10 يناير 2024

مخاوف الطفل تتنوع بحسب عمره.. ماذا تفعل لمساعدته على مواجهتها؟

أستاذة وباحثة جامعية

مخاوف الطفل تتنوع بحسب عمره.. ماذا تفعل لمساعدته على مواجهتها؟

وسط سائر الانفعالات التي يتعلّم الطفل تدريجياً التحكّم فيها، غالباً ما يشكل الخوف الانفعال الأصعب، لأنه يمكن أن يصيب توازنه باضطراب مؤقت، ويضرب ثقته بنفسه. لذا، من المفيد معرفة أفضل الوسائل لمساعدته على التعاطي معه، وأيضاً على تخطّيه.

مخاوف الطفل تتنوع بحسب عمره.. ماذا تفعل لمساعدته على مواجهتها؟

يقدم لنا «ستيفاني كوتورييه» في بداية كتابه «كيف تساعد طفلك في التغلّب على مخاوفه؟» تعريفاً للخوف، قائلاً أن الخوف شعور سليم ينتابنا عموماً، في وجود خطر، أو تهديد، ويجهّزنا للهرب، أو المواجهة. الخوف إذَن، شعور طبيعي، عادي وضروري، وهو من بين أقدم الانفعالات، ويرتدي على امتداد حياتنا أشكالاً متعددة: الخوف من الأشباح، من وجود قوى ظلامية، من الحشرات، من الثعابين، من الماء، من العواصف، من الموت، من المجهول، من الامتحانات، من الخطب العامة... وتتطور المخاوف بحسب السّن، والظروف.

أما عند الطفل، فإن ظهور المخاوف يرتبط بمراحل النضج، ويتصل بمخاوف قديمة، كما الخوف من الهجران أو الالتهام. ومع تقدم الطفل في السّن، يبلغ الخوف شكله الطبيعي، ويتمكن العقل من التخفيف منه بسهولة أكبر. فالطفل لا يملك بعد، دماغاً ناضجاً كليّاً كما الكبار، لذا فهو لا يمتلك الوسائل الفسيولوجية لطمأنة نفسه، وعقلنة مخاوفه وحده. وتختلف طبيعة المخاوف بحسب اختلاف سنّ الطفل، كما نرى في الملاحظات التالية.

بين الشهرين الثامن والعاشر: الخوف من الانفصال

يبدأ الطفل بالتمييز جيداً بين الوجوه المألوفة، وتلك التي لا يعرفها، وكل وجه جديد بالنسبة إليه هو مصدر قلق.

ابتداء من السنة الثانية: الكوابيس

وهي قد تبلبل حياة الأسرة، حيث إن غرفته هي مكان خاص يمكِّن الطفل من عيش حياته، من دون وجود أهله باستمرار إلى جانبه. لكن الطفل يواجه فيها الانفصال، والظلام، والوحوش في الخزائن، والتمساح الذي يسبح تحت سريره.. وقد تمتد هذه المرحلة حتى سنّ الخامسة، أو السادسة، وتشهد ولادة مخاوف مؤقتة، كالخوف من الكلاب، والعواصف، والدبابير.

بين السادسة والثانية عشرة: تتحوّل المخاوف شيئاً فشيئاً

يزول الخوف من المجهول، ومن التخيُّلات المختلفة، لمصلحة المخاوف الأكثر عقلانية، كالخوف من الموت، أو من حادث، أو من مواجهة سخرية الآخرين، إلخ. وهي مخاوف تشبه تدريجياً تلك التي يشعر بها الكبار.

مخاوف الطفل تتنوع بحسب عمره.. ماذا تفعل لمساعدته على مواجهتها؟

كيف تساعد الطفل على ترويض مخاوفه؟

ثمة وسائل متعددة لمساعدة الطفل على تخطّي مخاوفه:

رسم الخوف واستبداله برسم آخر:

مطلوب هنا تمثيل الخوف الذي يصيب بالشلل لحظات من الحياة، أو الذي يوقظ الطفل من نومه. وسواء أكان محدداً أم مشوشاً، يجدر وضعه على الورق باستخدام الأقلام، والتلوين، والقص، واللصق.. حتى يرسم الطفل ما يخيفه بأكثر التفاصيل الممكنة. ثم قولوا للطفل إن عليه أن يقرر المصير الذي يريده للرسم. اطلبوا منه، مثلاً، ماذا يرغب أن يفعل بالتنين الذي يجوب ممر المنزل ليلاً. هل يريد أن يرسل الوحش بالبريد إلى مكان آخر؟ في هذه الحالة، اكتبوا عنواناً وهمياً على المغلف بعد وضع الرسم فيه، واذهبوا مع الطفل إلى علبة البريد لوضعه في داخلها. هل يريد أن يمزق الرسم إلى نتف صغيرة ؟ هل يريد أن يحوّله إلى حيوان يحبه؟

وضع المخاوف على الأرض وسحقها:

حددوا مكاناً أمامكم، كحلقة محاطة بالوسائد، أو الألعاب، أو سجادة صغيرة، واطلبوا من الطفل أن يضع فيها، افتراضياً، كل ما يخيفه. وعلى الطفل أن يعبّر بالكلام عما يضعه فيها في كل مرة: الدرجات السيئة، تأنيب الأهل أو المعلمين، الخوف من الظلام، الخوف من الآخرين، وكل ما يخطر على باله، ولا يريده في تلك اللحظة.

لا تؤنّبوه إن قال في هذه المناسبة إنه يريد التخلص من شقيقته الصغيرة، أو من رفيقه الذي يغار منه، أو من أحد والديه. فهذه مساحة حريته، وخيال سيمكّنه من التحرر مما يبدو له سلبياً، ومن مخاوفه أيضاً. ومتى وضع الطفل كل هذه «الأشياء السلبية» أرضاً، خذوا وسادة، ورافقوا الطفل، أو حتى اتركوه وحده يضربها، أو يدوسها بقدميه حتى تختفي.

كيس المخاوف:

يجعل هذا النص من الممكن وعي المخاوف الداخلية، ويقدم حلّاً للتخلص منها. سيشعر الطفل بالراحة النفسية والجسدية عند تطبيقه.

أغمض عينيك وتخيّل ما سأحكيه لك.. أنت في غرفتك.. جالس على سريرك.

تأخذ أيّ كيس تريده، صغيراً كان أو كبيراً.. في هذا الكيس ستضع كل ما يجعلك تخاف..

فكّر في أكثر ما يخيفك.. ربما كان ثعباناً، أو عنكبوتاً، أو طبيب الأسنان.. أو صراخ والدك.. أو البقاء وحدك في الغرفة.. أو أي شيء آخر.

سيذهب هذا الخوف إلى داخل الكيس وسيبقى فيه، وسيكون في غاية الراحة، حتى أنه لن يريد الخروج منه أبداً.

ثم ستبحث في داخلك عن خوف آخر.. خوف كبير يمنعك من النوم بهدوء، أو يزعجك دائماً. متى وجدت ما هو، ستضعه في الكيس، وهو بدوره سيشعر بالراحة في منزله الجديد.

ثم حاول أن تفكر في خوف ثالث، أصغر هذه المرة، وضَعْه في الكيس هو أيضاً.. سيجلس إلى جانب الخوفين الآخرين، وسيكون سعيداً بلقائهما.

ثم أحكم إغلاق الكيس! وافتح النافذة بعدها وارمِه.. وفي هذه اللحظة، ستأتي ريح قوية جداً لتحمل الكيس بعيداً عنك.

ترى الكيس يذهب إلى البعيد في الفضاء، ويصير أصغر، فأصغر، ويختفي تماماً.. تشعر بأنك قد استعدت هدوءك، وتخلصت من مخاوفك. ويمكنك الآن أن تبقى في غرفتك، ففي داخلك كل شيء قد صار أهدأ، وقد ذهب الخوف عنك.

صرت تعرف الآن أنه فيما لو أتت مخاوف أخرى لتزعجك يمكنك أن تضعها في مكان آخر غير أفكارك، ستحبسها في كيس، وتترك الريح تحملها إلى البعيد.

الضحك:

الضحك دواء فعال جداً ضد التوتر، فهو يخلق توازناً بين الجهاز السمبثاوي والجهاز الباراسمبثاوي، ما يؤدي إلى تباطؤ ضربات القلب، وخلق استرخاء عضلي لتخفيف التوتر الكامن. كما يسمح بإفراز هرمونات الأندورفين التي تعطي إحساساً بالراحة، والسلام الداخلي. لذا يتعيّن عليكم أن تخترعوا نوبة الضحك اليومية مع الطفل!

جِدوا الوقت المناسب، ربما يكون مساء، لأن الضحك يرخي الجسم، واجلسوا معه على شكل حلقة، وحاولوا أن تثيروا ضحك الآخرين. بإمكانكم أن تجبروا أنفسكم على الضحك، لأن الضحك المزيَّف كثيراً ما يأتي بالضحك الحقيقي.

يؤشر الخوف إلى أن التوازن الداخلي لدى الطفل لم يعد كما ينبغي عليه أن يكون. يجب بالتالي «معالجة العارض»، مع العمل على مختلف الانفعالات، أي مساعدة الطفل على استرجاع بيئة داخلية أفضل. ومن الضروري أن تولوا أهمية لخوف الطفل، فتعاطفكم هو الذي يساعد على تهدئة القلق، وعلى مواجهة الخوف، وسيشكل المرحلة الأولى للتغلب عليه.

فحين يحاول الأهل طمأنة الطفل بقولهم: «كلّا، أنت تعرف تماماً أن الساحرات الشريرات لا وجود لهن»، أو «لا يوجد ذئب في غرفة نومك»، فهم ينكرون خوف الطفل، ولا يطمئنون خياله الخصب في شيء. وإذا كان المطلوب قول الحقيقة، بإمكانكم أن تقولوا إن الساحرات موجودات في الأحلام والأفكار، وإنهن حقاً مخيفات، وستحاولون معاً، إيجاد حلّ لجعلهن يذهبن بعيداً.

والمطلوب كذلك نزع الطابع الدرامي عن الخوف، بالأخص حين يعرف الطفل أن الجميع عرضة للمخاوف، فهذا قد يطمئنه، ويجعله يشعر بأنه «طبيعي». ولا تترددوا في الحديث عن المخاوف التي كانت تساوركم حينما كنتم أطفالاً بدوركم، وما هي الحلول التي وجدتموها لمواجهتها. كما بإمكانكم أن تتحدثوا عمّا يخيفكم اليوم، وماذا تفعلون لمواجهته. والمهم، أن تعلموا أن تخطي الخوف يتطلب وقتاً، وهو عمل يتم خطوة خطوة، ويتطلب تعاون الأهل والطفل، معاً. فإجبار الطفل على مواجهة الخوف بطريقة معينة سيأتي بنتائج عكسية، وقد يجعل الخوف أشد على الطفل. أما إذا جاء القرار من جانب الطفل، أو إذا ما أبدى تعاوناً كاملاً، فسيشعر بأنه مسؤول، ويتمكن بالتالي من تجنيد كل طاقاته لحل مشكلته.