جاء في دراسة فرنسية حديثة أن الأطفال المولودين في شهر كانون الثاني (يناير) يتفوقون عند دخولهم المدرسة على رفاقهم المولودين في كانون الأول (ديسمبر)، إن هناك 12 شهراً تفصل ما بين الفئة الأولى والفئة الثانية، أي أن التلميذ المولود في أول العام والملتحق بالصف الأول الابتدائي يفوق في النمو زميله في الصف نفسه والمولود في آخر العام، وبهذا فإن قدرة الطفل الأول على الاستيعاب أكبر من قدرة الثاني.
قد يكون الأمر مفهوماً في المرحلة الابتدائية، لكن الخبراء لاحظوا أن الفارق في التميز يستمر في مراحل دراسية تالية، هل معنى هذا أن لبرج الولادة تأثيراً على المسيرة الدراسية؟
الجواب كلا، فليس البرج هو ما يؤثر هنا بل شهر الميلاد حسب التقويم الميلادي، هل يقع هذا الشهر في أول السنة أم في آخرها؟
تبدأ السنة الدراسية في تاريخ محدد ومعروف حسب كل بلد، يذهب إلى الصفوف أولاد وبنات مختلفون في شهور ميلادهم، ونجد في الصف الواحد فوارق في العمر تصل إلى 12 شهراً، إن المولود في أول السنة يكبر بسنة كاملة رفيقه المولود في آخرها، وهو مؤهل لتحقيق نتائج وعلامات أفضل.
شخصياً يمكن أن أتفهم المنطق العلمي الحسابي الذي استندت إليه هذه الدراسة، لكنني لا أتقبل فكرة أن مواليد أواخر العام يحصلون على علامات دراسية ضعيفة على طول الخط.
لماذا لا أتقبل؟ لأننا حسب هذا المنطق نلغي فضيلة المذاكرة والاجتهاد والذكاء الفطري أو الموروث، فالخبراء يتعاملون مع التلاميذ وكأنهم نسخٌ عقلية متطابقة ومنسوخة بالكربون.
يستبعد الخبراء أيضاً دور التربية المنزلية والتوجيه اليومي للآباء، هناك أمهات يراجعن مع الطفل واجباته المدرسية للاطمئنان على أنه استوعب الدرس، وهناك من لا تكلّف نفسها عناء إلقاء نظرة على دفاتر طفلها ومحتويات حقيبته، مع هذا أستطيع تصديق الأم التي تقول إن ابنها، أو ابنتها، أكمل مراحله الدراسية بدون أن تتدخل أو يتدخل أبوه لحثه على المذاكرة، كان الطفل يلتقط المعلومات من فم المعلم وترسخ في ذاكرته.
هذا إذا افترضنا أن المدرسة مثالية وعدد التلاميذ في الصف الواحد لا يزيد على 25 تلميذاً، عندها يمكن للمعلم أن يهتم بكل واحد منهم ويعطيه حقه من الوقت، في المقابل هناك من ينفق أموالاً على الدروس الخصوصية لأن الصفوف مكتظة بالصغار، وبالتالي لا تؤدي المدرسة واجبها التعليمي الأساسي، لأن الطفل لا يفهم شيئاً مما يقوله المعلم.
يلفت النظر في الدراسة الفرنسية مقطع يؤكد أن الأطفال الأصغر سناً في الصف يعانون من فقدان الثقة في النفس، وهم يتعرضون أكثر من غيرهم للتنمر والمضايقات والاستخفاف، إنهم «الحائط الواطي» الذي يمارس عليه الأكبر سناً سيطرتهم ويستعرضون قوتهم البدنية، وحتى هذه النقطة تحتمل المناقشة، فكم من صغير في السن كبير في تكوينه الجسماني، طويل وممتلئ ويوحي بالهيبة أكثر ممن يفوقه في السن.
الخبراء ينطلقون من ملاحظاتهم، والأمهات يتوصلن إلى قناعاتهن انطلاقاً من التجربة الشخصية، والمثل يقول: اسأل مُجرِّباً ولا تسأل حكيماً.