كيف نفتح النوافذ ونترك الضوء يدخل حياتنا؟ هذا السؤال بتعبير تقليدي هو: كيف نكون إيجابيين وكيف نجعل من أسرنا وأطفالنا سعداء أيضاً؟
الطريق إلى السعادة ليس أمراً سهلاً، بل يتطلب من الأسر الاهتمام بالصحة النفسية لأفرادها، وبالأخص إيلاء الأم والأب الرعاية الكافية لصحتهما النفسية، وتعزيز التواصل الإيجابي والبناء بين أفراد الأسرة، والأهم «الامتنان وتقدير النعم حولنا وعدم المقارنة».
بعض القواعد يزودنا بها الدكتور خالد المنيف، الذي يلقّب بـ«ناشر الإيجابية وثقافة الفرح»، حيث يصّر دوماً على دعوته للإيجابية بقوله «افتح النافذة ثمة ضوء». الدكتور المنيف، كاتب ومؤلف سعودي وله كتب في علم النفس وتطوير الذات، يحاول «صناعة الفرق» ويحثّنا على الخوض في رحلات مع ذواتنا وتغيير مساراتنا السلبية إلى إيجابية في زمن تتوافر فيه كل مقومات الرفاهية وتتضاءل معدلات السعادة.
يعترف د. المنيف: «بالفعل، نعيش في عصر رفاهية غير مسبوقة، ولكن المفارقة أن العديد من الدراسات تظهر تراجعاً في معدلات السعادة. أصبحت معايير الأفراد مرتفعة في كل المجالات، وما كان يسعدهم سابقاً، مثل تناول وجبة مميزة في مطعم، لم يعد يرضيهم اليوم، وباتت المتطلبات أكثر تعقيداً، كالسفر وغيره من متطلبات».
وبالتالي، في ظل هذا الواقع، الصحة النفسية باتت ضرورة، وهي لا تعني، وفق د. المنيف، خلو الشخص من الاضطرابات النفسية مثل القلق، بل «تشير إلى تمتع الشخص بلياقة نفسية عالية تمكّنه من الاستمتاع بالحياة والعطاء والإنتاجية ومواجهة التحديات، ما يشكل بنية أساسية لنجاح الإنسان في حياته».
في المقام الأول ولبناء شخص إيجابي وسعيد، تلعب الأسرة الدور الأكبر في تشكيل الصحة النفسية للأبناء، يوضح د. المنيف: «الطفل يتأثر بشكل مباشر بنمذجة سلوكية من والديه؛ فهو يرى أباه وأمه أشخاصاً مثاليين، ويعتبر تصرفاتهما وسلوكياتهما هي الصواب. لذلك، عندما يكون الأب والأم مستقرين نفسياً، فإن هذا ينعكس بشكل إيجابي على الاستقرار النفسي للأطفال. ومن هنا، يمكن القول بأن الصحة النفسية تنتقل عبر ما نسميه النمذجة السلوكية. الأطفال يتأثرون بشكل عميق بما يرونه من والديهم، لذلك تكرار السلوكيات الإيجابية أو السلبية يترك أثراً دائماً، والأطفال الذين يعيشون في بيئة يسودها الاستقرار النفسي غالباً ما ينشؤون مستقرين نفسياً».
كيف يمكن للفرد أن يحافظ على صحته النفسية ويظل إيجابياً رغم التحديات؟
يؤكد د. المنيف ضرورة الاهتمام بالصحة النفسية لأفراد الأسرة لكون المجتمعات والأسر القوية والمتماسكة هي القادرة على مواصلة الطريق بنجاح في هذه الحياة «الإيجابية ليست هدفاً منفصلاً عن السعادة، بل الإيجابية تصنع السعادة، وأول خطوة في هذا الأمر هي أن يدرك الشخص أنّه المسؤول عن سعادته وإيجابيته ولا أحد يمكن أن يحمل مسؤولية سعادة شخص آخر».
استراتيجيات أو قواعد يمكن للفرد اتباعها ليكون شخصاً إيجابياً
يزودنا د. المنيف بمرتكزات مهمة:
أولاً: التفاؤل بالخير دائماً هو أحد أسس الإيجابية: فالإسلام دين استبشار وتفاؤل، والنبي محمد، صلى الله عليه وسلم، كان يحب الفأل الحسن. لذا علينا أن نعود أنفسنا على النظر إلى الجانب المشرق من الأمور. فبعضهم قد يميل دائماً إلى التركيز على العيوب والأخطاء، لكن الشخص العاقل يدرب نفسه على رؤية الجمال في كل شيء، سواء في نفسه أو في محيطه، والشخص الإيجابي يسعى دوماً للبحث عن أفضل ما في الأشخاص والأحداث.
ثانياً: العلاقات الاجتماعية الجيدة: الفرد الإيجابي يمتلك علاقات اجتماعية إيجابية، بحيث لا يسعى إلى المثالية والكمال، بل يفهم أن الناس بشر، يخطئون ويصيبون وهذه المرونة تجعله يتقبل الآخرين كما هم، ما يعزز العلاقات ويجعلها أكثر قوة.
ثالثاً: عدم التعلق بالماضي: لتكون إيجابياً، لا تجعل الماضي حاجزاً أمام تقدمك. بل انطلق نحو الأمام، ما يتيح لك التقدم بثبات.
رابعاً: فتح النوافذ هو ما نحتاج إليه الآن؛ أن ندع الضوء يدخل حياتنا يعني أن نفتح قلوبنا للعالم، ونسمح للأمل والإيجابية بالتسلل إلى حياتنا اليومية. الإيجابية ليست مجرد شعور بل هي اختيار، وعندما نختار أن ننظر إلى الجانب المشرق، ونقدّر النعم الصغيرة في حياتنا، سنجد أن هذا الضوء يضيء حياتنا بشكل كامل.
يضيء الدكتور خالد المنيف على جانب فقدنا السيطرة عليه وهو الأجهزة الإلكترونية وما تولّده من «تشتت» في حياتنا، يقول: «نعيش اليوم في زمن الأجهزة الإلكترونية التي سيطرت على حياتنا بشكل واضح، وهذه السيطرة لها خطورة بالغة بحيث نعيش الآن بما أسميه «عقلية القرد»، وهي عقلية متشتتة. ببساطة، مثلما يمسك أحدهم الريموت ويتنقل بين قنوات مختلفة دون أن يستقر على واحدة. الأمر مشابه في وسائل التواصل الاجتماعي والعلاقات الشخصية؛ حيث نشاهد اليوم الكثير من التشتت حتى في أبسط أمور حياتنا، بيد أن الحياة لا تتطلب منا هذا التشتت، بل تتطلب الاستمتاع بما هو موجود في اللحظة الراهنة».
وللتخلص من هذا التشتت والبقاء «إيجابيين»، يدعو د. المنيف إلى خطوات عدة أهمها:
- التركيز على النعم البسيطة التي تحيط بنا: الأسرة والصحة والعافية والأمن والأمان، كلها نعم عظيمة نغفل عنها أحياناً.
- الامتنان: أن تأكل وجبة بسيطة وأنت مستقر ومرتاح وبصحة جيدة سعادة كبيرة تستحق الامتنان.
- عدم المقارنة: الإنسان الذي يركز على ما لديه ويسعد به هو الذي يشعر بالسعادة الحقيقية، أما من يلهث دوماً خلف ما هو بعيد أو يقارن نفسه بالآخرين، لن يصل أبداً إلى السعادة.
ولا يغفل د. المنيف التوقف عند الأم كعنصر رئيسي في تلك المعادلة، ولكنها تقع أيضاً تحت وطأة الضغوط بسبب التزاماتها المتعددة بين العمل والأمومة. والسبيل إلى التحرر من هذه الضغوط وتنشئة أفراد إيجابيين بعيداً عن التوتر هو بأن تأخذ بزمام المبادرة وتركز على أمومتها بالدرجة الأولى.
ويعلّق: «الأم هي أساس البيت، ويجب أن تفهم المرأة أن دورها كأم هو الأكثر أهمية والعمل يأتي في المرتبة الثانية. قد يبدو الأمر متعباً، لكن مع مرور الوقت، سترى الأم ثمار جهدها في تربية أطفالها، وسيكبرون ويرفعون رأسها بفخر. لذلك، أنصح الأمهات بالتركيز على أولادهن أولاً؛ لأنهن الحاضنات الرئيسيات لأطفال المستقبل. وإن كان ثمة دعوات تطالب المرأة بالتنصل من واجباتها الأسرية لصالح الاستقلالية المطلقة، فهي دعوات لا تخدم المجتمع. فأنا أؤكد أن استقلالية المرأة أمر جيد، ولكن يجب أن تكون في إطار يحافظ على دورها الأساسي في الأسرة لكونها هي من يحافظ على تماسك البيت، وهذا دور لا يمكن لأحد أن يأخذه منها أو يقوم به بدلاً منها».