د. رفيعة غباش تحول منزل والدتها إلى منبر للإبداع
15 سبتمبر 2022

د. رفيعة غباش تحول منزل والدتها إلى منبر للإبداع

محررة في مجلة كل الأسرة

محررة في مجلة كل الأسرة

د. رفيعة غباش تحول منزل والدتها إلى منبر للإبداع

أرادت الدكتورة رفيعة غباش أن تستعيد روح والدتها عوشة بنت حسين، وتستعيد معها وجوه الطفولة ونبض البيت الذي غادره الجميع بعد وفاة الأم عام 1992، فكان «للإبداع بيت» لينصف ذاكرة الزمان والمكان ويعلن نفسه مكانا للمبدعين الإماراتيين من فنانين تشكيليين ونحاتين ومصورين، أدركوا عبر المكان أن لأرواحهم مسكناً دافئاً.

عوشة بنت حسين
الدكتورة رفيعة غباش

حولّت منزل والدتها في منطقة الحمرية بدبي إلى مركز إبداعي

وقفت د. غباش أمام مشهد تحولات المدينة وبشكل خاص دبي ووجدت نفسها، وبدافع راية الثقافة التي تحمل لواءها وتعتبرها لغتها وغذاءها، مسؤولة أن تغذي الأمكنة ببصمات إبداعية تبلور سواء دور المرأة الإماراتية عبر متحف المرأة في «بيت البنات» في وسط سوق الذهب بدبي، أو عبر توثيق تاريخ الحركة الفنية وبلورة مفردات الكثير من أنواع الفنون، من خلال «للإبداع بيت» حيث حولّت منزل والدتها في منطقة الحمرية بدبي إلى مركز إبداعي لتستعيد نبض هذا المكان.

د. رفيعة غباش تحول منزل والدتها إلى منبر للإبداع

دوّنت عند مدخل المنزل كلمات عاطفية «أمي عوشة.. منزلك الجميل – الذي بنيته لك – ولكل الذين عاشوا معك، أصيب بحالة حزن حين خرجنا منه، وانقطعنا عنه، لكنه استطاع أن يصمد، وأخلص لأصوله كما يخلص البحر».

د. رفيعة غباش تحول منزل والدتها إلى منبر للإبداع

أعمال المبدعين الإماراتيين

هذا الإخلاص تماهى مع شخصية د.غباش التي تحركها الذكريات وملامح الطفولة ونبض القلب، وهي التي رفضت كل العروض المغرية لتغيير مكان «متحف المرأة» سابقاً وأصرّت على شراء «بيت البنات» بالملايين «لكون ما يربطني بالمكان هو تلك العلاقات الإنسانية وحميمية الوجوه داخل المنزل وفي أرقة المكان وفي السكيكة».

د. رفيعة غباش تحول منزل والدتها إلى منبر للإبداع

هو المكان إذاً يحاول أن يحتضن الذاكرة، ذاكرة الأوجه والنبض وضجيج المنازل والجيرة. أعادت صيانة المكان أكثر من مرة واحتضنت غرفه وقاعاته (4 قاعات كبيرة و8 غرف في الدور الأرضي و3 غرف في الدور العلوي وملحق مكون من ثماني غرف) أعمال مبدعين إماراتيين (نحو 85 فناناً ونحو 120 عملاً) وتم اقتناء تلك الأعمال إما شراء أو إعارة أو كهدية، دون أن تغفل جهد الكثير من الأصدقاء وبينهم «الدكتورة نجاة مكي التي وقفت معي في كل المراحل وواكبت مراحل حماستي وإحباطاتي، وفي كل مشروع قمنا به كانت تترجمه إلى لوحات وأقدر لها هذا الدعم».

د. رفيعة غباش تحول منزل والدتها إلى منبر للإبداع

تستكمل د.غباش كلماتها لوالدتها بعد أن استكملت صيانة أركانه «أما الآن، فقد رحب (أي البيت) بالضيف الجديد الذي أتى معه بالإبداع والفن والجمال والرائحة الطيبة، لقد فرح المنزل بضيفه على أمل أن يستعيد روحك الجميلة التي تبث البهجة بين جيرانك ومحبيك، وحين يستعيد روحك، سوف يستعيد الحي بهجته وتألقه»
وتجسد انفعالها العاطفي والنفسي موجزة «إنني أعيشك هنا مرة أخرى، وأتجدّد، وقلبي شاكر لكل الذين تواصلوا من الفنانين المبدعين مع أروقة البيت».

د. رفيعة غباش تحول منزل والدتها إلى منبر للإبداع

35 فرداً داخل منزل عوشة

في جولة على «للإبداع بيت»، تلتفح نسائم الماضي قدور السيدة مريم بنت محمد بن أحمد بن خلف العتيبة التي قدمتها هدية تتوسط فناء المنزل ودونت بعض الأمثلة الشعبية «لي ما يشل الجدر من بين ذرعانه... ما تشبعه لقمة من بيت يرانه»، «الوقيد وقيد السمر... والأكل أكل التمر».

د. رفيعة غباش تحول منزل والدتها إلى منبر للإبداع

تنتفض الذاكرة وتحاكي زوايا المنزل أكوام الصوف والعادات الأليفة ووجوه أكثر من 35 فرداً عاشوا داخل المنزل «أنا مرتبطة بهذا البيت عمراً أكثر. ففيه، أقمت منذ عام 1970 حتى 2004 وشكّل البيت لنا مفاجأة حتى، نحن أبناء «عوشة بنت حسين»، حيث لم يكن يشبه أي منزل في دبي بهندسته المعمارية المختلفة حيث تمتزج فيه الحداثة والعراقة.عشنا فيه أجمل الأيام حيث كنا وأمنا (4 أخوات وأخوين) وانضمت إلينا جدتنا التي كبرت وبدأت ذاكرتها تتلاشى».

د. رفيعة غباش تحول منزل والدتها إلى منبر للإبداع

كانوا نحو عشرة أفراد ذات الصلة والقرابة الأولى، ولكن اللافت أنه كان يضّم أكثر من 35 شخصاً يعيشون برفاهية وكرامة، وفق د.غباش التي توضح «نحو ست غرف خارجية كانت تضّم نحو 6 أسر مختلفة الجذور ولكنها، بالنسبة لأبناء وبنات عوشة، امتداد لأسرتهم ولهم المكانة والاحترام والتقدير حيث من هذا البيت، تخرج كثيرون بمواقع مهمة وإن كان بعضهم للأسف يرفض أن يذكر أنهم كانوا يعيشون مرافقين في هذا المنزل ووجدوا أنه لا بد أن يمسحوا ذاكرتهم، ولسبب لم أفهمه خلال عشر سنوات، كان الجميع قد ترك المنزل وعاش في منازل مستقلة».

كانت الوالدة هي السماء التي تظلل من عاش في منزلها والأرض التي تحملهم

في القاعات التي ازدانت بمشاركة العديد من الفنانين التشكيليين وإقامة قاعات خاصة بهم تواكب نتاجاتهم الفنية، توائم غباش الذاكرة المكانية مع الذاكرة الإبداعية المحلية الراهنة وتجد أنه لا بد من صوت يعبر عن ثقافتنا وتاريخنا ويبلور بصماتنا في مختلف مجالات الفنون.

د. رفيعة غباش تحول منزل والدتها إلى منبر للإبداع

في التجوال في المكان، يفوح عبق الماضي وتتجسد صورة الوالدة حاضرة في كل زاوية، بيد أن د.غباش لا تجرؤ على فتح الذاكرة على مصراعيها وتفضّل أن تترك غرفة والدتها قيد ذاكرتها شديدة الخصوصية. يعتريها الحنين وتجرف عينيها صور الطفولة «كانت الوالدة هي السماء التي تظلل من عاش في منزلها والأرض التي تحملهم.

هذا المكان أكثر ارتباطاً بي كون علاقتي به أقوى حيث كانت هناك مدرسة القرآن الكريم، أول مكان تعلمت فيه أبجدية المعرفة، ولم أكن طالبة عادية بل كنت طالبة ذات امتيازات والمطوعة تبنتني لعدّة سنوات كونها قريبة أمي وأقمت معها في خيمة متواضعة مقارنة بمنزل والدي الأكبر في الحي ومنزل أمي ذي الطابقين والذي يطل على الخيمة. أعتز بهذه الذكريات ولا أرى رفيعة مكتملة إلا بذكر هذه الجوانب التي شكلّت شخصية رفيعة». هذا المنزل، الذي كان وجهة مقصودة في الأعياد والمناسبات، حضن مجتمعاً متكاملاً «من الناس البسطاء ومن كبار السن أصحاب الحكمة والثقافة وبينهم فاطمة بنت راشد حيث الكل كان يقصد تلك المرأة المقعدة التي تجلس على سجادة الصلاة».

د. رفيعة غباش تحول منزل والدتها إلى منبر للإبداع

شخصيات حضرت بالروح وبمكانتها في ذاك المنزل الذي «كان يزدان بصور الرئيس الراحل جمال عبدالناصر وكانت أمي تجد فيه الخلاص مما ألمّ بالأمة العربية، وكذلك حضرت صور صاحب السمو مكتوم بن راشد، ولي عهد دبي في تلك المرحلة، وأخذ شعور التقدير والدتي إلى أن تطلب من أخي الصغير أن يدعو سموه للغداء في منزلنا وقد أتى. لم نكن وقتها جاهزين بالكاميرات وإن كنا نمتلك حتى السينمائية منها، ولكن كنا نسترق الرؤية من خلف الستار لنرى الرجال يتناولون الغداء معه».

*تصوير: السيد رمضان

 

مقالات ذات صلة