7 يناير 2021

إنعام كجه جي تكتب: المعلم الموشوم

صحافية وروائية عراقية تقيم في باريس

صحافية وروائية عراقية تقيم في باريس.

إنعام كجه جي تكتب: المعلم الموشوم

كيف تكون ردة فعلك حين يكون معلم المدرسة التي يدرس فيها ابنك، أو ابنتك، موشوم الجسد من أعلى الرأس حتى أخمص القدمين؟

ثار الكثير من آباء وأمهات التلاميذ ضد المعلم سيلفان واشتكوه للإدارة لأنه «يخيف» أطفالهم.

وسيلفان هذا شاب فرنسي في أواسط الثلاثينيات من العمر، يعمل في مدرسة تقع إلى الجنوب من باريس. وهو لم يتعمد تخويف تلاميذه، فهو رجل وديع وطيب ولم يرتكب أي مخالفة، لكن أوشام جسمه تجعله يشبه اللصوص ومجرمي العصابات و«قتّالي القُتلة». إن رسوم الوشم لا تغطي وجهه وصدره ورقبته وذراعيه وساقيه فحسب بل تمتد حول عينيه أيضاً. ولو أردنا الدقة لقلنا إنه خريطة أو لوحة متنقلة.

بسبب أوشامه، أطلق الأصدقاء على سيلفان لقب «فريكي هودي». فهل هو مخيف حقاً؟ نعم، ومن يرى صورته المنشورة في الصحف الفرنسية يفهم السبب، فهو قد وشم أجفانه بهالات سوداء مثل مصاصي الدماء والأبالسة الذين نراهم في أفلام الرعب. فهل يكفي المنظر المنفر سبباً لاستبعاد معلم من مهنة التعليم وتربية النشء؟

في فرنسا، يرفعون شعار تقديس الحرية الشخصية. وإذا كان المثل الشعبي في بلادنا يقول: «كُلْ ما يعجبك والبس ما يعجب الناس» فإن القوم في هذه البلاد يأكلون ويلبسون ويقرأون ويرسمون ما يعجبهم حتى لو أزعج الناس وأغضبهم وطرح الرعب في قلوبهم.

وصلت قضية المعلم الموشوم إلى وسائل الإعلام. تحدثت عنه الصحف وقنوات التلفزيون. لا شك أن مدير المدرسة وجد فيه مؤهلات وقدرات تستحق توظيفه في مهنته. فهل يحق للمدير، بعد ذلك، الخضوع لرأي أولياء أمور التلاميذ وطرد سيلفان من سلك التعليم؟ سيكون من حق المطرود أن يتقدم بدعوى قضائية ضد الإدارة وضد وزير التربية شخصياً بتهمة التمييز، وسيطالب بتعويضات كبيرة لأن التمييز جرح كرامته واعتدى على حريته الشخصية.

التمييز وفق المظهر ممنوع قانوناً. وشعار الجمهورية هو الحرية والمساواة والإخاء. وهو شعار يفرض التعامل بعدالة بين الأبيض والأسود، والنحيف والسمين، والطويل والقزم، والصحيح والمريض، والغني والفقير، والمبصر والأعمى. لكن قضية الوشم هذه لم تكن في الحسبان. وليس من السهل إزالته عن جسد المعلم لأنه يشغل كل سنتيمتر فيه. وهو قد تحمل الألم وبذل المال والوقت لكي يحصل على هذه النتيجة. وأمام كل الضجة التي أثارتها قضيته اكتفى سيلفان بالقول: «أتمنى لو يعاملونني وفق قدراتي التعليمية لا غير».

مارس المعلم مهنته لسنوات قبل أن «يتلبّسه الوشم». من يومها وهو يتباهى بأوشامه ويحرص على نشر صوره في «إنستجرام» حيث يتابعه 53 ألف متابع ومعجب. فهل يكون موقف آباء التلاميذ عنصرياً؟ ارتفعت أصوات تدافع عن الأستاذ سيلفان وتطالب بالتسامح مع «البشر المختلفين». «طيب، على العين والرأس»، لكن سيصعب عليّ أن أرسل حفيدي إلى صف يقف فيه فرنكنشتاين.

 

مقالات ذات صلة