في كل يوم من السنة الدراسية يصعد عشرات آلاف الأساتذة على المنصة أمام فصولهم. فالتلامذة بالنسبة إليهم هم كما جمهور المسرح الذي جاء ليشهد أداء ممثل وحيد على الخشبة.
فهل نبالغ حين نشبه الأستاذ بالممثل المسرحي؟ وكيف يمكن للتمثيل المسرحي الناجح أن يبلغ الأهداف المرجوة من العملية التعليمية؟
وجه الشبه الأول بين الممثل والمعلم هو «الحضور»، فبعض الأساتذة يملكون حضوراً طبيعياً يجذب نحوهم انتباه جمهورهم.
الممثل الناجح هو الذي يملأ الخشبة والدور الذي يؤديه بحضوره، والأستاذ الناجح هو الأستاذ الحاضر في اللحظة التي يوليها كل اهتمامه، منفتحاً لكل ردود فعل تلامذته ملتقطاً لكل واحد منها، وهذا بالتحديد ما يخوله حسن إدارة فصله.
فالأستاذ الضائع في أفكاره أو الذي يهتم بمشكلة تقنية مع آلة الفيديو ليس حاضراً حقاً.
في المقابل الأستاذ الحاضر «يستشعر» فصله ويستطيع أن «يلعب» معه ويحافظ على حيوية الاتصال به من خلال الصوت والنبرة وحركات الجسد ولحظات الصمت. وهذا وجه الشبه الثاني مع الأداء المسرحي.
يمكن أن نتخيل أستاذ علوم طبيعية يصف وظيفة القلب كما لو أنه غارق في لجة هذا العضو الحيوي، مع كل ردود الفعل المصاحبة التي يمكن أن يؤديها من دون مبالغة، كالاهتمام والدهشة والفضول. أما هدف أداء هذا الدور فهو إثارة الانفعالات ذاتها لدى التلامذة. فمن المعروف أن المراقب الخارجي يميل إلى الإحساس بالانفعال ذاته الذي يعبر عنه مؤدي الدور سواء أكان أستاذاً أم ممثلاً، وهذا ما يجعلنا نندمج بالأفلام والمسلسلات التي نشاهدها.
المشاهد أو التلميذ لا يقرأ فقط الانقباضات على الوجه وحركات الجسد ويفهمها لكنه يشعر بها كذلك بفضل ما يمتلكه كل واحد منا في دماغه من «عصبونات مرايا» تجعلنا نشعر بالانفعال ذاته الذي نشهده لدى من يحدثنا.
أما قدرة الأستاذ على عيش الوضع الذي يصفه فتحوِّله إلى نوع من جهاز إرسال لهذه الانفعالات. وهذا مؤشر تدركه أدمغة التلامذة كإشارة إلى أن ما «يراه» الأستاذ مهم ويجب عليهم الانتباه إليه. وكما الجمهور الذي يشاهد قصة مسرحية، «يندس» التلامذة في تصورات الأستاذ الذهنية ليس لأنهم قادرون على قراءة أفكاره بل لأن الأستاذ الناجح يترك لهم الوقت الكافي ليتمثلوا بدورهم ما أتى على وصفه أو شرحه حتى يتمكنوا من السير معه في هذا العالم الخيالي الذي نسجه والذي تتحول مردوداته العملية إلى نتائج ملموسة في أداء التلامذة المدرسي.