30 ديسمبر 2024

7 تحدّيات في طريق الحفاظ على التراث في المجتمعات وتعزيز أهميته

محررة في مجلة كل الأسرة

مجلة كل الأسرة

يُعد التراث جزءاً أساسياً من الهوية الوطنية، وركيزة التلاحم والتضامن بين أبناء الوطن الواحد، إلا أن هناك كثيراً من التحدّيات التي تواجهها بعض المجتمعات، بسبب التقليل من أهميته، وهو ما فطنت إليه بعض مؤسسات الدولة في سعيها نحو الربط دوماً بين الماضي، والحاضر، والمستقبل، ونجحت في تحقيق إنجازات على هذا الصعيد.

من هذا المنطلق، نظم معهد الشارقة للتراث محاضرة بعنوان «أهمية الحفاظ على التراث الثقافي وتأثيره في الهوية الوطنية»، قدمها الدكتور سعيد عبيد بالليث الطنيجي، مستشار أسري وتربوي ومستشار تنمية بشرية وإدارة، نائب رئيس الاتحاد الدولي للجامعات عن الإمارات.

بدأ الدكتور الطنيجي حديثه بالقول «التراث أحد المجالات المهمة التي يجب أن ُيعنى به، لكونه وسيلة فعّالة لحفظ الذاكرة الجماعية، تلك التجارب والمواقف والقيم التي يشترك فيها أفراد المجتمع، وتشكل ماضيهم. فالتراث يأتي ليحافظ على هذه الذاكرة من خلال ممارسات، مادية ومعنوية، كالفنون الشعبية، والحِرف اليدوية، والقصص المتناقلة، والمناسبات التقليدية، فمن خلال التراث يتم تذكير الأفراد بتجارب أجدادهم، وثقافتهم السابقة، ما يعزز الشعور بالتواصل مع الماضي، ويدعم الفهم العميق للهوية الوطنية، كما أنه يعمل كجسر يربط الأجيال، ويؤكد القيم المشتركة والتجارب التاريخية التي تظل حية في ذاكرة المجتمع، ما يسهم في بناء شعور قوي بالانتماء والهوية».

مجلة كل الأسرة

7 تحديات أمام الحفاظ على التراث في المجتمعات

هناك 7 تحديات تعوق الحفاظ على التراث وتعزيز أهميته بين الأجيال المتعاقبة، يوضحها د. سعيد الطنيجي:

- العولمة: تتسبب الحداثة وانتشار التكنولوجيا والتأثيرات الثقافية العالمية بجعل العادات والتقاليد القديمة أقل جاذبية للأجيال الجديدة.
- الدعم: يتطلب الحفاظ على التراث، الثقافي والمادي، دعماً مالياً، لترميم المباني التاريخية، ودعم الفنون التقليدية، وصيانة المواقع الأثرية بشكل دوري.
- التدابير: تؤثر التغيرات البيئية والمناخية والكوارث الطبيعية في المواقع الأثرية والتراث المادي، ما يؤدي إلى تدهورها، أو تدميرها، إذا لم تتخذ التدابير الوقائية الكافية.
- النزوح: تلعب الهجرة والنزوح القسري دوراً  في فقدان التراث المعنوي، مثل العادات، والقصص، والموسيقى، حيث يفقد الأفراد ارتباطهم بجذورهم الثقافية.
- التقدير: ضعف الوعي الثقافي، وعدم تقدير قيمته في بعض المجتمعات، قد يؤدّيان إلى إهماله، أو التعامل معه كعنصر ثانوي.
- التقادم: يؤدي الزوال الطبيعي لبعض العناصر التراثية، مثل اللغة أو الفنون الشعبية، إلى تلاشيها بمرور الزمن مع فقدان المهتمين بها، أو عدم توارثها بين الأجيال.
- التحدّيات القانونية: تفتقر بعض الدول إلى قوانين صارمة لحماية التراث، ما يعرّضه للانتهاكات، أو التطوير غير المستدام.

لابدّ من تشجيع الأجيال الجديدة على تعّلم وتقدير تراثها الثقافي

كيف يمكن مواجهة التحدّيات؟

يبيّن د. سعيد الطنيجي مجموعة من الخطوات التي يمكن من خلالها مواجهة التحدّيات أمام الحفاظ على موروثنا القديم، وهي خطوات نجحت حكومتنا الرشيدة في تطبيقها واعتمادها لحماية تراثنا:

- تعزيز التوعية بأهمية التراث.
- تقديم الدعم المالي اللازم.
- وضع سياسات وقوانين واضحة لحمايته من خلال سن التشريعات التي تهدف إلى حماية التراث، الثقافي والمادي، من التعدّيات والتخريب.
- تشجيع الأجيال الجديدة على تعلّم وتقدير تراثها الثقافي.
- سعي الحكومات إلى التعاون مع المنظمات الدولية، مثل «اليونيسكو»، للحصول على الدعم الفني والمادي، لحماية التراث، ورفع مستوى الوعي العالمي بأهميته.
- التوثيق وحفظ المعلومات والصور والقصص ما يضمن بقاء التراث محفوظاً للأجيال القادمة.

مجلة كل الأسرة

دور المجتمع في الحفاظ على التراث

ثمة دور مهم يقع على عاتق المجتمع في الحفاظ على التراث، وبالتالي تعزيز الانتماء للهوية الوطنية.. هذا ما يحدّده د. سعيد الطنيجي بالإرشادات التالية:

- وجب على الآباء والأمهات نقل العادات والتقاليد، مثل الحرف اليدوية، والفنون الشعبية، واللغة، إلى الجيل الحالي، من خلال المشاركة في الفعاليات والاحتفالات الثقافية المحلية، لتعزيز الارتباط بالتراث، وإحيائه.
- كما يجب حث الشباب على التطوع في مشاريع ترميم وحماية التراث المحلي، ما يعزز من روح التعاون والمسؤولية تجاه الموروث الشعبي.
- إدراجه ضمن مناهج التعليم ما يرسخ القيم التراثية، ويزيد الوعي بين الأجيال الشابة.
- تنظيم الأنشطة المدرسية والجامعية، كالمعارض، والمهرجانات الثقافية، ومشاركة الطلاب في المشاريع البحثية حول التراث المحلي، لمنحهم الفرصة للتعرف إلى التراث، وتقديم أفكار للحفاظ عليه، على أن يكون ذلك باستخدام التكنولوجيا الحديثة في التوعية، لكونها الأقرب إلى الشباب.
- تسليط الضوء على أهمية التراث في وسائل الإعلام، وإنشاء قواعد بيانات تضم معلومات عن المواقع الأثرية والتراث، المادي والمعنوي، لتسهيل الوصول إليها، وتعزيز تبادل المعرفة.
- ولا نغفل دور الواقع الافتراضي والمعزز لإنشاء تجارب تفاعلية للزوار، فالتكنولوجيا لها بريق السحر في إحياء التراث الشعبي».

عندما يتعرّف الأفراد إلى تراثهم يزيد ارتباطهم وشعورهم بالفخر بالانتماء إليه

منذ البدايات، التفتت القيادة الرشيدة إلى أهمية الحفاظ على التراث، وتنبأت بالمخاطر التي يمكن أن تحدث في حال إهماله، أو اندثاره، وفي هذا الصدد يوضح الدكتور الطنيجي «هناك مقولة للمغفور له، بإذن الله تعالى، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، وهي «من ليس له ماض ليس له حاضر ولا مستقبل»، ومن وصاياه أيضاً «لابد من الحفاظ على تراثنا، لأنه الأصل والجذور، وعلينا أن نتمسك بأصولنا وجذورنا العميقة». ومن هذا المنطلق، تحرص حكومتنا الرشيدة على ترسيخ هذا المبدأ، لما يمثله التراث كجزء أساسي من الهوية الوطنية، فعندما يتعرف الأفراد إلى تراثهم وثقافتهم، يزيد ارتباطهم ببلدهم، وشعورهم بالفخر بالانتماء، ويعزز الإحساس بالهوية المشتركة بين أفراد المجتمع، ما يخلق شعوراً بالتلاحم والتضامن، ويساعد في الحفاظ على القيم والتقاليد الوطنية».

مجلة كل الأسرة

ويضيف «لا ننسى دور التراث في تعريف الشباب بتاريخهم، فالنماذج التي يقدمها من الشخصيات والأحداث تبني لدى أبناء الجيل روح الوطنية والانتماء، وتعزز الفخر بالإنجازات التاريخية التي حققها الأجداد، فإدراك تلك النقطة يلهم الأفراد لمواصلة العمل على تقدم مجتمعهم. ويسهم الحفاظ على الموروث في ترسيخ الشعور بالمسؤولية تجاهه، وخشية اندثاره، ما يجعل الجميع مساهمين فاعلين في نقله للأجيال المقبلة. كما يلعب التراث دوراً في توحيد أبناء الوطن، عندما يجتمعون في المناسبات الوطنية، والمهرجانات التراثية، كل ذلك يقوّي العلاقات بين أفراد المجتمع».

ويؤكد الدكتور الطنيجي «من خلال الانتماء إلى التراث يتمكن الأفراد من الاستلهام من تاريخهم لإبداع أشكال جديدة من الفنون، والابتكارات الثقافية، التي تعكس روح الأصالة بلمسة معاصرة، كما أن التراث مصدر إلهام للإبداع في مجالات مثل التصميم، والأزياء، والعمارة، ما يؤدي إلى تطور ثقافي مستدام، وصولاً إلى الخمسين عاما المقبلة».