منذ لحظة سماع دقة القلب الأولى للطفل، تتغير حياة الزوجين ويصبح همهما الأكبر تلبية رغبات هذا الطفل ورعايته وإسعاده، لكن ما قد يزيد الأمر عسرًا أن يكتشفا أن احتياجاته مختلفة ومرهقة عن سائر الأطفال الأصحاء وأن هذه النعمة الغالية تتطلب منهما مزيدًا من الحب والأمل والصبر.
التقت مجلة كل الأسرة عدداً من أساتذة الطب وخبراء نفسية الطفل لمعرفة الكيفية التي يجب أن يتعامل بها الوالدان مع المولود أو الطفل من ذوي الاحتياجات الخاصة.
التحلي بالحكمة والصبر
توضح الدكتورة سهام حسن، استشاري نفسية الطفل وخبيرة تعديل السلوك وتأهيل الأطفال بالقاهرة، أن ولادة طفل «معاق»، تعتبر من أقسى الاختبارات الإلهية التي قد يتعرض لها الوالدان، خاصة إذا كان هذا هو الطفل الأول لهما، فهما يكونان في انتظاره بفارغ الصبر كما أن الإعاقة عندما تأتي للطفل الأول تصيب الأبوين بالرعب، فهما لا يدركان أصلاً كيفية التعامل مع الوافد الصغير، فما بالنا بالطفل من ذوي الاحتياجات الخاصة.
وتقول: على الأسرة وقتها دور كبير في التخفيف عن الأبوين في استيعاب الصدمة، وتقبل هذا القدر، خاصة الجد والجدة، فالأمر يحتاج إلى الحكمة والصبر للتعامل مع هذه الأزمة، خاصة إذا تم اكتشاف الإعاقة أثناء الولادة، لأن الصدمة تكون شديدة على الأم التي لا تزال مريضة وتعاني آلام الولادة، والتي غالبا ما تفشل في التعامل مع الأمر في البداية.
وتضيف: الصدمة نتيجة ولادة طفل معاق أمر طبيعي، فالأمر ليس هيناً، ويجب على الأهل أخذ الوقت الكافي لتقبل تلك الحقيقة، لذلك يجب أن تحيط الأسرة بالأبوين وتمنحهما المزيد من إحساس السند والأمان وليتعاون الجميع على رعاية الطفل.
التوعية والتثقيف
تنصح الدكتورة سهام حسن الأبوين بالقراءة حول الحالة الخاصة بالطفل، وتجميع الكثير من المعلومات حولها، فالمجهول بالنسبة لهما سيزيدهما اكتئاباً، ومحاولة فهم الحالة يرسم لهما خطوطاً عريضة حول المستقبل، وترى أنه يجب على الأسرة ألا تخجل من طفلها المعاق فتبدأ الانزواء والاختفاء من كل الأنشطة الاجتماعية هرباً من عيون الناس، وتقول: لا بد أولًا من تقبله واحترامه والاعتراف بإعاقته وعدم الخجل من انتمائه للأسرة والتعامل معه بصبر، وعلى الأبوين أن يكتشفا بالتدريج نقاط القوة لدى طفلهما، ويحاولان تنميتها مثل المهارات الفنية أو الرياضية.
وتشدد الدكتورة سهام حسن على أهمية استشارة المتخصصين بانتظام في حالة الطفل الصحية، وكذلك حالته النفسية ليتعودا على كيفية التعامل معه كهدية من الله تفتح باباً لهما في الجنة، وليس عقاباً إلهياً فيتذمران منه ويعاملانه بقسوة.. وتقول نفسية الطفل بشكل عام تحتاج للتدريب للتعامل معها، فهو يحتاج إلى بعض التدليل أحياناً، لكن بلا إسراف، ويحتاج الكثير من التشجيع والمثابرة وعدم التعامل معه على أنه عاجز كلياً، لأن العجز الحركي لا يؤثر في الأداء العقلي، ولا في معدل الذكاء.
تنمية مهاراته
يرى الخبير الأسري والتربوي الدكتور محمد حسين رضوان، أنه يجب على الأسرة البحث عن مراكز مخصصة، يمكنها المساعدة في العناية بهؤلاء الأطفال كما يجب عليها تجنب الحديث عن حالته أمام الآخرين، والتحدث إليه بشكل رقيق منذ طفولته، والبحث عن المهارات التي قد تميزه عن أقرانه لأنها قد تعطيه الكثير من الثقة في النفس في المستقبل.
وينصح الدكتور رضوان الأمهات القراءة كثيراً عن نماذج من الأبطال من المعاقين، الذين تتشابه حالتهم مع حالة الطفل المعاق وقص هذه الحكايات على الطفل لتشجيعه وتحفيزه على الخروج من معاناة الإعاقة.
ويقول: الخوف الزائد على الطفل وعزله عن العالم الخارجي أمر مرفوض، لأنه سيكبر ويخاف من المحيطين به، ويرفض التعامل معهم، كما أن عزله عن المجتمع الخارجي سينمي لديه شعور الإحباط والانعزالية، وسيعتبر عزله سوء معاملة من المحيطين به، حتى من الأسرة والأهل، ويقع على عاتق الأسرة مسؤولية التخفيف من حدة هذه الاضطرابات، والتعامل مع الأبناء المعاقين بشكل يشعرهم أنهم أسوياء.
ويطالب الدكتور رضوان، وسائل الإعلام بتنفيذ حملات للتوعية المجتمعية لتعديل المفاهيم الخاطئة المنتشرة حول هؤلاء الأطفال وتوعية الأمهات بكيفية التعامل مع هذا الطفل وتعزيز إمكاناته. وذلك من خلال تحفيز «المعاق» على المشاركة في الأنشطة الرياضية والبطولات، وهناك العديد من النماذج التي حصلت على ميداليات ذهبية في هذه المجالات، فهذا يشعر المعاق بأنه عضو فاعل في المجتمع.
ويشير رضوان إلى ضرورة أن يشعر الطفل المعاق بأنه مثل الآخرين ولا ينقصه شيء. لذلك يفضل الاعتماد عليهم في بعض الأعمال داخل المنزل، من خلال إسناد بعض المهام إليهم كأي شخص طبيعي في الأسرة، فهذا يعطي إحساساً بالثقة في النفس ويخرج المعاق من عزلته.
التفاعل اليومي ضروري بين أي طفل وأمه من أحضان وقبلات
عدم الشعور بالذنب
يحذر الدكتور أمجد خيري، استشاري الطب النفسي، الزوجين من عقدة الذنب التي قد تصيبهما عقب إنجاب طفل «معاق» ويقول: إنجاب طفل «معاق» في الأول والآخر أياً كانت الأسباب هي إرادة المولى عز وجل، وشعور الزوجين بالذنب تجاه طفلهما لأنهما لم يتخذا الإجراءات الوقائية اللازمة لمنع حدوث الإعاقة لن يغير من الواقع شيئا، ولا داعي أن يتنصل أحد الطرفين، ويكيل الاتهامات والذنب على الطرف الآخر، ويحمله مسؤولية التسبب في هذه الإعاقة.
ويحذر خيري من إلقاء الحمل على الأم وحدها، حيث إن المعاق بحاجة لمشاركة كل أفراد الأسرة صغاراً وكباراً ليشعر بالدمج الكامل.
ويقول: التفاعل اليومي ضروري بين أي طفل وأمه من أحضان وقبلات، فالأم كما نعرف هي نبع الحياة والمحبة والحنان، والأمر يكون أكثر إلحاحاً بالنسبة للطفل المعاق، فهي حقاً تمثل له كل شيء والكون كله.
وأسلوب الأم في التحدث مع طفلها المعاق، والتعامل معه مهم للغاية ومفيد في عملية التعليم، إذًا فالمسؤولية الكبرى في هذا التعليم تقع بالدرجة الأولى على عاتق الأم، ثم أفراد الأسرة.