8 يونيو 2022

إنعام كجه جي تكتب: نريد سينما في بلدة «جرينيي» الفرنسية

صحافية وروائية عراقية تقيم في باريس

صحافية وروائية عراقية تقيم في باريس.

إنعام كجه جي تكتب: نريد سينما في بلدة «جرينيي» الفرنسية
بلدة «جرينيي» في فرنسا

يمكن النظر إلى هذا الخبر من عدة زوايا. هذا هو ما حدث معي على الأقل. وهو يتعلق ببلدة صغيرة إلى الجنوب من باريس، اسمها «جرينيي». وأزعم أن من يزورها مرة لن يعود لزيارتها ثانية إلا تحت ضغط الشديد القوي.

لماذا؟ لأنها فقيرة. قذرة. يسرح فيها العاطلون وتجار المخدرات. مهملة من الدولة ولا تشبه القرى القديمة المحيطة بها.

من بعيد تبدو لك واحة محاطة بالخضرة، تنتشر فيها عشرات العمارات والأبراج السكنية الحديثة. لكنك حين تقترب منها وتقترب من مبانيها تكتشف أن يد الصيانة لم تمتد لها منذ عقود.
لهذا فإن أسعار المساكن فيها أقل من غيرها بنسبة كبيرة. بل إن كل هذه العمارات هي من المباني المخصصة لذوي الدخل المحدود، أي بصريح العبارة لأولئك الذين يعيشون على المساعدة الاجتماعية. وأغلب السكان هم من المهاجرين الأفارقة والمغاربة.

كيف نقول إن الدولة تهمل «جرينيي» في حين أنها هيأت شققاً لساكنيها ودخلاً شهرياً؟

المشكلة هي في الخدمات. والمساكن تحتاج مدارس ومشافي وملاعب ومواصلات تتوفر فيها أبسط الشروط. ومع تقاعس الجهات المعنية فإن الفوضى لابد وأن تمتد للمكان، وتتزايد في الشوارع حوادث النشل وتكسير السيارات والتحرش بالعابرين والعابرات.
ويقال إن دوريات الشرطة تتردد في اقتحام الزوايا الخطرة منها.

بذل عمدة البلدة جهوداً جبارة لإقناع الجهات المختصة ببناء صالة ضخمة للسينما في «جرينيي». تعثر المشروع عدة مرات وها هو يوشك أن يرى النور. فرح شباب المدينة وتنفس أهلها الصعداء. ستكون لديهم، أخيراً، فسحة للخروج وقضاء وقت لطيف خارج الشقق التي تشبه صناديق خانقة.

لكن سكان البلدات المجاورة خرجوا يعترضون على بناء السينما. فهي ستكون بأحدث المواصفات وبالتالي ستسرق منهم شبابهم وستؤثر في عائدات صالات السينما في بلداتهم.
يعني لن أدعك تفرح ولا أن أفرح معك! والعربي الفصيح «جت الحزينة تفرح ما لقت لها مطرح».

من يصدق أن هذا النوع من التحاسد الاجتماعي والاقتصادي يمكن أن يجري في فرنسا، بلد الجمال والحقوق والفنون، وعلى شمرة عصا من عاصمة النور؟

وهكذا فإن «جرينيي» ستبقى حتى إشعار آخر محرومة من نسمة طيبة. أما عمدتها فإنه يشد شعره من الغيظ ويطرق كل الأبواب لكيلا يتم إجهاض مشروع السينما. وهو يقول للمسؤولين إن الفضاءات الفنية هي التي تهذب طبائع البشر، وإن للسينما سحراً يهدئ النفوس. وإذا كنتم تأملون خيراً لهذه البلدة الحزينة فشيدوا بدل الصالة صالات، وبدل الملعب ملاعب. إنها ضاحية ترقص من الألم.

 

مقالات ذات صلة