في نوفمبر 2017، بيعت لوحة Salvator Mundi، آخر لوحة معروفة للرسام والنحات والمهندس الإيطالي ليوناردو دافينشي والتي يبلغ عمرها 500 عام، مقابل 450.3 مليون دولار في مزاد عقدته دار «كريستيز» الشهيرة للمزادات. ويعتبر ذلك هو أعلى سعر يباع به أي عمل فني في مزاد علني على الإطلاق، وإن كان هذا يدل على شيء، فهو يدل على المكانة الاستثنائية التي احتلها هذا الفنان العظيم في وجدان البشرية.
وفيما يلي سنستعرض لكم محطات مهمة في حياة العبقري ليوناردو دافينشي، الذي نجح في مزج الفن بالعلم بطريقة لم يسبقه إليها أحد، ورسم أشهر لوحة عرفتها البشرية – «الموناليزا» – وغيرها من اللوحات الفنية الفريدة مثل لوحة «العشاء الأخير» و«مخلص العالم» و«القديس يوحنا المعمدان»:
مقاطعة فينشي الإيطالية
كان ابناً غير شرعي
لا يعرف الكثيرون أن ليوناردو دافينشي كان ابناً غير شرعي لفلاحة إيطالية تدعى «كاترينا» وكاتب عدل من عائلة مرموقة يدعى «بييرو». كان والده يبلغ من العمر 25 عاماً حين ولد دافينشي في 15 أبريل 1452 بمقاطعة «فينشي» الإيطالية على حدود مدينة فلورنسا، وقد تولى والده حضانته بعد وقت قصير من ولادته بينما تزوجت أمه من رجل آخر. نشأ ليوناردو في منزل والده الذي كان من عائلة شديدة الاهتمام بالعلم والثقافة وكان لديها العديد من النصوص العلمية التي قرأها ليوناردو كلها بنهم شديد، وكان أكثر ما لفت انتباهه هو علم تشريح جسم الإنسان والهندسة. وعندما أتم عامه الـ 15 ألحقه والده بمدرسة وورشة «أندريا ديل فيروكيو» المرموقة للرسم والنحت في فلورنسا.
تفوق على معلميه فمنعوه من الرسم
أظهر ليوناردو موهبة عظيمة وتجلت عبقريته الفذة في الرسم في عدد من الأعمال الأولى التي أنتجتها مدرسة «فيروكيو» Verrocchio في الفترة من 1470 إلى 1475، مما دفع أحد أساتذته لأن يطلب منه أن يرسم ملاكاً في لوحة بعنوان «معمودية المسيح». وكم كانت المفاجأة كبيرة عندما ظهر بوضوح أن رسم ليوناردو كان أفضل بكثير من رسم معلمه، فما كان من أستاذه إلا أن استصدر قراراً من المدرسة بألا يسمح لليوناردو بالرسم مرة أخرى. بقي ليوناردو في ورشة فيروكيو حتى عام 1477، ثم قرر بعد ذلك أن يعمل بشكل مستقل في فلورنسا.
ترك فلورنسا ليعمل مع دوق ميلانو
في عام 1482، ترك ليوناردو فلورنسا بحثاً عن فرصة عمل أفضل، ولحسن حظه تم ترشيحه للعمل على المجموعة الفنية الخاصة بقصر دوق ميلانو «لودوفيكو سفورزا»، وبالفعل أمضى دافينشي 17 عاماً في ميلانو ولم يغادرها إلا بعد خروج الدوق من السلطة في عام 1499 مع بداية الغزو الفرنسي. خلال هذه السنوات بلغ ليوناردو آفاقاً جديدة من الإنجاز العلمي والفني، وتم إدراجه في سجل العائلة المالكة كرسام ونحات ومهندس، وحظي بتقدير كبير في البلاط الملكي فكان يتم استشارته بشكل مستمر كمستشار فني في مجالات الهندسة المعمارية والتحصينات العسكرية والميكانيكا الهيدروليكية.
عاد مجدداً إلى فلورنسا بعد غياب 17 عاماً
بعد غياب طويل عن فلورنسا، عاد ليوناردو مرة أخرى إليها عام 1499 باحثاً عن عمل جديد. وعلى مدى السنوات الـ 16 التالية، عمل ليوناردو بالرسم والنحت وسافر في جميع أنحاء إيطاليا منشغلاً بعدة مشاريع. وفي عام 1503، بدأ ليوناردو العمل على أشهر لوحاته «الموناليزا» إلا أنه لم يكملها حتى عام 1519 قبل وفاته بوقت قليل. انتقل ليوناردو بعد ذلك إلى روما ما بين عامي 1513 إلى 1516 حيث أسس ورشة عمل خاصة به وأنجز بها عدة مشاريع كلفه بها البابا.
انتقل إلى فرنسا بدعوة من الملك الفرنسي
وفي مارس من عام 1516، وبفضل ذيع صيته في إيطاليا بشكل واسع النطاق، عرض ملك فرنسا «فرانسيس الأول» على ليوناردو دافينشي لقب «كبير رسامي ومهندسي البلاط الملكي الفرنسي» مع تقديم عرض بالغ السخاء يشمل راتباً كبيراً وقصراً فخماً بالقرب من القصر الملكي في مدينة «أمبواز».
عاش آخر 3 سنوات من حياته في فرنسا
منح الملك «فرانسيس الأول» دافينشي قصراً فخماً يقع في وادي «لوار» بالقرب من مدينة «أمبواز» الفرنسية، هو قصر «كلوس لوسيه» أو Clos Lucé الذي بني في أواخر القرن الـ 15 واستخدم كمقر لبعض النبلاء الفرنسيين.
عاش دافينشي في «كلوس لوسيه» خلال السنوات الثلاث الأخيرة من حياته، حيث واصل العمل على مشاريعه الفنية والعلمية مخلفاً وراءه العديد من الاختراعات والرسومات.
تحول قصره إلى متحف ومزار سياحي
واليوم أصبح المنزل الأخير لليوناردو دافينشي، Clos Lucé، مزاراً سياحياً ومتحفاً مخصصاً لحياة وأعمال هذا الفنان العبقري الذي يعتبر أهم فناني عصر النهضة على الإطلاق، ويمكن للزوار استكشاف القصر وغرفه المختلفة - التي ترك أغلبها على حاله منذ وفاة دافينشي - والحصول على لمحة عن حياته وأعماله الفنية واختراعاته المبتكرة التي تركها.
يضم القصر أيضاً حديقة جميلة تعرض بعض التصميمات التي ابتكرها ليوناردو لنوافير المياه، ولا تزال الحديقة محتفظة بنفس التنسيق الذي اختاره دافينشي لها عندما سكن القصر قبل نحو 500 عام.
وفي 2 مايو 1519، أسدل الستار على حياة ليوناردو دافينشي في فرنسا، ويقال إن الملك «فرانسيس الأول» كان إلى جانبه وظل محتضناً رأس ليوناردو بين ذراعيه حتى لفظ أنفاسه الأخيرة.
