1 أكتوبر 2022

إنعام كجه جي تكتب: من يأكل الملكة؟

صحافية وروائية عراقية تقيم في باريس

صحافية وروائية عراقية تقيم في باريس.

إنعام كجه جي تكتب: من يأكل الملكة؟

في مرة من المرات النادرة، نجد فرنسا تغبط بريطانيا على التفافها حول ملكتها الراحلة. الجمهورية تغبط الملكية. وليست أي جمهورية، بل هذي التي قامت بثورة عظمى يذكرها التاريخ ضد الملوك والنبلاء والألقاب وأرسلتهم إلى المقصلة.

يتلفت الفرنسيون حولهم فيجدون أحزاباً كانت قوية ثم تهلهلت وما عادت قادرة على اجتذاب المؤيدين. يبحث المواطنون عن شخصية وطنية بارزة وقامة عالية يلتفون حولها فلا يعثرون على من يملأ العين. كان لهم عملاق اسمه الجنرال ديجول ثم راح ولم يتكرر.

أول مرة أرى كل مذيعات التلفزيون الفرنسي يرتدين ثياب الحداد. لم يقتصر الأمر على مقدمات نشرات الأخبار بل تعداه إلى مذيعات المنوعات وبرامج التسلية وحتى تلك التي تروج للبضائع المنزلية أو لحبوب التخسيس.كلهن لبسن السواد. وقد تنافست القنوات كلها في متابعة تفاصيل جنازة إليزابيث الثانية وتسلم الملك تشارلز الثالث العرش.

ثم حدث، في ندوة سياسية، أن تجرأ جان لوي ميلانشون، أحد زعماء اليسار، وقال: «من الواضح أننا سنأكل الملكة طوال الأيام القادمة».

كان يعترض على انشغال الوسط السياسي والرأي العام بموت ملكة بريطانيا ويقصد أن أخبارها صارت الطبق المقرر على الجميع. قامت عليه القيامة، رغم شعبيته، وكأنه نطق كفراً.

كيف سولت له نفسه الاستخفاف باهتمام الناس بحدث كبير مثل رحيل المرأة التي حملت التاج لسبعين سنة ولم تخطئ أو تتأفف؟

كان هناك من طالب ميلانشون بالاعتذار عن هفوته. ولعله سيفقد نقاطاً في بورصة الشعبية بعد تلك العبارة التي تدخل في باب النزق. إن النزق جزء من شخصيته والجمهور يعشق صراحته لكن ليس هذا هو الظرف المناسب.

شخصياً، أعترف بأنني وجدت مراسم الوداع والجنازة طويلة مرهقة ومغرقة في التقاليد القديمة. كانت أشبه بمسرحية تاريخية بأزياء القرون الوسطى وخيول فرسان ولى زمانهم. ومن وسط الأحصنة المطهمة كانت هناك سيارة ألمانية شهيرة تحمل النعش أمام الكاميرات التي تابعها 2 مليار متفرج في العالم.

يسألني ابني: «لماذا المرسيدس ولم يشيعوا الملكة بسيارة بنتلي أو جاغوار؟». ولا أجد جواباً للسؤال.

صحيح أن بريطانيا غادرت المجموعة الأوروبية في قرار رافقته طنة ورنة لكن قطع الحبال مع القارة العجوز مستحيل. ثم إن جنازتها عابرة للقارات طالما أنها سليلة إمبراطورية لم تكن تغيب عنها الشمس..

 

مقالات ذات صلة