30 مارس 2022

لا تكن فظًا!.. هكذا يدمر النقد السلبي العلاقات الاجتماعية

محررة في مجلة كل الأسرة

لا تكن فظًا!.. هكذا يدمر النقد السلبي العلاقات الاجتماعية

يضيف شهر رمضان بكل ما يحمل من عادات وطقوس جميلة للمرأة مسؤوليات أخرى تجاه الأسرة والأبناء تكون عوامل ضغط ربما تمنعها من الإيفاء بجميع المتطلبات مما يثير حفيظة بعض الأزواج الناقدين، وعلى الرغم من أن الهدف الأساسي للنقد كفعل إيجابي تعديل مسار بعض السلوكيات أو التنبيه أو تقويم الأخطاء ومنحها دافعاً للتقدم وهي طبيعة إنسانية وفطرة بشرية إلا أن الدخول في حلقة النقد «السلبي الهدام» المقرون بالتجريح والتشهير والتحقير والانتقام والسخرية والانتقاص من مكانة الشخص وتعمد الإهانة والجهل بمهارات النقد البناء يكون سبباً للتباعد يدمر العلاقات وينهيها بشكل سلبي، معرضاً الشخص المنتقد للاكتئاب أو العدوانية وفقدان المعنويات وتدمير ثقته بنفسه.

«كل الأسرة» سألت المختصين في مجال العلوم الاجتماعية وعلوم تطوير الذات للوقوف على أهم أسباب النقد السلبي وكيفية الإلمام بأهم مهارات النقد الإيجابي:

أساس النقد «البناء» أن يكون في التقويم ودفع الإنسان إلى التحسين، أما الانتقاد «الهدام» فيكون نابعاً من الحقد والحسد والغيرة

بين النقد البناء والهدام فارق بسيط جداً قد لا يدركه البعض، تشير الدكتورة كريستين جمال سعد، بروفشينال كوتشينج ومستشارة علاقات أسرية، «قد يخلط البعض بين الاثنين، دونما إدراك لطبيعة كل نوع، كما هي الحال في بعض المسميات والمصطلحات الأخرى، إلا أن الفارق بين النوعين كبير، أساس النقد «البناء» أن يكون في التقويم ودفع الإنسان إلى التحسين والتطوير، أما الانتقاد «الهدام» فيكون نابعاً من الحقد والحسد والغيرة التنافسية والمهنية».

تطرح مثالاً على ذلك «ساحتنا الرياضية لا تفرق أحياناً بين النقد البناء والهدام، وترى الكثير من البرامج الحوارية التي لا يقبل فيها تقبل الرأي الآخر في حالات النقد الموضوعية فتجدها تتحول إلى الانتقاد الهدام لأسباب غير منطقية وشخصية وتعالٍ على الموضوع الذي تتم مناقشته أو عدم قناعة المتلقي للنقد بما يرسله المرسل وهو المنتقد وهو غالباً من الذين لا يقبلون الرأي الآخر ويحاولون فرض رأيهم على الجميع من منطلق أنهم هم المحاورون وأن رأيهم دائماً هو الصائب.

كما يلاحظ الخلط جلياً في بعض البرامج الحوارية حينما يفرض متصل رأياً على المحاور ويعارضه في بعض ما يطرحه وهنا تقوم الدنيا ويتحول اللقاء التحاوري إلى ساحة لتبادل الاتهامات وتتحول إلى القذف أحياناً دون مراعاة لمشاعر المتلقي سواء كان مستمعاً أو مشاهداً وقلما تكون على المستوى المقروء لعدم وجود الوقت للتجاذب».

توضح سعد «المواقف التي تصادفنا في حياتنا كثيرة، وتعرضنا لهجوم قوي من الطرف الآخر عادة ما يكون لإبراز الأخطاء، وبين طياتها إحراج وتشويه للشخص خاصة إذا كان على الملأ. وفي المقابل نرى كثيرين يقدمون النصح ويعرضون حقيقة ما لديهم من ميزات وعيوب دون التركيز على سلبية محددة، فالنقد الهادف والبناء يراد منه تحسين الشخصية وعطائها ويمثل دافعاً للتقدم إلى الأمام دون تجريح أو تقليل من شأن هذه الشخصية أياً كان حجمها بل وتبيان الأخطاء التي وقعت لتفاديها»

تبين العوامل التي يبنى عليها النقد البناء:

  • اختيار الأسلوب اللائق للنقد واختيار الألفاظ بدقة متناهية، وذلك لجعل الطرف الآخر يتقبله بصدر رحب
  • أن يكون النقد شاملاً للموضوع فلا ينتقد جزءاً ويترك الجوانب الإيجابية فيه دون مدح وإطراء
  • يجب أن نعطي لأنفسنا فرصة قراءة وتمعن الموضوع أكثر من مرة وعرضه بتفكيرنا في أكثر من اتجاه وبذلك نعطي الفرصة الكاملة لدراسة الموضوع ووضع محاوره الأساسية للنقد من جميع الاتجاهات.
  • مصدر هذا النوع من النقد هو العقل، بينما يكون القلب مصدر النقد الهدام فهو ينبع من الغضب والكراهية للشخصية المراد نقدها وهو عكس النقد البناء، فلا أسس له ولا هدف إلا تحطيم من أمامك وإشعاره بضآلة حجمه وذلك بغرض الانتقام من هذا الشخص، لذلك ينزعج الناس من النقد ظناً منهم بأنه انتقاد يمس شخصهم لا أداءهم»

تختم سعد «سبب الخلط بين النقد البناء والهدام، ظن الناس أن الانتقاد هو الحل الأمثل والأفضل لتصحيح أخطاء الطرف الآخر دون مراعاة لقواعد النقد الهادف، فمتى يعي الناقد حقيقة ذلك ومتى ندرك الفرق بين النقد الذي يبني والانتقاد الذي لا قصد منه سوى التجريح والسير وفق مفهوم خطأ تمرسناه وتوارثناه؟».

لا تكن فظًا!.. هكذا يدمر النقد السلبي العلاقات الاجتماعية

النقد باستخدام أسلوب ( النصيحة والإرشاد)

تقول الدكتورة بشرى أحمد العكايشي، رئيس قسم التربية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية في جامعة الشارقة، «يعد أسلوب النقد المتبع في مجال العلاقات الاجتماعية بشكل عام، وبين الأصدقاء بشكل خاص، من أهم المهارات التي تؤثر في التواصل السليم بين الأشخاص وديمومة للعلاقات الاجتماعية، وإدراك أهمية مهارة أسلوب النقد باعتماد الأسلوب النقدي الأكثر فاعلية الذي لا يوجد إفراط به، بلا شك سيكون نقطة للتلاقي والتقارب في العلاقات الاجتماعية، والعكس منه سيكون نقطة للتباعد والفراق، بل أحياناً يولد علاقات عدائية مسمومة».

توضح «النقد الذي يفضل استخدام (النصيحة أو الإرشاد) يبدد سوء الفهم الذي قد تولده هذه المفردة أي «النقد» عند البعض أحياناً، وهي أداة قيمة وأسلوب تحفيزي في حالة كان النقد من النوع الموضوعي والبناء الذي يقدم تغذية راجعة بطريقة مفيدة مركزاً على إيجابيات الآخرين ومبتعداً عن سلبياتهم، وغايته تقديم الملاحظات لأجل إجراء التحسينات و تحقيق نتائج أفضل لاسيما في مجال العلاقات الإنسانية عندما يضع الشخص الناقد نفسه موضع الشخص الآخر المتلقي للنقد ويعايش كل ظروفه ومحيطه، وأن يفكر أيضاً في تأثيرها للطرف الآخر على المدى البعيد وعلى العلاقة التي بينهما».

تكمل العكايشي «للأسف أن ما يحدث غالباً في العلاقات الاجتماعية يكون النقد أو النصيحة والإرشاد من النوع الهدّام الذي يعبر عن الاستجابة العاطفية والمزاجية للناقد بطريقة غير احترافية وبعيدة عن الأخلاقية وبثقافة استخفافية قائمة على المزاح الغاية منها التحيز أو التفضيل الشخصي أو الانتقام أو السخرية أو الإهانة. لا يكون الهدف من النقد هنا إصلاح المشكلة أو إيجاد حلٍ لها أو تعديل لسلوك، إنما الانتقام وإلحاق الأذى بالشخص وتدمير ثقته بنفسه وتقليل احترامه لذاته والانتقاص من مكانته وسمعته، ما يعرض الشخص المتلقي للنقد لحالات من الاكتئاب أوالغضب أوالعدوانية وفقدان المعنويات من جرائه وإنهاء العلاقة بشكل سلبي. فالأسلوب النقدي الأكثر فاعلية هو ما يعتمد على السياق الثقافي، وشخصية الفرد المتلقي للنقد، وطبيعة العلاقة بين الناقد والمنتقَد».

تشير العكايشة «من المهم وقبل البدء بعملية النقد أو النصح أو الإرشاد تقييم الموقف، إذ يتعين على المرء الناقد أن يطرح مجسات استكشافية تعتمد في بادئ الأمر على موقف إدراكي وليس موقف نقدي. وهنا يمكن القول بأن فن ومهارة أسلوب النقد ستحقق بين الناقد والمنتقَد تعزيزاً للمشاعر الإيجابية وتقدم الدعم الذي تتمتن به العلاقات الاجتماعية، وتمكن المتلقي للنقد أن يستفيد منه في كشف السلبيات لديه، ويحقق قدراً أكبر من التنمية الشخصية والمساعدة».