من برنامج إقامة لمحللي الأنماط الجنائيين تضم 3 منتسبين فقط للعمل على قضايا فعلية تحت إشراف الدكتور برينت تيرفي وهو مدير معهد العلوم الجنائية وعلم الجريمة الأمريكي (FCI) ومؤسس أسلوب تحليل الأدلة السلوكية في التنميط الجنائي (BEA)، وآمل الانتهاء من هذا البرنامج خلال الأشهر القادمة، وبما أنني فخورة بالتخصص في التنميط الجنائي أطمح إلى أن أترك بصمة باسم الإمارات في هذا المجال، وبعد سنوات عديدة عندما يتم التحدث عن تاريخ التنميط الجنائي في الشرق الأوسط يتم ذكر الإمارات كأول دولة في المنطقة تعزز من هذا الدور،كما أتطلع إلى تأهيل كوادر مستقبلية متخصصة في هذا المجال، ومن بعدها العمل مع الدول الأخرى في المنطقة لتطوير هذا الاختصاص.

*تصوير: السيد رمضان

 

مقالات ذات صلة