24 أغسطس 2022

د. حسن مدن يكتب: «العيال» وقد كبروا

كاتب بحريني، يكتب زاوية يومية في جريدة "الخليج" الإماراتية بعنوان "شيْ ما"، صدرت له مجموعة من الكتب بينها: "ترميم الذاكرة"، "الكتابة بحبر أسود"، "للأشياء أوانها"، &a

د. حسن مدن يكتب: «العيال» وقد كبروا

وقف الباحث والأكاديمي الكويتي الراحل خلدون النقيب في أحد مؤلفاته، وهو يتناول قضايا التعليم ومشكلاته في بلداننا، عند مسرحية «مدرسة المشاغبين»، التي نالت، ولا تزال، انتشاراً واسعاً لدى مختلف الأجيال، كبيرها وصغيرها، فرأى في تلك المسرحية نقداً لمنظومة التعليم القائمة، يجب أن يستخلص منه الحاجة إلى تطويرها والنهوض بها، يستوقفنا في رأي للنقيب، أنه لم يكتف بالنظر إلى المسرحية كمجرد عمل كوميدي ساخر باعث على التسلية والضحك، وإنما رأى فيها مضموناً أعمق.

تذكرتُ قول النقيب وأنا أقرأ رأياً للفنان المصري أحمد ماهر يهاجم فيه مسرحية تنتمي إلى نفس الفترة الزمنية التي ظهرت فيها «مدرسة المشاغبين»، هي مسرحية «العيال كبرت»، القريبة في أجوائها الساخرة والكوميدية من أجواء المسرحية الأولى، بل إن بعض ممثلي «مدرسة المشاغبين» كانوا هم أنفسهم ممثلي مسرحية «العيال كبرت».

د. حسن مدن يكتب: «العيال» وقد كبروا
مسرحية «العيال كبرت»

وصف ماهر «العيال كبرت» بأنها «كارثة بكل المقاييس»، وأن كثرة مشاهدتها لا تعني جودة محتواها، فهي برأيه، تفسد الذوق العام، متساءلاً: «كيف يتم تقديم عمل مسرحي يروج لتطاول الأبناء على والدهم والسخرية منه بهذه الطريقة؟ وهذا هو سبب فيما وصلنا إليه الآن من تدنٍ في القيم والأخلاق»، لكن الفنانة نادية شكري التي شاركت في المسرحية ردّت قائلة إن «العمل لا يعرض على التلفزيون إلا ويشاهده الجميع كباراً وصغاراً»، في معرض تعليقها على استغراب أحمد ماهر من أن فنانة متعلمة مثلها تشارك «في هذا العمل الذي يسيئ للذوق العام ويهدم قيم المجتمع».

لن ندخل في هذا السجال حول مضمون المسرحية، كوننا لسنا من أصحاب الاختصاص في النقد المسرحي، ولكن أياً كان الرأي حول «العيال كبرت»، فإنه بوسعنا، ولو جزئياً، أن نرى فيها بعض ما رآه خلدون النقيب في «مدرسة المشاغبين»، فإذا كان بالوسع النظر إلى الأخيرة كنوع من النقد لما آلت إليه منظومة التعليم من تدهور، فإنه بالوسع أيضاً أن نرى في «العيال كبرت» تناولاً لا يخلو من النقد، حتى وإن جاء في صورة ساخرة، لطبيعة العلاقة بين الأجيال المختلفة.

وإذا كان هذا يصحّ في الزمن الذي قدّمت فيه المسرحية أول مرة، فإنه يصح بصورة أكبر اليوم أيضاً. إن أجيالاً جديدة تنشأ وتتشكل في عوالم مختلفة كلياً عن تلك التي عاشها آباؤهم وأمهاتهم عندما كانوا في أعمار أولادهم وبناتهم اليوم، فهؤلاء عرضة لمؤثرات جديدة كلية، ومختلفة نوعياً، في عصر زال فيه، أو كاد، الحاجز بين الافتراضي والواقعي، حتى بتنا في وضع يصعب فيه علينا التمييز بينهما، ما يجعلنا فعلاً إزاء أجيال جديدة بتكوين مختلف كلية.