رغم أن تربية الأبناء مسؤولية مشتركة بين الزوجين، حتى في حالة وقوع الطلاق، إلا أن الواقع يؤكد أنه بمجرد حدوث الطلاق يتم تهميش دور الأب في حياة الأبناء طواعية أو كرهاً.
«كل الأسرة» سألت أساتذة الطب النفسي وخبراء العلاقات الزوجية والأسرية: كيف نحمي أبناء الطلاق الذين أصبحوا في مهب الريح بسبب غياب دور الأب؟ وكيف يمكن للأبوين التعامل مع نفسية أولادهم وتأهيلهم للحياة في ظل الانفصال؟
1- وضع خطة مشتركة للتعامل مع الأطفال
تؤكد الدكتورة نجوى الفوال، أستاذة علم الاجتماع، الرئيس الأسبق للمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بالقاهرة، أن أول قرار يجب على الأبوين أخذه بعد الطلاق هو وضع خطة مشتركة بينهما للتعامل مع الأطفال، وتقول: «من الضروري أن يتفق الأب والأم على وضع خطة توضح كيفية التعامل مع الأطفال ومتابعة شؤون حياتهم تحت قيادة الأبوين، وهذا القرار يكون في صالح الأبناء ومن قبيل التفكير في مصلحتهم، فليس لهم أي ذنب في الخلافات بين الوالدين ويجب ألا تؤثر هذه الخلافات على علاقتهم».
فكل الدراسات خلال الـ15 سنة الماضية أثبتت أن سبب الجريمة العنيفة التي تواجه العالم هي الأسرة المختلة وغياب وجهل الأب لدوره، كما أكدت أغلب هذه الدراسات أن التربية السليمة وزرع القيم المعتدلة في الأبناء تبدأ من المنزل وتحديداً من القدوة كالأب والأم.
وتشير أستاذة علم الاجتماع إلى أن الطفل في كل الأحوال يحتاج إلى أب لا يقتصر دوره على تقديم الالتزامات المالية فقط، ولكن الاجتماعية والبدنية أيضاً، لأن الأب مسؤول عنها بنسبة كبيرة، فالأطفال من سن السادسة يحتاجون إلى تأثير الأب بشكل كبير، وهذا لا يعني أنهم ليسوا في حاجة إلى الأم، ولكن يعني أن التأثير في النمو الخاص بهم بدنياً واجتماعياً ونفسياً وعاطفياً للأب، وهذا الأمر ينطبق على الأولاد والبنات.
وتبين الفوال: «دائماً ما أحذر الآباء والأمهات من الانشغال عن أولادهم في الصغر وإهمال تربيتهم، وأؤكد أهمية العلاقة النفسية التي تربط بين الآباء وأبنائهم وأهميتها منذ الصغر، وذلك بوسائل مختلفة، ومن ضمنها عدم إيكال رعاية الأطفال لغير الوالدين، فتوطيد العلاقة ما بين الآباء وأبنائهم شيء مهم لتنمية الرابط النفسي للابن وتعليمه كيف يكون ذاكرا للجميل ووفيا لوالديه عند الكبر».
2- استخدام كلمات أخرى غير الطلاق
أما الخبير الأسري والتربوي، الدكتور محمد حسين رضوان، فيؤكد أن تدخل الأب في تربية أولاده ومتابعة دوره في توجيههم وتربيتهم- حتى لو من بعيد- يمنحهم حياة مستقرة أكثر، ويجعلهم ناجحين في حياتهم الاجتماعية والدراسية.
ويضيف:«يجب أن يكون لدى الأم التي انفصلت عن زوجها طريقة خاصة للتواصل مع أبنائها والاستماع إليهم وتفهم ظروفهم خلال تلك الفترة، سواء كانوا صغارا لا يفهمون سوى أن الأب لم يعد موجودا معهم في المنزل ويتساءلون عن سبب ذلك باستمرار، أم كانوا كبارا يوجهون لها الانتقاد المستمر بسبب قرار الانفصال الذي اتخذه الوالدان دون النظر إلى مصلحة أبنائهما. ويمكن للأم استخدام كلمات أخرى غير الطلاق حتى توضح لطفلها الصغير الوضع الحالي، بأن تقول له إنها ووالده سيبتعدان عن بعضهما البعض لفترة حتى يفكروا في بعض الأمور الخاصة بحياتهما العائلية».
ويحذر الخبير التربوي الآباء الذين ينشغلون بلقمة العيش وتكوين المستقبل وعمل الثروات من ترك المسؤولية كاملة على كاهل الأم، ويقول:«هؤلاء الرجال يعتمدون على الأم اعتمادا كليا، حينها تجد الأم نفسها متحملة كل المسؤوليات التربوية تجاه أولادها، فتتملص عن دورها وتبحث لنفسها عن تفوق في العمل أو دخل إضافي أو صداقات وعلاقات تلهيها عن غياب الزوج، والضحية الوحيدة حينذاك هم الأبناء».
ويشدد رضوان على أهمية أن تقترب الأم من طفلها قدر الإمكان، وتشعره بأهميته في حياتها، وأنها تعتمد عليه في كثير من الأمور.
ويحذر الآباء والأمهات من سياسة الحرية المطلقة أو ترك الحبل على الغارب، التي يتبعها البعض بدعوى تعويضهم عن غياب الأب أو الأم نتيجة الطلاق، لأن هناك منافذ عديدة يمكن للانحراف أن يدخل منها إلى الأبناء، منها أصدقاء السوء الذين هم أكثر تأثيرا في أقرانهم وأكثر أحيانا من البيت نفسه، وبالتالي يفرض هذا على الأب مراقبة الأبناء ومعرفة أصدقائهم.
3- إجراء مقابلة أسبوعيًا تجمع أفراد الأسرة
ومن جانبه يؤكد الدكتور حاتم زاهر، استشاري طب نفس الأطفال والإرشاد الأسري، أنه يجب على الأم بذل الكثير من الجهود لتشعر أبناءها بالأمان وضمان عدم تسلل شعور الخوف بداخلهم، وعليها الاتفاق مع والد الأطفال على التعامل بشكل طبيعي أمامهم ومحاولة إجراء مقابلة أسبوعيًا تجمع أفراد الأسرة- ولو لوقت قليل- حتى لا تتأثر نفسية الأطفال ويشعرون بالبعد عن أبويهم وانهيار العائلة.
ويؤكد زاهر أن الأب المشغول عن تربية أولاده سيندم عندما يكتشف أن أولاده غرباء عنه لا يعرف عنهم شيئا، ويقول:«لا يجوز للأب أن يترك أبناءه دون رعاية، بل يجب عليه أن يجلس معهم جلسات يومية يتعرف على أخبارهم ويستمع إلى ما فعلوه في يومهم، ثم يوجههم ويرشدهم إن أخطؤوا ويشجعهم إن أصابوا، حينئذ تسود روح التفاهم والتعاون بين أفراد الأسرة، ولا يجوز في هذه الحالة أن يستأثر أحد الطرفين بهذه المهمة ويهمش دور الطرف الآخر نهائيا، فالأم عليها أن تدرك أن الأب لا غنى عنه مهما تصورت نفسها قوية وحازمة فلا يمكن لها أن تحل محله، كما أن الأب لا يستطيع- مهما فعل- أن يعوض الأبناء عن حنان أمهم ويعلم في شخصيتهم بما يمكن لها أن تفعل».
ويحذر د. زاهر الآباء من غيابهم في مسألة التربية ويقول:«الدور الأبوي يأخذه الولد عن أبيه باعتباره المثل والقدوة، ومن هنا فلا بد من وجود الأب في الأسرة، والحياة مليئة بالنماذج التي يغيب فيها الأبوان أو أحدهما عن الأسرة، وتكون النتيجة ما لا تحمد عقباه».
4- تجنب استخدام الأبناء في الصراع الدائر بين الأبوين
تطالب الدكتور هالة حماد، استشاري الطب النفسي والعلاقات الأسرية للأطفال، الأمهات بتجنب محاولات الوقيعة بين الأب وأولاده بعد وقوع الطلاق، وتؤكد أن دور الأب لا بديل عنه، خاصة في مرحلة المراهقة، التي أصبحت تبدأ مبكرا الآن بسبب مستجدات العصر، وتؤكد:«سن المراهقة لا يجب الاستهانة بها، فهي فترة تعتبر هي الأصعب والأخطر في حياة الإنسان، وتتسم هذه المرحلة بإحساس المراهق بضرورة فرض نفسه وإثبات وجوده، وذلك عبر رفضه المتكرر الأوامر والقرارات التي تصدر من غيره، ومن أبويه على وجه الخصوص. بل ويجب على الأم في هذه السن بالذات أن تدعم سلطة الأب وعدم الاستهزاء أو التقليل منها أمام الطفل، مثلما هو مطلوب من الأب أيضا».
وتحذر الدكتورة هالة حماد الأبوين من استخدام الأبناء في الصراع الدائر بين الأبوين، سواء قبل الطلاق أو بعده، بل يجب عليهما إبعادهم تماما عن تلك المشاحنات ويجب عليهما أن يدركا جيدا أن إنجاب الأبناء لا يعني أننا نملكهم ونحركهم مثل العرائس المتحركة، دون أي اعتبار لرغباتهم، حتى إن كان ذلك بدافع الحب بل علينا أن نترك لهم الفرصة أن يختاروا ويجربوا اختياراتهم حتى إن كانت خاطئة، وتقول:«من الواجب على الأبوين عدم إدخال الأطفال في خلافاتهما والعمل على أن يعيش الأبناء في أجواء هادئة لا يشعران فيها بقدر الإمكان بالانفصال بين أبويهم».
اقرأ أيضًا:
احذروا هذه الأخطاء عند الخلاف مع الأبناء
5 أفكار لتجنب الخلافات الأسرية خلال أزمة كورونا