16 ديسمبر 2024

كيف نجح الأجداد والجدّات في لمّ شمل العائلة؟

محررة متعاونة

مجلة كل الأسرة

التجمّعات الأُسرية، ولمّة العائلة، كانت دائماً مصدر بهجة، وفرحة، ومتعة، عشناها في الماضي، وكنا نحفظ تفاصيلها، ونعشق طقوسها، وننتظرها بفارغ الصبر، لأنها كانت فرصة، جيدة وذهبية، لإعادة التواصل بين الجميع.

لكن هذا الأمر لم يرِثه منّا الأبناء الذين نجد البعض منهم لا يرغبون حضور التجمّعات العائلية، ويرونها طقساً ثقيلاً على قلوبهم، حتى في الأعياد والمناسبات، ويحاولون في كل مرة أن يتهرّبوا منها بأعذار وحجج مختلفة، حتى وصل الأمر إلى أنهم يكرهون أيضاً تجمّع الأسرة، والعائلة الصغيرة على مائدة الطعام، ويفضلون تناول الوجبات خارج المنزل، أو حتى داخل غرفهم المغلقة.

سألت «كل الأسرة» عدداً من خبراء الطب النفسي والتربية وتعديل السلوك، حول أسباب هروب الأبناء من اللقاءات الأسرية، ولماذا يفضلون تناول الطعام بعيداً عن مائدة الأسرة، وكيف نجح الأجداد والجدّات في لمّ شمل الأسرة، ولماذا أخفقنا، وهل محاولات البعض لاستعادة الدفء الأسري على خطى الماضي ستنجح في إصلاح مشاكلنا، الأسرية والنفسية، ومعالجة مشاعر العزلة، والإحباط، والرغبة في الانعزال التي يعيشها؟

مجلة كل الأسرة

أهمية اجتماع العائلة حول مائدة الطعام

بداية، تؤكد الدكتورة ماجدة المنشاوي، الاستشارية النفسية والزوجية والمدرّبة الدولية المعتمدة في مصر، أن الأسرة السويّة الناجحة هي التي تحرص دوماً على تجمّع كل أفراد الأسرة على مائدة الطعام، وتحدّد مواعيد ثابتة لتناول الوجبات الثلاث، بخاصة وجبة الغداء الرئيسية في منتصف اليوم، لتناسب مواعيد جميع أفراد الأسرة، وتقول «لذا يجب على الأسر ألّا تهمل هذا الأمر، وتستهتر به، لأن التفاف أفراد الأسرة حول مائدة الطعام أمر أساسي، وضروري للمّ الشمل من جديد. كما أن أفراد الأسر التي تتمسك بهذه العادة، ويجتمعون لتناول الطعام مرة واحدة، على الأقل، في اليوم، هم أكثر سعادة من أولئك الذين يأكلون بشكل منفصل، فالأكل على مائدة واحدة لا يعني المشاركة في الطعام فقط، وإنما تقوية الروابط الأسرية أيضاً».

وتضيف «ونحن إذا سألنا أنفسنا: ماذا نتذكر من الماضي؟ لكان الجواب: شهر رمضان عندما كان يتجمع الجميع، بلا استثناء، حول مائدة واحدة: الجد، والجدّة، والأب، والأم، والإخوة، والأخوات، والأبناء، وقد تركت هذه الجلسة ذكرى جميلة وطبعت صوراً في الأذهان لا تمحى من الذاكرة أبداً، فهي المناسبة السنوية التي اعتادت أن تجمع الأفراد حول مائدة واحدة».

مجلة كل الأسرة

شروط نجاح تجمّع العائلة على مائدة الطعام

وتحدّد د. ماجدة المنشاوي مجموعة من الشروط لنجاح مائدة الطعام في التقريب بين أفراد الأسرة:

1- الحرص على التجمّع على مائدة الطعام، على الأقل مرة واحدة، يومياً، أو على الأقل في يوم الإجازة الأسبوعية، ولا استثناءات في ذلك، والأفضل أن يتشارك الجميع في إعداد المائدة.

2- الحرص على اصطحاب الأبناء في التجمّعات العائلية، وعدم تركهم بمفردهم في المنزل، أيّاً كانت الأعذار، وتدريبهم على قواعد إتيكيت تناول الطعام مع الأقارب، والتعامل معهم بشكل لائق، حتى لا تحدث منغصات أثناء جلسات العائلة.

3- مائدة الطعام، والتجمّعات العائلية ليست وقتاً مناسباً، أبداً، لمناقشة الأمور الخلافية، والمشكلات المتراكمة، ولكنها الوقت المناسب لمشاركة الذكريات الجميلة، وتبادل الأحاديث اللطيفة مع الأبناء.

4. يجب عدم تصيّد الأخطاء للأبناء، ومحاسبتهم، وتوبيخهم، أثناء تناول الطعام، لأن ذلك يترك لديهم ذكريات سيئة جداً عن لمّة المائدة. فلا يجوز المشاجرة أثناء الطعام، أو حتى الحديث بصوت عال، ولابدّ أن يكون تجمّع الأسرة حول المائدة وقتاً سعيداً، ومبهجاً، بعيداً عن المحاسبة، والعتاب، والنقد.

5. يجب أن يتوقف الآباء والأمهات، فوراً، عن مقارنة أولادهم ببعضهم بعضاً أثناء الجلسات العائلية، وكذلك عدم مقارنتهم بأبناء الأقارب، لأن ذلك يثير ضغينة الأبناء، ويجعل لقاء العائلة ذكرى سيئة لديهم، لا يريدون تكراره.

مجلة كل الأسرة

لماذا ينجح الأجداد والجدّات في لمّ الشمل؟

من جانبه، يجيب الدكتور عبد العزيز آدم، استشاري العلوم السلوكية والنفسية وعضو الاتحاد العالمي للصحة النفسية في القاهرة، عن تساؤل الكثيرين عن سبب نجاح الأجداد والجدّات في لمّ شمل العائلة، وترك ذكرياتها في نفوس الصغار والكبار، أكثر من الآباء والأمّهات في وقتنا الحاضر «دور الأجداد والجدّات في تربية الأحفاد أمر مهم، وضروري لصحتهم النفسية، ويكسبهم الكثير من الخبرات، وهذا الدور لا يتعارض، أبداً، مع دور الأب والأم في التربية، ويجب أن يتقبّلا تدخلات الأجداد والجدّات بصدر رحب، ويباركون الأمر ويستحسنونه».

ويعدّد د. عبد العزيز آدم أسباب نجاح الأجداد والجدّات في لمّ الشمل في نقاط عدّة، أهمها:

1- الأجداد يكون لهم تأثير طاغٍ في الأحفاد، يمكنهم من كسب ودّهم بشكل أفضل من الآباء، والأمّهات، لأنهم يوصلون النصيحة إلى الأحفاد بطريقة سلسة، وغير مصحوبة بتوبيخ، أو لوم، أو عقاب، على عكس الأب والأم، وبالتالي يقبل الطفل النصيحة من الأجداد، ويرفضها من والديه.

2- الطفل يجد تدليلاً، وعطفاً زائداً من الأجداد لا يجد مثيله من الوالدين، وقد يكون هذا خطأ في بعض الأحيان، لكن لابد للآباء والأمّهات أن ينتبهوا إلى الطريقة التي يعاملون بها أولادهم، ويحاولوا، جاهدين، كسب ودّهم، كي يكون هناك توازن.

3- الأجداد والجدّات بالنسبة إلى الحفيد، أيّاً كانت سنّه، مصدر للعديد من الأمور التي قد لا يستطيع الأبوان تقديمها، لأنهم يوفرون لهم الأمان العاطفي، بما يحمله من حب، وثقة ودعم غير مشروطَين.

4. الجد والجدّة ينقلان خبراتهما للأحفاد بطريقة مشوقة لمساعدتهم على مواجهة الحياة بشكل أفضل.

5- غالباً ما يكون الأجداد أكثر حناناً واستيعاباً من الآباء والأمّهات، عند التعامل مع الأحفاد، لاتّساع خبراتهم، وتعرّضهم للكثير من متاعب الحياة في الماضي، فتنشأ بينهم وبين أحفادهم علاقة متينة، عنوانها الثقة، ويميل الأطفال إلى مشاركتهم في تفاصيلهم الصغيرة.

مجلة كل الأسرة

نصائح وإرشادات تربوية لاستعادة التجمعات الأسرية

أما الدكتورة نرمين البحيري، الخبيرة في شؤون الأسرة والعلاقات الزوجية في القاهرة، فتقدم مجموعة من النصائح والإرشادات تساعد الأبوين على استعادة الدفء الأسري:

أهمية الخصوصية: غرس قيمة الخصوصية في نفوس الأبناء منذ الصغر، وإبعادهم عن العالم الافتراضي الذي يعيشون فيه ليل نهار، حتى في وقت التجمعات الأسرية، وتذكيرهم بمعنى الخصوصية، وأهمية أن تكون حياتنا الشخصية ليست على مرأى ومسمع من الآخرين، بخاصة أن الأجيال الجديدة أدركت معنى الحياة بعد انتشار مواقع التواصل الاجتماعي، وبالتالي، لم يدركوا معنى الخصوصية بشكل صحيح، ولا يرون أيّ غضاضة في مشاركة جميع أوقاتهم، وكل تفاصيل حياتهم على الـ«سوشيال ميديا»، وكل ما كنا نراه مقدساً وحميميّاً، ويجب أن يكون من الخصوصيات، يرونه هم أمراً يستحق أن ينشر على الملأ.

مشاهدة التلفاز معاً: يُعد فرصة جيدة لتجمع أفراد الأسرة وتبادل الحديث، فلنستفد من هذه الفرصة عند مشاهدة البرامج الدينية، والاجتماعية.

خلق ذكريات مشتركة: الإجازات والعطل الأسبوعية فرصة جيدة، للأسرة وللأبوين، للمّ الشمل، وإضفاء الجو الأسري لتكوين ذكريات سعيدة مشتركة مع الأبناء.

احترام الأبناء: يجب أن نحرص على ألا نشتكي أولادنا أمام الآخرين، حتى ولو كانوا أقرب الأقارب، فلا نوجّههم أمام الآخرين، ولا نوبّخهم، أو نقلل من شأنهم، أو نكشف أسرارهم أمام الآخرين.

التنسيق مع الجد والجدّة: الطفل الحائر في التربية بين الأجداد والآباء من الممكن أن يتحوّل إلى شخصية غير ناضجة، لأنه يتلقى الأوامر من جهات عدة، ومتناقضة، لذا يجب التنسيق بين الجميع لمصلحة الطفل، وحمايته من أي اضطرابات نفسية قد يسببها التعامل مع الجميع، في وقت واحد.

مراعاة تفضيلات الأبناء: من الأفضل مراعاة مشاعر الأبناء، وتقبّل ميولهم، والأخذ بآرائهم في نوعية الطعام الذين يشتهونه، وعدم الاستهانة بآرائهم في أماكن الخروج، ونوعية الطعام، وحتى نوعية البرامج والأفلام التي يفضلونها في السهرات العائلية.

توصيل النصائح بطريقة صحيحة: الأبناء في مرحلة المراهقة لا يتقبلون النصائح بشكل سلس، ويشعرون بأنهم يستطيعون تقدير ما هو صواب، وما هو خطأ، من دون الحاجة إلى المساعدة، لذا يجب إعطاؤهم النصائح بشكل مختلف، وغير إلزامي، ومنحهم القليل من الحرية في بعض الأمور.

التعامل بلباقة: ما المانع في أن يدرّب الأبوان نفسيهما على التعامل مع الأولاد، حتى لو كانوا أطفالاً، ويتدرّبان على التحدث معهم بلباقة، وكأنهم غرباء فيشعرون وهم يتحدثون معهم بالألفة وعدم التعالي، حتى يقبلوا على الإنصات لهم.

الشحن العاطفي: الابتسامة في وجه الأبناء خلال الجلسات الأسرية، والحرص على احتضانهم، وتقبيلهم مهم للغاية، فمهما كانت سنهم وخبراتهم فهم لا يزالون في حاجة إلى الأحضان، والقبل، وكلمات الحب، والتشجيع.

مشاركة الأبناء: مشاركة الأبناء في الأجواء الاحتفالية الخاصة بالأسرة تنعكس على أدائهم الدراسي، وسلوكهم مع الآخرين مستقبلاً.

اقرأ أيضاً: كيف نستعيد لمّة العائلة بعد أن فرّقتها الأجهزة الإلكترونية؟