18 مارس 2024

د. باسمة يونس تكتب: حكايات الذكريات

كاتبة إماراتية، دكتوراه في القيادة التربوية

كاتبة إماراتية، دكتوراه في القيادة التربوية. أصدرت (10) مجموعة قصصية، (4) روايات،(12) نص مسرحي وعدة أعمال درامية وإذاعية .حاصلة على أكثر من( 22 ) جائزة في مجالات الرواية والقصة والمسرحية.

د. باسمة يونس تكتب: حكايات الذكريات

مع التقدم في السّن، يصبح لكل شخص حكاية مذهلة ليرويها للأصغر سناً، وذكريات تحمل شيئاً ذا قيمة حقيقية للأشخاص الذين يحبّهم، ومجموعة كبيرة من المواقف والأحداث التي اختبر فيها الرحمة، أو الحب، أو التسامح، أو الشعور بالانتماء لأشخاص، أو أماكن، فليس هناك أجمل من حكاية أبٍ عن رحلته الطويلة في الحياة، وعمّا فعله من أجل أسرته لتصل إلى حيث هي اليوم.

وحكاية الذكريات تختلف عن كل الحكايات الأخرى، فهي تدور دائماً، حول مشاركة ما نفكر فيه، وما نشعر به بصدق، وهي عن كل شيء مررنا به، وما يمكن أن يتعلم منه شخص آخر، وطريقة يمكن من خلالها أن نتعلم ونفهم ما نعتقده حقاً، وما نفكر فيه بشأن هذه الأحداث التي ظلت في أذهاننا لفترة طويلة.

لقد استحوذت فكرة الميراث المادي على عقول الناس، وابتكرت الدراما الكثير من القصص والحكايات والصراعات بين الأسر، حول المال والثروة، ما جعل الكثيرين يعتقدون بأن أهمية الأجداد والآباء تكمن في كبر حجم الثروة التي جمعوها في حياتهم، وليس في قيمة وأهمية الذكريات التي يمتلكونها، ما عطّل طريقة تفكيرهم تجاه ما يريدونه من الأكبر سنّاً، واحتياجهم لخبراتهم العميقة في الحياة.

وتسعى اليوم مواقع ومنصات كثيرة لحثّ كبار السّن على التفكير في كتابة مذكّراتهم، وتدعوهم للبدء بذلك، من دون الاهتمام بقدر ما يمتلكونه من مهارات في الكتابة، أو احترافها، بل مجرد الكتابة عن شيء في حياتهم من سيرة الطفولة، أو عن مكان قاموا بزيارته، أو عن مناسبة سعيدة غير متوقعة، وأحداث كان لها تأثير كبير فيهم، ويشجعونهم على الانغماس في الذكريات التي قد تساعدهم على اكتشاف شيء جديد لم يكونوا يدركون أهميته، لتقديم حكاية لأبنائهم وأحفادهم ستصبح ميراث أسرتهم الأثمن.

وقد تبدو كتابة المذكرات كأنها مجرد محاولة، أو فكرة، لكنها في الواقع تؤدي إلى رؤى، أو أفكار جديدة حول الطريقة التي يريد بها الأب توجيه عائلته، أو تذكيرها بتلك اللحظات المهمة ذات الصلة بحدث معيّن يثير المشاعر، أو كانت سبباً في تغيير حياته التي غيّرت حياتها أيضاً.

وتتميز المذكرات بأنها وإن كانت تدور حول أي شيء، فهي حكاية حقيقية وصادقة، وحوار عميق مهما كان صغيراً، أو غير مهم، فليس على كاتبها تخيّل أحداث لم تقع، أو البحث بشكل مكثف للعثور على ما يعتقد أنها حلقات وروابط «مهمة» بما يكفي لتضمينها في مذكراته، بل كل ما عليه القيام به هو البحث في ذاكرته عن الأحداث الصغيرة المستقلة التي تهمّه، ولا تزال حية في الذاكرة، فمجرد بقائها هناك يعني أنها تحمل معنى مهماً بالنسبة إليه، وقد تحتوي على شيء سيصبح ذا أهمية كبيرة في حياة أبنائه مستقبلاً.

إن الثروة الكبرى هي القصص والحكايات التي لا تنسى، والتي كان لها تأثير في الشخص، وفي حياته، والمواقف التي أوصلته إلى ما أصبح عليه، والذكريات ببساطة هي التجربة التي تحافظ على هوية الإنسان، وتمنحه المتعة من خلال الكثير من الأحداث التي كان يجهلها، وستنير دروبه تجاه مجموعة كبيرة من الأشخاص، والتجارب، والأماكن، الذين لا يعرف عنهم، أو لم يعلمْهم من قبل.

اقرأ أيضاً: هل سيأتي يوم تزرع في عقولنا ذكريات زائفة؟

 

مقالات ذات صلة