28 أغسطس 2022

إنعام كجه جى تكتب: هل تدمع عيناك؟

صحافية وروائية عراقية تقيم في باريس

صحافية وروائية عراقية تقيم في باريس.

إنعام كجه جى تكتب: هل تدمع عيناك؟

تسأل المذيعة الجميلة ضيفها الممثل المصري رضا حامد: «هل دمعتك قريبة»؟

يرد عليها: «نعم، صارت قريبة مع التقدم في العمر. يحدث أن أتفرج على فيلم في التلفزيون فأجد عينيّ تدمعان في مشهد ما من المشاهد رغم أنني رأيت الفيلم من قبل ولم أبكِ».

ورضا حامد فنان يقترب من السبعين. قام بدور ضابط مخابرات مصري في مسلسل «رأفت الهجان»، وهو يجلس أمام المذيعة والتأثر بادٍ على وجهه، والكاميرا تذهب في لقطة مقربة نحو عينيه وكأن المخرج يتمنى استقطار دمعة... إنها عادة مخرجي التلفزيون، يعشقون الدموع ويركزون عليها باعتبارها لحظات صدق نادرة.

الممثل المصري رضا حامد
الممثل المصري رضا حامد

استمرت المذيعة في استجواب الضيف وسرحت بذكرياتي إلى أيام الطفولة.

كنا نجلس نحن البنات نشاهد الأفلام مع والدتنا ونلاحظ أنها تبكي حين يمنع الجد القاسي شادية من رؤية ابنها، أو حين يكتب عماد حمدي رسالة وداع لفاتن حمامة وهو على فراش الموت.

كانت تبكي وكنا نضحك لأننا أصغر من إدراك هموم الدنيا، ولأن عواطفنا لم تكن قد شبّت بعد.

ماما لماذا تبكين؟

غداً تكبرون يا بنات وتفهمون.

كبرت وصارت دمعتي قريبة. تسخر مني صديقاتي ويطلقن عليّ لقب «أم دميعة». وكانت حساسيتي، وما زالت، تحرجني بين الناس. لا أحتمل رؤية طفلة تستجدي عند إشارة المرور، ولا طفل تعنفه والدته وتضربه في السوق، ولا وداع حبيبين عند بوابة المسافرين في المطار، ولا إعلانات للتبرع لمستشفيات سرطان الأطفال.

أبكي بدموع داخلية حين أرى مواجهات في ساحة الأقصى بين فلسطينيين وجنود إسرائيليين، أو بيوتاً تهدم أمام أنظار أصحابها، أو مآسي العائلات السورية في مخيمات الحدود، أو عجوزاً أوكرانية مقعدة تنتظر الموت تحت القصف، أو شهيداً يودعونه في زفة عريس، أو اختناق عراقيين بين مطرقة القيظ وسندان انقطاع الماء والكهرباء، أو شابة تذبح في الشارع على يد مهووس.

صار البكاء أمام الأفلام الرومانسية مزحة قديمة. ولم تعد الدموع تطفر من أعين الأمهات الحنونات فحسب بل من محاجر الرجال.

ليس صحيحاً أن الرجال لا يبكون. هم بشر وليسوا تماثيل من حجر. فما أكثر دوافع الحزن في واقعنا وما أقل أسباب الفرح!

يقولون إن البكاء مفيد للصحة. إنه تنفيس ضروري عن احتقان القلب. وإن الدموع تغسل الحدقات وتحفظ قرنيات العيون من الجفاف. حتى العيون تجف وتتصحّر، والأجفان تتشقق مثل الأرض المشتاقة لقطرة مطر. يقول شاعرنا بدر شاكر السياب في واحدة من أشهر قصائده:

«وكم ذرفنا ليلة الرحيل من دموع ثم اعتللنا، خوف أن نُلامَ، بالمطر».

نحن لا نبكي بل هي قطرات مطر استقرت على الوجنات.

 

مقالات ذات صلة