09 ديسمبر 2024

مناداة الصغار بالألقاب المِهنية.. تحفيز أم سلب للحقوق؟

محررة في مجلة كل الأسرة

مجلة كل الأسرة

تلعب الأمّ دوراً أساسياً في ترسيخ معظم المفاهيم والمعتقدات في أذهان أبنائها، إمّا بالمحاكاة والتقليد، وإمّا بالتوجيه المباشر، وهناك من تلجأ إلى استخدام بعض الحِيَل لتوجيههم نحو ما تراه خيراً لمستقبلهم، فتكون هي السبب الرئيسي في اختيارهم مجال دراسة دون غيره، فتبدأ منذ صغرهم بتوزيع الألقاب عليهم، ومناداة أحدهم: يا دكتور، والآخر: يا مهندس، وهكذا، في محاولة منها لترسيخ الفكرة، وبلورتها في الأذهان.

مجلة كل الأسرة

تُرى، هل هذا التوجّه في التفكير يُعد أسلوباً مثالياً في التربية التي ننشدها لأبنائنا؟ وهل هو حلم مشروع للأم، أم إجحاف بحقهم في اختيار مصيرهم؟، تجيبنا الدكتورة عائشة عبد النور الجناحي، قائدة عالمية في مجال الطفولة، ومدربّة معتمدة في الإمارات، قائلة «استخدام الألقاب المِهنية لا يُعد أسلوباً مثالياً في التربية، لأنه يفرض على الأبناء طريقة تفكير محدّدة، بدلاً من إعطائهم حرية اكتشاف شغفهم، وميولهم الحقيقية، من خلال التجارب، الحياتية والعلمية. فعلى الرغم من أن هذا الأسلوب، كما يظن البعض، قد يغرس طموحات إيجابية في نفس الطفل، وينوّر بصيرته لتوجهات أفضل، إلا أنه قد يضعه تحت ضغط غير مباشر لتحقيق توقعات ورغبات الآخرين التي قد لا تناسبه، أو تتماشى مع ميوله، ورغباته الحقيقية».

وتضيف «ما أودّ الإشارة إليه أنه عندما تنادي الأم طفلها ببعض الألقاب فهي تزرع بذوراً لمفهوم، أو طموح معيّن، وهذا بحدّ ذاته يُسهم في بناء صورة إيجابية عن هذه المِهن في ذهنه، وبالتالي، يحفزه على السعي، وبذل أقصى الجهود ليتمكن من تحقيقها، إلا أن هناك عوامل أخرى لا ينبغي تجاهلها، قد تكون مؤثرة، وبإمكانها أن تساعده على تحديد توجّهاته، مثل اهتماماته الفعلية، وقدراته الشخصية، وبيئته التعليمية والاجتماعية. وإذا لم يكن لديه اهتمام حقيقي، أو موهبة تتناسب مع هذا اللقب، قد يشعر في وقت لاحق بالضغوطات، أو الصراع الداخلي، فيقع في حيرة عارمة بين ما يرغب فيه، وما يتوقعه منه الآخرون».

مجلة كل الأسرة

وفي ما يتعلق بالنظر إلى ما تفعله الأم، وكونه حلماً مشروعاً أم إجحافاً بحق الطفل في اختيار مصيره الأكاديمي، تعلّق الدكتورة الجناحي «يمكن أن يكون للأم حلم أن ينجح طفلها في مجال معيّن، وهذا نابع من رغبتها، الصادقة والملحّة، في رؤية طفلها محققاً لنجاحات هامّة يشار إليها بالبنان، ولكن عندما يتحوّل هذا الحلم إلى فرض، أو إجبار غير مباشر نحو مسار معيّن، قد يصبح بلا شك إجحافاً بحق الطفل، لأنه لم تتوفر له الفرصة في اكتشاف شغفه الخاص الذي يمكّنه من اختيار مستقبله بنفسه».

وتواصل «الرغبة في نجاح الأبناء شعور طبيعي، ومحبّب، لكن التربية المثالية تتطلب توجيهاً مرناً وداعماً، وليس فرضاً لمسارات مبنية على رغبات وآمال شخصية، فعندما يُمنح الطفل حرية اختيار مستقبله، مع الاستفادة من دعم وتشجيع والديه، فإنه ينشأ على ثقة أعلى بنفسه، وقدرة أكبر على تحقيق النجاح، وبالتالي، يشعر بأن مسيرته حتماً تعبّر عنه، وليس عن أحلام، وتوقعات، وآمال الآخرين».

فرض التوقعات قد يكون له تأثير سلبي في الصحة النفسية للطفل

هل لفعل الأم تأثير معيّن في الصحة النفسية للطفل؟ تجيب د. عائشة الجناحي «فرض توقعات معيّنة على الأبناء، يمكن أن يكون له تأثير سلبي، وقد يؤثر بشكل كبير في الصحة النفسية للطفل، فعندما يشعر بأن نجاحه مرتبط بتحقيق حلم والديه، وليس أحلامه الحقيقية، ينشأ لديه الإحساس بالضغط، لأنه يحرص دائماً على أن تتماشى جهوده مع توقعات والديه، ما يؤدي إلى الشعور بالقلق، والخوف من الفشل، فتبدأ ثقته بنفسه تنقص تدريجياً، خصوصاً عندما لا يلبّي طموحاته».

مجلة كل الأسرة

تختم الدكتورة عائشة الجناحي حديثها موجّهة نصيحة للأمّهات «اتركي لابنك الفرصة لاختيار ما يحبه، واسمحي له بمساحة حرية يتعرف من خلالها إلى شغفه، وميوله، فلكلّ إنسان الحق في اختيار أمور حياته الشخصية، طالما كان قادراً على تحمّل مسؤولية هذا الاختيار، ولنجعل دورنا، كآباء وأمّهات، منصبّاً على التوجيه، والنصح، والإرشاد، وبكل تأكيد سوف تكون المخرجات مُرضية للطرفين».