28 يوليو 2022

أسرار لاتعرفها عن كوبري قصر النيل في مصر

محرر متعاون - مكتب القاهرة

محرر متعاون - مكتب القاهرة

أسرار لاتعرفها عن  كوبري قصر النيل في مصر

تستقبل الأسود البرونزية الأربعة، زوار كوبري قصر النيل الشهير في مصر، بمهابة تليق بتاريخ هذا الجسر العريق الذي يصنف باعتباره أقدم الجسور المصرية التي أنشأت خلال القرنين الماضيين لربط ضفتي النهر الخالد، وشهدت خلال تلك الفترة من الزمان العديد من الأحداث التاريخية، التي تمثل مفاصل رئيسية في تاريخ مصر الحديث والمعاصر.

لماذا بني كوبري قصر النيل؟

أسرار لاتعرفها عن  كوبري قصر النيل في مصر

يرجع تاريخ بناء هذا الجسر المنيف، في حقيقة الأمر، إلى منتصف عام 1871، عندما قرر الخديوي إسماعيل أن يمد جسراً كبيراً فوق نهر النيل في منطقة وسط القاهرة، ليربط بين ضفتي النهر في المنطقة المواجهة لميدان التحرير حالياً، حتى مجمع الأوبرا في الطرف الجنوبي من النهر، ليتحول هذا الجسر بعد مرور حقب زمنية عدة إلى أحد أهم الشرايين التي تربط بين محافظات القاهرة الكبرى.

قصة بناء كوبري قصر النيل؟

أسرار لاتعرفها عن  كوبري قصر النيل في مصر

وتروي العديد من الوثائق التاريخية قصة بناء هذا الجسر العظيم، الذي بني على مرحلتين، حيث بدأت مرحلة البناء الأولى التي استمرت لنحو ثلاث سنوات حتى منتصف عام 1871، وبلغت تكلفتها ما يزيد على 113 ألف جنيه مصري، فيما بدأت المرحلة الثانية التي شملت تطوير الجسر على صورته الحالية، في عصر الملك فؤاد الأول، الذي أوكل المهمة إلى السير رالف فريمان، مصمم جسر ميناء سيدني بأستراليا، بتكلفة إجمالية قدرت وقتها بنحو 291955 جنيه مصري.

أسرار لاتعرفها عن  كوبري قصر النيل في مصر

كان طـول الجسر في البناء الأول يصل إلى 406 أمتار، وعرضه لا يزيد على 10 أمتار، وقد قامت بتصميمه شركة فرنسية، وقد كان الجسر حسب التصميم القديم، مكوناً من ثمانية أجزاء، من بينها جزء متحرك، من ناحية ميدان التحرير، علاوة على جزأين نهائيين بطول 46 متراً، إلى جانب خمسة أجزاء أخرى متوسطة. استغرقت عملية البناء الثاني ما يزيد على عامين، إذ كان يتعين على مشيدي الجسر أن يوقفوا العمل تماماً خلال الفترة التي كان يفيض فيها النيل، فتغطي مياهه الضفاف الممتدة على جانبي النهر.

أسرار لاتعرفها عن  كوبري قصر النيل في مصر

كانت مرحلة بناء الدعائم هي المرحلة الأصعب في تشييد الجسر، وقد بدأت عملية تنفيذ البناء الثاني له في إبريل عام 1931، بإنشاء قيسون تتم عليه إقامة دعائم الجسر، والقيسون حسب علم الإنشاءات الهندسية هو تلك الحجرة المنيعة للماء، التي تنشأ من أجل العمل تحت سطح البحر، وقد استلزم بناء الجسر إنشاء قيسونين إضافيين يتكون كل منهما من إطار معدني مصنوع من الصلب، وضعت فيه كمية ضخمة من الخرسانة المسلحة تفضي إلى غرفة كبيرة يباشر فيها العمال مرحلة البناء تحت الأرض، فيما يفضي الجزء العلوي من القيسون إلى ما يعرف هندسياً باسم «كوب الهواء».

أسود قصر النيل الأربعة

أسرار لاتعرفها عن  كوبري قصر النيل في مصر

افتتح الملك فؤاد الأول الجسر لعبور المشاة والعربات التي كانت تجرها الحمير والخيول بعد شهور من متابعته المستمرة لعملية التشطيبات الأخيرة للجسر، الذي يعد أيقونة معمارية سواء من الناحية الفنية أو الجمالية، وهو ما لا يتجلى في موقعه الفريد فحسب، وإنما في منارتيه المصنوعتين من حجر الجرانيت، وأسوده الأربعة التي لا تزال قائمة حتى اليوم عند مدخلي الجسر.

أسرار لاتعرفها عن  كوبري قصر النيل في مصر

وتعد أسود قصر النيل الأربعة بمثابة تحفة فنية شديدة الإبهار والتميز، وقد عكف على نحتهم الفنان الفرنسي الشهير هنري ألفرد جاكمارت، في أواخر القرن التاسع عشر، ليزينوا بجلستهم المهيبة مدخلي الجسر. ومما يروى في ذلك، أن التماثيل الأربعة المنحوتة من البرونز صنعت بالأساس بتكليف من الخديوي إسماعيل لكي توضع على بوابتي حديقة حيوان الجيزة، لكنها عندما وصلت إلى القاهرة قادمة من فرنسا، راقت للخديوي توفيق، فقرر أن توضع التماثيل الأربعة عند مدخلي الجسر القديم.

هل قتلت الأسود الأربعة صاحبها؟!

أسرار لاتعرفها عن  كوبري قصر النيل في مصر

ومن أطرف ما روي عن تلك الأسود الأربعة، أنها كانت سبباً في انتحار النحات الفرنسي الشهير، الذي قام بنحتها، وتقول القصة إن جاكمارت حضر بالفعل الاحتفالية التي نظمتها مصر في ذلك الوقت بمناسبة وضع التماثيل عند مدخلي الجسر القديم، وإن جاكمارت تحدث خلال الحفل بفخر شديد عن تصميمه الفريد والمتناسق للتماثيل الأربعة، وخلوها من أي عيوب، قبل أن يباغته طفل مصري صغير، كان يندس بين الحضور، وهو يشير إلى أحد الأسود قائلاً «هوه في أسد من غير شنب؟»، لينتبه النحات الفرنسي إلى هذا الخطأ الفادح، ويظل لأيام طويلة يلوم نفسه، حتى قرر ذات مساء أن يتخلص من حياته في حادث درامي.

كان شاهدا على أحداث تاريخية

أسرار لاتعرفها عن  كوبري قصر النيل في مصر

شهد جسر قصر النيل على مدار نحو قرن ونصف قرن من الزمان، العديد من الأحداث التاريخية الكبرى التي لعبت دوراً كبيراً في صياغة تاريخ مصر الحديث، وربما كان من أبرزها الحادث المروع الذي تعرض له أحمد حسانين باشا في فبراير عام 1946، عندما اصطدمت به سيارة مسرعة بينما كان يعبر جسر قصر النيل، ما أدى إلى مصرعه على الفور.

ومع وفاة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، اتجهت الأنظار مرة أخرى إلى أقدم جسر مصري يربط بين ضفتي النيل، وهم يرون الصور المذهلة التي تناقلتها وكالات الأنباء العالمية لجنازة الزعيم، وعشرات الآلاف من المصريين يزحفون على هذا الجسر المنيف باتجاه قصر القبة، ليتحول الجسر إلى ما يشبه المزار السياحي، يتوافد عليه المئات يومياً للتنزه والاستمتاع بمشهد النهر، ونسمات الليل في ليالي الصيف.

*تصوير: أحمد شاكر

 

مقالات ذات صلة