يحمل الآباء والأمهات مشاعر واحدة تجاه أبنائهم، فالجميع يتمتعون عندهم بنفس مقدار الحب والغلاة، إلا أنه في أحيان كثيرة يكون لأحد الأبناء صفات تجبر الوالدين أو أحدهما لأن يميل بقلبه إليه، كأن يعرف عنه الطاعة، وطيب الخلق، وحلاوة اللسان، واللين في التعامل، وهو ما يرجح كفته عندهما، إلا أن ذلك في كثير من الأحيان يكون مدعاة لفتح باب لا ينسد من الغيرة تجاهه من جانب إخوته، ليقع اللوم في هذه الحالة على من فرق في المعاملة ومال بقلبه لأحد دون آخر، وليس على سلوك الأبناء الذي كان نتاجاً لخلل في تربيتهم.
التفريق والتمييز بين الأبناء من أعظم أسباب العقوق
من وجهة نظر الشرع، يقول الدكتور سالم بن علي بن ارحمه الشويهي «العدل من أعظم المبادئ الإسلامية، وتطبيقه بين الأبناء من أعظم أسباب البر، كما أن التفريق والتمييز بينهم من أعظم أسباب العقوق، والهجر، والكراهية، والعداوة، والشحناء، وعدم استقرار وتماسك الأسرة، فرحم الله والداً أعان ولده على بره، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم»، فالتمييز بين الأبناء مخالف لشرع الله وهو إثم، كما في الحديث أن رجلاً جاء لنبي الرحمة وقد وهب ابنه هبة وأراد إشهاد رسول الله على ذلك، فقال: «إني نحلت ابني هذا غلاماً أي: وهبته عبداً» فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألك ولد سوى هذا؟» قال: نعم، فقال: «أكلهم وهبت له مثل هذا؟» قال: لا، قال: «فلا تشهدني إذاً، فإني لا أشهد على جور»، ثم قال له النبي صلى الله عليه وسلم موجهاً ومعلماً: «أتحب أن يكونوا لك في البر سواء؟ قال: نعم. قال: «فاعدلوا بين أولادكم في النحل، كما تحبون أن يعدلوا بينكم في البر واللطف»، أي كن منصفاً فيما تسدي إليهم، فرجع الرجل ورد عطيته».
التفضيل يؤدي إلى مفاسد وأحقاد
ويكمل الدكتور سالم «إذاً فالعدل بين الأبناء ضرورة حتى على مستوى الجانب النفسي كي لا تشتعل مشاعر الغيرة والعداوة بين الأبناء، لأن المشاعر تبقى في الصدر وقد لا تزول، كما حصل بين يوسف عليه السلام وإخوته، «إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة إن أبانا لفي ضلال مبين»، فالعدل بين الأبناء عامل أساسي في التربية الصحيحة، وقد كان السلف رحمهم الله يعدلون بين الأولاد حتى في القُبلة، فلو قبل هذا، رجع وقبل هذا، حتى لا ينشأ الأولاد وبينهم الحقد، ولذلك قالوا: إن التفضيل يؤدي إلى مفاسد وأحقاد، وإيغار الصدور، وقال سبحانه تعالى: «وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى»، وقال أيضاً: «إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى».