الغضب، الحنق، الغيظ، السخط، السعر... كلها كلمات مترادفة تنم عن شعور عارم بالثورة الداخلية ضد شيء أو حدث أو شخص، ربما يحدث انفجاراً خارجياً قد لا تحمد عقباه. والكلمات المترادفة هذه تعبر عن درجات متفاوتة من هذا الشعور، لذا سنختار واحدة منها في هذه العجالة وهي الأكثر رواجاً، أي كلمة «غضب»، للحديث عن الأمهات.
لغضب الأمهات من أطفالهن، وبالأخص صغارهم، أسباب عديدة، فاقم منها إجراءات الحظر التي شهدتها مختلف البلدان مع وباء «كورونا». فالأم قد تغضب من طفلها لأنه أفلت منها على الطريق وهرول مسرعاً، لأنه لا يرد عليها حين تناديه، لأنه لا يصعد إلى السيارة ويؤخرها على موعد مهم، لأنه يبصق على الأرض، لأنه يضرب ويعض الأطفال الآخرين، لأنه لا يأكل إلا نوعاً أو نوعين من الأطعمة.
الأسباب كثيرة لا تحصى والغضب واحد... تزداد حدته أو تنخفض بحسب مقياس التعب والإرهاق وكثافة نزوات الطفل. وفي حالات كثيرة، لا يكون الأب في أغلبها في المنزل، تنفجر الأم صارخة، أو حتى زاعقة في وجه طفلها، يهرب منها، تركض خلفه، تشعر كما لو أنها تود أن تشد شعرها أو تضرب رأسها في الحائط، فتشد على قبضتيها حتى لا تضربه أو ربما أنها تضربه.
لكن فوراً، وبعد هدوء نوبة الغضب، سرعان ما يسيطر عليها شعور بالخجل والعار والذنب وتأنيب الضمير وهي كلمات شبه مترادفة أيضاً وذات حدة متفاوتة. فهي أمّ ومن المفترض بالأم «المثالية» أن تكون رؤومة، رحيمة، عطوفة، صبورة. ليس من المفترض بها حتى أن تتمنى لو تضرب أطفالها أو تنتف شعرها لئلا تصنّف على أنها «أم سيئة».
وفي الحقيقة، لا تفصح الأم إلا نادراً عن هذه المشاعر سواء أكانت دفينة وخفيفة أو صارخة وعنيفة، وإن فعلت فللمقربين جداً من صديقاتها المتزوجات ذوات الأطفال الذين هم بعمر أطفالها. وحين تفعل، كثيرًا ما تبدأ بنوع من التبرير والاعتذار المسبق كأن تقول ما معناه «أطفالي هم فلذات كبدي التي تمشي على الأرض لكن ابني اليوم أخرجني عن صوابي بعد أن... وأن... وأن».
والواقع أن الأمومة هي سلسلة لا تنتهي من التحديات المستمرة، ومن المفترض بحسب «الكليشهات التربوية الحديثة» والصور النمطية التي تتحدث عن «نعيم» الأمومة، أن تتصدى لها الأم برد فعل ينم عن كمال لا وجود له بين البشر.
أما إن لم تفعل.. فلتعلم أنها ليست وحدها بين الأمهات!