يُعد التنمر المدرسي من المشاكل التي تهدد السلام النفسي للطلاب، الأمر الذي يستدعي الانتباه ومحاولة وضع الحلول التي تحدّ منه، خاصة أنه آفة تتسبب في عرقلة التحصيل الدراسي لمن يتأثر بها، بل وتحول دون قدرته على إنشاء علاقات اجتماعية سليمة مع الآخرين.
نستعرض في السطور التالية بعض الحلول التي تساعد الطالب الذي يتعرض للتنمر لاستقبال العام الدراسي الجديد، والعودة مرة أخرى للتعامل مع زملائه دون خوف أو انسحاب، وكيفية التصدي لهم:
مسعد همام، كاتب في أدب الطفل، يقول: «عادة ما يكون التنمر نمطاً سلوكياً متكرراً لإحساس بعض المتنمرين أنهم يتمتعون بشعبية بين أقرانهم أو أنهم أفضل من غيرهم، فالطفل الذي يتأخر في نطق بعض الكلمات أو يتلعثم في الكلام يكون عرضة للتنمر من بعض زملائه ويكون ردة فعله معهم ضعيفة وغير مدروسة، فإما أن يبكى أو يتشاجر معهم.
وكما تحرص الأسرة على تهيئة طفلها للانتقال الآمن من مرحلة العطلة الصيفية والراحة والاسترخاء إلى استقبال العام الدراسي الجديد وما يتضمنه من مسؤوليات..
عليها أن تعده أيضاً لكيفية التعامل مع المتنمرين في المجتمع الطلابي، وذلك باتباع عدة خطوات منها:
ما الذي يدفع الطالب لأن يتنمر على زملائه؟
سؤال يطرح نفسه وتجيب عليه الدكتورة أحلام خطاب، خبيرة تربوية وعلاقات أسرية، قائلة: «الطفل الذي يقوم بالتنمر عادة ما يسعى لتحقيق أمور عدة، منها: لفت انتباه الآخرين والرغبة بالقيادة وحب الذات والأنانية، والظهور كشخص قوي وصلب، ورغبته في إظهار القوة والسيطرة على من حوله..
بالإضافة إلى غيرته الشديدة من تفوق الآخرين مثلاً في الدراسة أو في أي نشاط آخر».
أهم الأسباب التي تؤدي لظهور مشكلة التنمّر المدرسي
أولاً: الأسرة وطريقة تربيتها الخاطئة، واهتمام الآباء في تأمين الحياة الكريمة من مأكل ومشرب وملبس، دون النظر لأهمية المتابعة المستمرة لأطفالهم منذ مرحلة الطفولة إلى المراهقة، فيخفقون في مراقبتهم وتعديل سلوكهم الخاطئ..
بجانب استخدام أسلوب العقاب الصارم، ناهيك عن الخلافات بين الأبوين ووجود عنف أسري، كل ذلك يجعل الطفل عدوانياً ومتنمّراً.
ثانياً: المناخ غير الصحي الذي يشجع على انتشار ظاهرة التنمر في بعض المدارس، نتيجة غياب دورها في تعليم الطلاب وتوجيههم وإرشادهم لأهمية احترام المعلم، واحترام حقوق الطلاب لبعضهم البعض، كل هذا يؤثر على تربية الطالب وتقويم أخلاقه بشكل إيجابي.
كما وأنّ اهتمام تلك المدارس بتعليم الطلاب المناهج الروتينية فقط، وإهمالها لتنمية مهارات الطلاب الرياضية والفنية والاجتماعية، يسهم أيضًا بشكل كبير في ظهور الكثير من الطلاب المتنمرين، وذلك لأنهم لا يجدون أي وسيلة للتنفيس عن أنفسهم وطاقتهم سوى عن طريق إلحاق الضرر بالآخرين.
ثالثاً: الثورة التكنولوجية وذلك لأنّ أغلب الأفلام المنتشرة عبر مواقع التواصل، حتى وإن كانت موجهة للأطفال فإنها تشجع على فكرة البقاء للشخص الأقوى، وبأن العنف ضروري للسيطرة على الآخرين..
ما يؤثر على نفسية الأطفال ويشجعهم على تقمص شخصيات أبطالهم ليطبقوا ما يُشاهدونه على زملائهم في المدرسة، ناهيك عن انتشار الألعاب الإلكترونية التي تتسم بالعنف والتي حفزت لوجود مثل هذه السلوكيات المرفوضة».
وعن الآثار التي يخلفها التنمر على الطالب الذي يتعرض له، توضح د. أحلام خطاب قائلة: «يعاني الطلاب الذين يتعرضون للتنمر من آثار نفسية قوية، فقد يصابون بالقلق والاكتئاب، ويشعرون بالعجز وفقدان الثقة بالنفس، وهو ما يؤدي إلى تدهور الصحة العقلية والانطواء الاجتماعي..
كما يعاني ضحايا التنمر من العزلة وصعوبة التواصل مع الآخرين، والشعور بالخوف والتردد في المشاركة بالأنشطة الاجتماعية، ما يؤثر على تطورهم الاجتماعي والعاطفي، ناهيك عن الآثار الأكاديمية التي تخلفها هذه السلوكيات، إذ يشعر ضحاياها بالتوتر والتشتت الذهني، ما يجعل تركيزهم أقل في الدراسة وفي تحصيل العلامات.
خلاصة القول على الأسرة والمدرسة التعاون من أجل وقف هذه السلوكيات المرفوضة وما يلحقها من أضرار نفسية تحطم الأبناء وتدفعهم إما للانطواء أو أخذ حقهم بالقوة وهي مشكلة كبيرة تحول المجتمع المدرسي إلى غابة البقاء فيها للأقوى».
المعتدِي والمعتدَى عليه كلاهما ضحايا وفي حاجة للعلاج
من جانبها، تضيف د.عائشة المسيعيد، استشاري نفسي سلوكي تربوي، «ارتفع العنف في بعض المدارس إلى مستويات غير مسبوقة، فيعتبر التنمر المدرسي في معظم المراحل الدراسية مشكلة مزمنة، فهو أحد أشكال العنف الذي يمارسه طفل أو مجموعة، ضد طفل آخر وإزعاجه بطريقة متعمدة ومتكررة..
وله أشكال مختلفة منها نشر الشائعات أو التهديد، أو مهاجمة الطفل المتنمّر عليه بدنيًا أو لفظيًا، أو عزله بقصد الإيذاء أو الإقصاء، أو تعريضه لحركات وأفعال أخرى قد تحدث بشكل غير ملحوظ. ولابد أن نشير إلى أن الطفولة مرحلة بناء وتأسيس شخصية الإنسان..
ويعد التنمر ظاهرة في غاية الخطورة على أجيال المستقبل ومسيرتهم في الحياة، فأثره لا يقتصر على ضحاياه وما قد يعانونه من ندبات نفسية ترافقهم طوال حياتهم، بل يشمل المتنمرين أيضًا، الذين يتبنون العنف في تعاملاتهم مع الآخرين والمجتمع إذا لم يجدوا التقويم والتوجيه في صغرهم».
غالباً ما يتم التركيز في ظاهرة التنمر على الطرف الضعيف أو المتنمر عليه، والذي يقع عليه الفعل الإكراهي المؤلم، وهو ما يؤدي إلى عواقب وخيمة على مساره الدراسي وصحته النفسية، ما يستلزم على الوالدين التدخل السريع وإحالة ابنهما إلى الاستشاريين والخبراء النفسيين والتربويين..
وتوضح د. المسيعيد «بلاشك يعاني مثل هذا الطالب مشكلة كبيرة، ولكننا إذا نظرنا إلى الظاهرة من زاوية أخرى فسنجد ضحية أخرى لا يُلتفت إليها غالباً، تتمثل في الطفل أو مجموعة الطلاب المتنمرين، الذين يتخذون صورة العنف سلوكاً ثابتاً في تعاملاتهم، إنهم ضحايا سوء التنشئة الأسرية والاجتماعية وكلا الضحيتين تحتاجان للعلاج النفسي والسلوكي..
فالمعتدِي والمعتدَى عليه عضوان أساسيان في المجتمع، وإذا أهملنا الطفل المعتدِي ولم نقوّمه تربوياً وسلوكياً سنعرض أطفالاً آخرين للوقوع في نفس المشكلة.
والحقيقة أننا قبل أن نقدّم العلاج علينا التعرف إلى الدوافع التي تؤدي للتنمر، ومنها أن أغلبهم ينتمون إلى مجتمعات تعاني مشاكل اقتصادية، كما أن تعرض الطفل للعنف الأسري يجعله يميل إلى ممارسة التنمّر على الطلبة الأضعف في المدرسة، كذلك تؤدي الحماية الزائدة للأبناء إلى ضعف شخصيتهم فيكونوا فريسة سهلة للمتنمرين.
أما ما يتعلق بالأسباب المرتبطة بالبيئة المدرسية، فنجد أن غياب الأنشطة الموازية داخل المدارس، واختزال اليوم الدراسي في الأنشطة الرسمية التي تمارس داخل الفصل دفع البعض للاتجاه إلى التنمر».
وعن خطوات العلاج، تشير الدكتورة عائشة المسيعيد إلى أهمية الاعتراف بوجود المشكلة، تليها مرحلة التشخيص وتحديد المستويات الدراسية التي تنتشر فيها هذه السلوكيات أكثر من غيرها، ومعرفة الأسباب التي تؤدي إلى انتشار التنمر المدرسي.
تعاون المدرسة وأولياء الأمور في كبح التنمر
كما تؤكد الدكتورة شيخة العري، أستاذ مساعد في تدريس اللغة العربية وأصولها، بأن «المشكلة الحقيقية تكمن في عدم فهم المتنمر لذاته وأنه شخص غير طبيعي يحتاج لإعادة تأهيل، فالإنسان السوي لا يعتدي على الآخرين، وأرى أن حل مشكلة التنمر في المدارس لابد وأن يتم حزمها بالقوانين..
فالمدرسة تقف في بعض الأحيان مكتوفة الأيدي بسبب لائحة السلوك الموضوعة والتي تحول دون التعامل بحزم مع هؤلاء الطلبة الذين يمارسون التنمر على زملائهم، كما ساعد أولياء الأمور على وجود مثل هذا السلوك لغياب دورهم في تصحيح الأخطاء ولوقوفهم في صف أبنائهم أمام المعلمين».
وتكمل الدكتورة شيخة العري: «كما يضع الآباء والأمهات حدوداً لعلاقتهم بأبنائهم ونظاماً غير تربوي يسير عليه أفراد الأسرة، فعلى المجتمع المدرسي أن ينشّط دوره وبحزم من بداية العام الدراسي وإطلاع الطلبة الجدد وتذكير القدامى بقوانين المدرسة، والتي من المفترض أن تكون كافية لحماية جميع الطلاب من التنمر وغيره من الظواهر السلبية.
وكذلك على إدارات المدارس أن تجتمع بأولياء الأمور لتعريفهم بلوائح المدرسة والقواعد الموضوعة لضبط السلوك وأخذ التعهد بأن يكونوا بجانب المدرسة في قراراتها حين تنظر في أي شكوى تصدر في حق أبنائهم، وهي نقطة مهمة حتى يدرك الآباء أن دور المدرسة التقويم والتربية وليس مجرد مكان لتلقي العلم فقط».