التأثيرات النفسية لـ'السوشيال ميديا' على المراهقين.. من الإدمان إلى الاكتئاب الرقمي
تُعد التأثيرات النفسية لوسائل التواصل الاجتماعي في المراهقين من القضايا الحيوية في مجال الصحة النفسية، اليوم، خصوصاً أن المراهقين يمثلون الفئة الأكثر تأثراً من الناحية الطبية، العصبية والنفسية، لكون الدماغ لا يزال في مرحلة النمو والتطور في هذا العمر.
وفي عصرنا، باتت الـ«سوشيال ميديا» جزءاً لا يتجزأ من يوميات المراهقين، والمراهقات، حيث يقضون ساعات طويلة في التفاعل مع منصّاتها المتنوعة، ما يسبّب اضطرابات نفسية عميقة، سواء على صعيد الإدمان الرقمي، أو فقدان الثقة بالنفس، أو من خلال المقارنات القائمة، وزيادة القلق والتوتر، والإصابة بالاكتئاب.
«كل الأسرة» رصدت مع الدكتورة سهيلة غلوم، بروفيسور واستشاري أول في الطب النفسي، مخاطر وسائل التواصل الاجتماعي، وتداعياتها النفسية على المراهقين، وعلاقاتهم مع الأسرة ومع المحيط لكونهم «أكثر عرضة للتأثر، بالسلب أو الإيجاب، بالمحفزات التي تفرزها هذه المنصات»، من دون أن تغفل إمكانية أن تكون هذه الوسائل «أداة إيجابية عند استخدامها باعتدال ووعي، إذ تتيح للمراهقين فرصاً للتواصل والتعلم، وتعزيز مهاراتهم الاجتماعية».
توضح د. سهيلة غلوم «تؤثر وسائل التواصل الاجتماعي بشكل مباشر في المراهقين، وتتعرّض هذه الفئة تحديداً لتأثيرات نفسية وعصبية ملموسة، لأن أدمغتهم ما زالت في طور النمو، وبالتالي، هم الفئة الأكثر تأثراً بالجانب السلبي للتواصل الاجتماعي، بخاصة أن الأمراض النفسية، كالاكتئاب والقلق، غالباً ما تظهر في هذه المرحلة العمرية».
أبرز السلبيات النفسية لمواقع التواصل على المراهقين
ومن هذا المنطلق، تتوقف عند أبرز سلبيات استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بشكل مكثف عند المراهقين والمراهقات، وهي التأثيرات النفسية، وأهمها:
- زيادة القلق والاكتئاب: وفقاً لدراسات منظمة الصحة العالمية، فإن الأطفال والمراهقين الذين يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي لمدة ثلاث ساعات، أو أكثر، يومياً، هم أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب، حيث تُظهر الدراسات أن الاستخدام المفرط لوسائل التواصل يؤثر بشكل مباشر في مستويات السعادة، ويزيد من الشعور بالعزلة، والوحدة.
- التنمّر الإلكتروني : يُعد التنمّر الإلكتروني من التأثيرات الضارة المباشرة التي قد تواجه المراهقين على وسائل التواصل الاجتماعي، وقد يؤدي هذا النوع من التنمّر إلى مشاعر قوية من الإحباط، وانعدام القيمة، ما يزيد من وتيرة القلق، واضطرابات المزاج.
- تشويه الصورة الذاتية: غالباً ما يقارن المراهقون أنفسهم بالآخرين الذين يرونهم على وسائل التواصل الاجتماعي، ما يقلل ثقتهم بأنفسهم، ويولّد داخلهم مشاعر من النقص، وعدم الرضا عن شكل الجسد، أو أسلوب الحياة.
- اضطراب النوم: الدراسات تشير إلى أن المراهقين الذين يقضون أوقاتاً طويلة على الشاشات يعانون مشاكل في النوم، إذ تؤثر الإضاءة الزرقاء من الشاشات في إفراز هرمون الميلاتونين المسؤول عن النوم، وهذا بدوره يؤثر في الصحة العقلية والتركيز خلال النهار.
- الارتباط الزائد أو الإدمان: وسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن تتحول إلى مصدر إدمان، حيث يشعر المراهقون بالحاجة المتكررة إلى التحقق من حساباتهم، ما يؤثر في أدائهم الدراسي، ونشاطهم الاجتماعي.
وتوجد دلائل طبية تؤكد تأثير وسائل التواصل الاجتماعي في الصحة النفسية للمراهقين، منها ما ذكرته منظمة الصحة العالمية، حيث تبيّن أن الأطفال الذين يستخدمون وسائل التواصل لأكثر من ثلاث ساعات يومياً، يصبحون أكثر عرضة للاكتئاب، وفي بعض الحالات، قد تؤدي إلى نوع من «الإدمان» لدى المراهقين؛ فكلما استخدموها أكثر زاد انجذابهم إليها، بفعل الخوارزميات التي تعمل على إبقائهم متصلين لأطول وقت ممكن. ونتيجة لذلك، تبدأ عزلة المراهقين عن عائلاتهم وعن محيطهم.
وسائل التواصل الاجتماعي تؤثر بشكل أكبر في الفتيات، لأنها تزرع في أذهانهن صوراً ومعايير جمال غير واقعية
وفي هذا السياق، تعقّب استشارية الطب النفسي «عندما تتم متابعة المجموعة نفسها من الأطفال بعد مرور عام، نجد أن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي يزيد من احتمالات التدهور النفسي لديهم، لكون المراهقين يقضون ساعات طويلة على وسائل التواصل الاجتماعي، على حساب الأنشطة الأخرى التي يجب أن تُسهم في نموهم السليم، مثل الدراسة، الرياضة، والتواصل مع العائلة. ومن المفترض أن يكون هناك توازن بين الوقت الذي يُقضى على وسائل التواصل الاجتماعي والأنشطة الأخرى التي تسهم في بناء شخصية المراهقين».
ولا تقتصر السلبيات على الاضطرابات النفسية المباشرة فقط، بل قد تشمل ظواهر أخرى أيضاً، مثل «التنمّر الإلكتروني»، حيث يُعتبر التنمّر عبر الإنترنت من المشاكل المباشرة التي قد تؤدي إلى آثار نفسية عميقة في المراهقين.
علامات يجب على الأهل الانتباه لها
تظهر بعض الأعراض جلية لدى المراهقين، وتتبدى المؤشرات سلبية، حيث يلحظ الآباء الوضع، ويحاولون إيجاد الحلول.
تتوقف د. سهيلة عند دلائل وعلامات لا بد للأهل من التنبّه لها، لتفادي التأثيرات السلبية لوسائل التواصل الاجتماعي في أبنائهم، فقد يكون ذلك دليلاً على وجود مشكلة:
- يُلاحظ الأهل أن المراهق أصبح يميل إلى العزلة.
- يُفضّل تناول وجباته بمفرده في غرفته بدلاً من الجلوس مع العائلة.
- يتجنب الأنشطة الجماعية التي تجمع الأسرة.
- قد يبدأ بالتهرب من المناسبات العائلية الأساسية، مثل الأعياد والزيارات العائلية، مفضلاً البقاء على الإنترنت، أو ممارسة الألعاب الإلكترونية.
كما أنّ أحد المؤشرات المهمة التي يجب على الأهل مراقبتها في أبنائهم المراهقين هو «أداؤهم الأكاديمي»، كما تؤكد د. سهيلة غلوم «من المهم جداً أن ينتبه الأهل إلى أداء أبنائهم في المدرسة، لأن هذا يعّد إنذاراً مبكراً للمشكلة، وتراجع الأداء الأكاديمي قد يكون أول علامة، أو دليلاً على تأثير وسائل التواصل الاجتماعي أو الألعاب الإلكترونية في المراهق».
بيد أنّ التعامل مع معظم هذه الحالات لا يتطلب استشارة نفسية في البداية، بل «يكفي أن يتواصل الأهل مع أبنائهم، ويشرحوا لهم بطريقة مقنعة التأثيرات السلبية للإدمان على وسائل التواصل الاجتماعي، أو الألعاب، إذ مجرد الحديث والتوجيه قد يكون كافياً في بعض الأحيان، بحيث ينتبه المراهق إلى المشكلة قبل أن تتفاقم».
ولكن ثمة حالات تحتاج إلى استشارة نفسية، أو حتى طبية. تشرح د. سهيلة الاضطرابات النفسية التي قد يعانيها المراهقون في حال وصولهم إلى مرحلة الإدمان «الاكتئاب هو أحد أبرز الاضطرابات التي قد تظهر، إلى جانب الإدمان نفسه، وهو، في هذه الحالة، لا يختلف كثيراً عن مفهوم الإدمان التقليدي كالمخدرات، حيث نجد أن المراهق يشعر بحاجته المتزايدة لقضاء وقت أطول على الألعاب الإلكترونية. والمثال، إذا كان يقضي ساعتين يومياً في البداية، فإن ذلك قد لا يكفي لاحقاً، فيبدأ بالبحث عن المزيد من الوقت للعب، ما يؤدي إلى إهمال الأنشطة الأخرى، وحتى المسؤوليات الأساسية، ويعاني المراهق أعراضاً تتضمن العصبية الزائدة، التوتر، الصراخ، قلّة النوم، فقدان الشهية، وحتى إهمال النظافة الشخصية».
وتلفت إلى نقطة هامة وهي «تأثير الثقافات التي تُصدّرها وسائل التواصل الاجتماعي، بخاصة ما يُعرف بـ«ثقافة الإلغاء»، و«معايير الجمال»، في الفتيات»، حيث تقول «وسائل التواصل الاجتماعي تؤثر بشكل أكبر في الفتيات، لأنها تزرع في أذهانهن صوراً، ومعايير جمال غير واقعية، تعتمد على فلاتر، وتعديلات الصور باستخدام الفوتوشوب، والمقارنات المستمرة تؤدي إلى إحساس الفتاة بعدم الرضا عن نفسها، ما يُحدث مشاكل نفسية خطرة، مثل تدنّي الثقة بالنفس، والقلق».
وعند سؤالها عن أصعب الحالات التي تعاملت معها، تذكر د. سهيلة غلوم حالة مراهق يبلغ من العمر 17 عاماً، كان يقضي أكثر من 10 ساعات يومياً على الألعاب الإلكترونية، بل وصل الأمر به إلى قضاء 14 ساعة يومياً «هذا الشاب توقف عن الذهاب إلى المدرسة، وبدأ ينسحب من الحياة اليومية بشكل كامل، وكانت حالته صعبة جداً، فقد كانت حياته تتمحور بالكامل حول الألعاب، وكان يدخل في نوبات من العصبية الشديدة عندما يحاول والداه منعه من اللعب، ويقوم بتحطيم أشياء في المنزل، حيث أصبح متشبثاً بالعالم الافتراضي، ورافضاً للاندماج في الحياة الحقيقية، ما جعل العلاج تحدياً كبيراً للأهل، وللأخصائيين المعالجين».
تشرح الدكتورة سهيلة غلوم أن علاج الإدمان على وسائل التواصل الاجتماعي، أو الألعاب الإلكترونية، قد يستغرق وقتاً طويلاً، ويعتمد على شدة الحالة، ومدى تأثر المراهق «عملية العلاج تتطلب بناء خطة متكاملة تتضمن تدخلات نفسية، وأحياناً تعديل نمط الحياة، وقد تكون هناك حاجة إلى جلسات علاجية متكررة للتغلب على هذا النوع من الإدمان».
دور الأهل محوري في التصدي لهذه التأثيرات، توضح د.سهيلة: «الحوار الأسري المستمر هو الحل الأمثل للوقاية من هذه التأثيرات السلبية، والوقاية خير من العلاج. فإذا أسّسنا علاقة صحية ومتينة مع أبنائنا منذ الطفولة، وعزّزنا الثقة بأنفسهم، ستكون لديهم القدرة على مقاومة هذه الثقافات السلبية. ولذلك من الضروري أن يتواجد الأهل في حياة أبنائهم بشكل فعّال، وأن يكونوا قدوة لهم في مواجهة معايير الجمال غير الواقعية، والتركيز على القيم الحقيقية، بعيداً عن المقارنات السطحية».
نصائح مهمة للأهل لإنقاذ أبنائهم من تأثيرات الـ«سوشيال ميديا»
تبيّن د. سهيلة غلوم الخطوات الواجب اتخاذها من الأهل لحماية أبنائهم من التأثيرات السلبية لمواقع التواصل الاجتماعي:
- تقبّل الأبناء لذواتهم كما هم، بغض النظر عن شكلهم، نوع شعرهم، أو لون بشرتهم، هو أساس بناء شخصية قوية ومتصالحة.
- نغرس لدى أبنائنا تقديراً ذاتياً قائماً على العقل والأداء وليس المظهر الخارجي، لكون الثقة بقدراتهم الفكرية والإبداعية تعزز لديهم قوة داخلية تقيهم الوقوع في فخ المقارنات السطحية.
- الدعم العاطفي والاعتراف بإنجازات الأبناء يلعبان دوراً كبيراً: للأسف، في مجتمعاتنا العربية، نحن أحياناً نكون «بخلاء» في تقديم الدعم الإيجابي لأبنائنا، ونتسرّع بالنقد والمقارنة، ونردّد للطفل «انظر إلى أبناء عمك»، أو «شاهد كيف يتفوّق أقرانك»، من دون أن ندرك تأثير هذه العبارات فيهم.
- التحلي بالصبر وتقديم كلمات التشجيع بشكل مستمر: التشجيع المتواصل هو الوسيلة الأهم لزرع الثقة في نفوس الأبناء وتعزيز إحساسهم بالقيمة الذاتية.
- إعادة «التواصل الاجتماعي» بشكل حقيقي وحي، وجهاً لوجه، عنصر ضروري لتطوير العلاقات الاجتماعية السليمة، سواء بين الأهل والأبناء، أو مع المحيط.