شهر رمضان هو شهر الكرم والعطاء؛ لذلك تكثر اللقاءات الأسرية والمناسبات الاجتماعية التي تستدعي دعوة الأهل والأقارب والأصدقاء وزملاء العمل، لتناول الإفطار أو السحور أو حتى لقضاء إحدى الأمسيات خلال شهر رمضان.
ولأن هذه التجمعات تهدف أولاً وأخيراً إلى لمّ الشمل وتقوية العلاقات الإنسانية والروابط الأسرية، ينبغي التعرّف إلى أصول حضور هذه العزومات والتعامل معها.
سألت «كل الأسرة» عدداً من خبراء الإتيكيت والعلاقات الأسرية والتربية حول إتيكيت التعامل مع دعوات الإفطار، وكيفية استقبال الضيوف، وكيفية تدريب الأبناء على التصرفات اللائقة خلال العزومة، والأخطاء التي يرتكبها البعض وتتسبب في إحراج الضيوف أو أصحاب العزومة، وكيفية تفاديها:
التنظيم الجيد للعزومة الرمضانية يعمّق الود
تؤكد الدكتورة أسماء مراد الفخراني، استشارية العلاقات الأسرية والزوجية ومدربة الإتيكيت والأنوثة في مصر، أن شهر رمضان يتميز بالفعل بكثرة الدعوات والعزومات التي يكون لها طابع خاص في التعامل ومظاهر يجب أن تحترم، حتى لا نرتكب أخطاء تفسد جوّ العزومة وتفسد العلاقات.
وتؤكد على مجموعة من التفاصيل البسيطة لجعل العزومة سهلة وبسيطة:
- أولاً: يفضل أن نقدّم للأهل والأصدقاء المعايدات بقدوم شهر رمضان قبل بداية الشهر أو في أيامه الأولى، والتنويه بنية الدعوة للإفطار في هذه الأيام المباركة، ليتمكن الفرد من تحضير نفسه مبكراً ووضع هذه الدعوة في حسبانه.
- ثانياً: دعوة الإفطار في الأسبوع الأول يفضل أن تكون موجّهة للأهل والعائلة قبل أن ننشغل بعزومات الأصدقاء والزملاء، بينما يفضل أخذ الأسبوع الثاني راحة، قبل دعوة الأصدقاء والمعارف يفضل أن تكون في الأسبوع الثالث، خاصة أن الأسبوع الرابع يكون الاهتمام بالعبادات أكثر لدى البعض وهذا لا يتيح لهم الفرصة لتبادل الحديث بشكل موسّع بعد الإفطار، كما أن الجميع ينشغل بالتحضير للعيد خلال الأيام الأخيرة.
- ثالثاً: يجب أن تكون دعوة الإفطار موجهة قبل العزومة بوقت كافٍ، وألا يكون الأمر مفاجئاً على الأقل قبلها بيومين أو ثلاثة، وكذلك الأمر بالنسبة للاعتذار عن العزومة والذي ينبغي أن يكون قبلها بيوم على الأقل.
- رابعاً: يفضل الاستعداد مبكراً لتحضير الطعام والانتهاء منه وتقديمه في الوقت المناسب قبل أذان المغرب حتى لا تتعرض الأسرة الداعية للإحراج.
- خامساً: إذا كنتم على موعد لتلبية دعوة إفطار يفضل الوصول قبل الموعد المحدد بما لا يزيد على ربع ساعة حتى لا نتسبب في إرباك أصحاب البيت مبكراً، ما بين الترحيب بنا ووضع اللمسات الأخيرة لمائدة الإفطار. أما إذا كنت من المقربات من ربة البيت فمن الأفضل مساعدتها في وضع اللمسات الأخيرة، وفقاً لما نظمته هي، وعدم التعديل عليه، وإرباكها في اللحظات الأخيرة.
- سادساً: الأهم دائماً هو حسن استقبال ومعاملة الضيوف ومنحهم ما يكفي من الحفاوة والاهتمام طوال الوقت، وأن يكون هذا الاهتمام والترحيب بقدر متكافئ إذا قمتِ بدعوة أكثر من أسرة معاً في يوم واحد.
عزومة رمضانية بلا إرهاق على الزوجة
ويشدّد الدكتور عمرو شليل، أستاذ علم النفس الإكلينيكي في جامعة المنصورة والمتخصص في تعديل السلوك والعلاقات الأسرية، على أن العزومات في رمضان لها طابع خاص، ويجب أن نهتم بها ونلبيها بالشكل اللائق ، ولكن يجب على الزوج والأبناء بمساعدة ربة البيت في تجهيز العزومة حتى تخرج بالشكل اللائق دون إرهاق للجميع.
ويوضح الدكتور عمرو عدد من القواعد يجب علينا الأخذ بها، ووضعها في الاعتبار قبل توجيه الدعوة لعزومة أو تلبيتها:
- تنبيه الأبناء على الهدوء وعدم عمل ضجة أثناء استقبال الضيوف، وتوضيح كافة التعليمات الخاصة بالعزومة قبلها بعدة ساعات، وتأكيد الأمر أكثر من مرة قبل مجيء الضيوف، وتجهيز المكان المخصص لهم وكل ما سيتناولونه قبل مجيء الضيوف.
- إذا كنت مدعواً لعزومة عند أحد الأصدقاء أو الزملاء لأول مرة، فليس هناك داع لاصطحاب جميع الأبناء والأفضل اصطحاب طفل أو اثنين فقط، والأفضل أن نصل قبل موعد الأذان بعشر دقائق، وأن نراقب أبناءنا ونوجههم عند اللزوم حتى لا يتسببوا في تصرفات غير لائقة تحرجنا أو تحرج أصحاب البيت. وعلى كل أم تعليم أطفالها إتيكيت المائدة؛ لأن الأطفال دائماً ما يكونون انعكاساً حقيقياً للثقافة التي تقدّمها لهم الأم.
- الحرص على إحياء العادات الرمضانية خاصة في ظل وجود ضيوف مثل تقديم التمر لتسهيل الإفطار به.
- تجنّب الضحك والخروج عن السياق الأخلاقي أثناء الفطور، والالتزام بالذوق العام واحترام المبادئ الأخلاقية.
توجيهات هادئة للأطفال أمام الضيوف في رمضان
أما الدكتورة شيماء عطية، الاختصاصية في الصحة النفسية وتعديل سلوك الأطفال والمراهقين في القاهرة، فتشدد على ضرورة أن تستغل الأسر والعائلات حلول شهر رمضان الكريم لكسر روتينها وتغيير الأجواء، من خلال تنظيم موارد إفطار عائلية، والحرص على التجمع في بيت أحد أفراد العائلة أكثر من مرة خلال شهر رمضان.
وبالنسبة لإتيكيت العزومات فتنصح الاستشارية في تعديل السلوك، الأسر بما يلي:
- تعويد أولادها على بدء الإفطار بتناول التمر والماء أو العصير ثم صلاة المغرب.
- ضرورة التزام الضيوف بقواعد الأسرة التي نذهب إلى ضيافتها وتعليم أولادنا احترام هذه القواعد، فإذا كان أهل البيت يصلون بعد الانتهاء من الطعام تماماً، فيجب التقيد بعاداتهم.
- الانتباه دائماً إلى الأمور التي نحسن بها استقبال الضيوف والترحيب بهم، من خلال الانتباه إلى تنظيم المائدة بما يتيح للجميع الوصول لكل أنواع الطعام عليها، وأن نعرض عليهم أصناف الطعام البعيدة عن متناولهم.
- سؤال الضيف عن نوعية الطعام التي يفضلها، فلا يجوز تقديم مشويات على سبيل المثال لأشخاص لا يفضلون تناولها؛ بل تجب مراعاة وجود ضيوف من مرضى السكر أو القولون، فيجب سؤال الضيف عن الطعام المناسب له ولا يضره حتى يتم طهوه وتجهيزه.
- لا ينبغي أبداً الانشغال عن الضيوف بالتحدث في الهاتف المحمول، وكذلك تركهم والانشغال ببرامج ومسلسلات رمضان. أما بالنسبة للضيف فيجب ألا يطول بقاؤه بعد الإفطار، خاصة إن لم تكن العلاقة حميمة.
- يجب تجنّب الدخول في أي من الموضوعات الخلافية التي تتسبب في اختلاف وجهات النظر والجدال والنقاش الحاد في هذه الأوقات، وأن يكون البقاء مع الضيوف في التسامر والأحاديث اللطيفة التي تبعث الود وتترك ذكريات جيدة عن العزومة.
«دش بارتي» لمواجهة الغلاء والظروق الصعبة
وفي ظل الغلاء والظروف الاقتصادية الصعبة، تقترح الدكتورة شيماء عطية أن تكون عزومات رمضان بسيطة وغير مرهقة لسيدة المنزل المضيفة، ويمكن أن يتعاون الأصدقاء فيها، وتكون تحت مسمى «دش بارتي»، حيث يقوم كل ضيف بإحضار صنف معه وتقدّم سيدة المنزل صنفين مثلاً، وبالاتفاق ستكون مائدة الطعام ملأى بأصناف شتى ومختلفة، وبعد الانتهاء من تناول الإفطار يتعاون الجميع في رفع الطعام وغسل الأطباق.
وبالنسبة لتجمع الأبناء والأحفاد في بيت العائلة، وبخاصة على مائدة الإفطار في رمضان، تشدد الاستشارية الأسرية أن هذا الأمر طيب ومفيد ومن الجيد للغاية تكرار هذه العادة العائلية أكثر من مرة خلال الشهر الفضيل، وتقول: «عزومات رمضان من المراسم التي يجب عدم الاستغناء عنها، حيث تعم بهجة الأطفال، وفرحة الكبار».
وتوضح د شيماء عطية أهمية الحفاظ على هذه العادة الجميلة وهي اللمة العائلية في شهر رمضان؛ إذ إنها فرصة للتواصل الاجتماعي والحفاظ على الود والاحترام، وتعرّف الأحفاد إلى بعضهم بعضاً.