كلّما كبر الأبوان، يصبحان أكثر عناداً، ويرفضان الاستماع لنصائح أبنائهما، لأنهما يعرفان أكثر، ولأن الأبناء مهما كبروا، فهم صغار في عيون آبائهم.
ولا أحد يستطيع تفهّم قسوة شعور الأبوين اللذين سلبا عرش السيادة، لكننا يجب أن ندرك أن الأمر الإلهي للإنسان بأن يبرّ والديه، ويصاحبهما في الدنيا، ويرحمهما، ويصبر عليهما، ويتسع صدره أمام ما يحدث لهما من ثقل في الحركة، وبطء في الكلام، وضعف في السمع، والشعور بالإرهاق مع أقلّ جهد، هو أمر يضع قواعد وتوجيهات كي لا تنهار العلاقات، وينخرها سوس القسوة.
ويجب أن ندرك أن الأبوين لا يعاندان، بل هما يصبحان أكثر هشاشة وحساسية، فيرفضان ما يفرضه أبنائهما عليهما من عناية، ونصائح، والعناد وسيلتهما الوحيدة للحفاظ على الاستقلالية، والسيطرة قبل انهيارها.
وكما كان الابن يمرّ في طفولته ومراهقته، بمراحل لا تعجبه فيها النصائح، ولا يلقي بالاً لتوجيهات أبويه، سيحدث الأمر نفسه عندما يكبر الوالدان، ويرغب الابن في مساعدتهما، فهما يمرّان بمواقف مشابهة لا يرغبان فيها في الاستماع إلى من يملي عليهما ما لا يريدان، ولا أن يفرض عليهما ما لا يرغبان فيه.
وربما لا يحتاج العديد من الآباء إلى مساعدة من أبنائهم مع تقدمهم في السّن، ولكن يأتي وقت يتعين فيه على بعض الآباء الاعتماد على الأبناء لمساعدتهم على اتخاذ قرارات تؤثر في حياتهم، رغم أنهم سيدّعون عدم موافقتهم على هذه المساعدة، رغم حسن نوايا الأبناء، لأنهم أكثر عناداً مما يمكن تخيله.
وتفسر العالمة «أليسون هايد»، المتخصصة في علوم الشيخوخة في جامعة روان وجامعة ولاية بنسلفانيا، عناد الوالدين بأنه لا يمكن تسميته عناداً لأن الأسباب الجذرية لهذه المعركة بين الوالدين والأبناء تكمن في عدم تطابق الأهداف في بقاء الوالدين مستقلين، والحفاظ على استقلاليتهما، مع أهداف الأبناء في نصحهما ومساعدتهما خوفاً عليهما.
وتكثر مشكلات رفض الوالدين في أمور لا ينبغي عليهما القيام بها، مثل التوقف عن قيادة السيارة، أو تغيير ترتيبات معيشتهم لتصبح أكثر ملاءمة، أو أكثر أماناً من الأوضاع التي يعيشونها، فهذه الأهداف المتباينة تعمق الخلاف في الأسرة بسبب التغيير في ميزان القوى الذي يحدث.
ويجادل البعض بأن مقاومة الوالدين لرغبات أبنائهما يمكن أن تعكس العناد، أو التحدي، والدراسة تشير إلى أن هذا العناد قد يكون في الواقع علامة على القوة، والمثابرة من جانب الوالدين للمحافظة على استقلاليتهما، وتحقيق أهدافهما، على الرغم من أيّ عقبات أو تحديات.
بالإضافة إلى ذلك، يرتبط العناد الملحوظ بجودة العلاقات بين الوالدين والأبناء، فعلى سبيل المثال، عندما تكون العلاقات بين الوالدين والأطفال هشة منذ البداية سيصعب الوصول إلى أرضية مشتركة والاتفاق معاً، على العكس مما لو كانت العلاقات جيدة بينهم منذ الطفولة، فهي تلعب دوراً في تحديد كيفية تجنب الأبناء البالغين للنزاع معهما، أو الاستجابة لهما.
وينصح الخبراء بترك الآباء يقومون بما يرغبون فيه من أعمال، وعدم التفكير في القيام بها نيابة عنهم، وعدم حرمانهم من أداء المهام التي لا يزال بإمكانهم القيام بها، لمنع الخلاف، والمحافظة على جودة العلاقات بينهم على المدى الطويل.