27 ديسمبر 2022

د. حسن مدن يكتب: ميسي وصناعة النجاح

كاتب بحريني، يكتب زاوية يومية في جريدة "الخليج" الإماراتية بعنوان "شيْ ما"

كاتب بحريني، يكتب زاوية يومية في جريدة "الخليج" الإماراتية بعنوان "شيْ ما"، صدرت له مجموعة من الكتب بينها: "ترميم الذاكرة"، "الكتابة بحبر أسود"، "للأشياء أوانها"، "يوميات التلصص".

د. حسن مدن يكتب: ميسي وصناعة النجاح

ليس كل المشاهير ناجحين، ما أكثر ما يكون فاقدو الموهبة أو متواضعوها مشاهير أيضاً، فكون أحدهم، رجلاً كان أو امرأة، في دائرة الضوء، لا يعني بالضرورة امتلاكه النجاح والقدرات، وفي عصر التواصل الاجتماعي فإن أدوات هذا التواصل قادرة على خلق مشاهير مزيفين، لا بمعنى أنهم أشخاص وهمية، وإنما بمعنى أن هذه الشهرة هي صناعة الزيف، الذي تفلح هذه الوسائط في صنعه وترويجه.

وبما أننا بالكاد ودعنا مونديال كرة القدم في الدوحة، فإنها كانت مناسبة لتتبع سير مشاهير لاعبي كرة القدم، الذين لا يمكن أن تكون شهرتهم مصطنعة، أو أن الحظ والصدفة صنعاها، فخلف هذه الشهرة تاريخ من الموهبة والتجربة والمثابرة، هو الذي وضع الواحد منهم في دائرة الضوء، وجعل من صيته عالمياً يتخطى حدود بلده أو القارة التي يقع فيها هذا البلد أو الفريق الذي يلعب فيه، ليصبح عالمياً بامتياز، كون كرة القدم نفسها ظاهرة عالمية تستحوذ على الأفئدة والقلوب.

وسنقف هنا أمام ظاهرة أسطورة كرة القدم الأرجنتينية ليونيل ميسي الذي فاز ببطولة كأس العالم في قطر، باعتبارها الخطوة الأهم في مسيرته، فضلاً عن دوره المشهود في صنع الفوز لفريقه لينال كأس العالم، ففي سيرة ميسي صاحب الخمس وثلاثين سنة، قائمة ألقاب كروية كاملة، على الصعيد الجماعي للأندية بما في ذلك بطولة محلية وقارية وعالمية، وعلى الصعيد الفردي هناك أرقام قياسية عدة محفورة باسمه، إلى جانب الجوائز.

لم يضع بطل الكرة الأرجنتيني أمام نفسه تمييزه من قبل الصحافة العالمية والجماهير بلقب «GOAT» أو «الماعز»، والذي يعني اختصار «أعظم لاعب في كل العصور»، وإنما وضع أمام نفسه أهدافاً أقل من ذلك بكثير، ربما لشعوره أن بلوغ ذروة النجاح يتحقق بالتدريج وليس دفعة واحدة، فلا أحد يحقق، دفعة واحدة، من الشيء المجد، كما يظن الكثيرون.

وقد شرح ميسي ذلك لقوله في حديث صحفي: «أن أكون الأفضل أو لا، هذا لا يغير أي شيء بالنسبة لي. ولم أحاول أبداً أن أكون كذلك». بدلاً من أن يحلم بنجومية عالم كرة القدم عندما كان طفلاً، ركز ميسي على تحقيق أهداف أصغر، وإكمال واحد تلو الآخر قبل الانتقال إلى الهدف التالي.

ذلك درس بليغ تقدّمه تجربة ميسي للشباب الطموحين، فمنذ كان صبياً في مقتبل العمر كان يقضي أياماً طويلة في التدريب لمواصلة التحسن داخل الملعب، ورغم الاعتراف به منذ فترة طويلة كنجم عالمي وأحد الأساطير التاريخية، فقد استغرق الأمر ما يقرب من 16 عاماً وخمس بطولات كأس العالم لينال أخيراً، وبعد جهد ومثابرة، الجائزة التي طالما حلم بها.

 

مقالات ذات صلة