الأسرة العاملة.. التوازن بين المهام طريق الزوجين لتحقيق الاستقرار
الأسرة ليست مجرد أفراد يعيشون في بيت واحد، بل هي الروح التي تمنحنا القوة والسكينة، إلا أنه في بعض الأحيان قد يظن الزوجان أن توفير الماديات كافٍ لتأسيس بيت ناجح ينعم أفراده بالسعادة، فتأخذهما دوامة الحياة العملية دون الانتباه للحقيقة الأهم، وهي ضرورة التوفيق بين العمل واحتياجات ومتطلبات الأبناء المعنوية والنفسية. وفي السطور التالية، نقدم عدة نصائح للأسرة العاملة تستطيع من خلالها التوازن بين العمل والتربية المثالية لأبنائها، دون أن يطغى جانب على الآخر.
الأسرة.. بين الماضي والحاضر
الخبيرة الأسرية والتربوية، الدكتورة بدرية الظنحاني، رئيس قسم الدراسات والبحوث في جمعية الإمارات لحماية الطفل، تبدأ حديثها بعقد مقارنة بسيطة بين حياة الأسرة في الماضي والحاضر، وتقول «كانت الأم قديماً ربة منزل، ما جعلها قادرة على تخصيص كل وقتها لرعاية أبنائها والاهتمام بهم، فكان شغلها الشاغل هو تدبر شؤون أسرتها، وتحضير الطعام لأفرادها، وحث الأبناء على الدراسة، وتنظيم حياتهم اليومية، وتوفير الوقت الكافي للتفاعل معهم ومشاركتهم الأنشطة العائلية. وبلا شك كان لوجود الأم الدائم بالمنزل الأثر في تعويض الأبناء غياب الأب الذي يكدح من أجل لقمة العيش، كل ذلك عزز الاستقرار العاطفي والنفسي للأبناء نتيجة شعورهم بالطمأنينة والحب المستمر، وهو ما انعكس على شكل الحياة بوجه عام، فكانت الأسرة أكثر استقراراً».
أصبح الأبناء يقضون وقتاً أطول دون إشراف مباشر من الأم، ما أوجد تحديات كثيرة منها فشل الأسرة
وتضيف «أما بعد خروج الأم للعمل تغير نمط الحياة الأسرية، وأصبح الأبناء يقضون وقتاً أطول دون إشراف مباشر من الأم، ما أوجد تحديات كثيرة منها فشل الأسرة في إدارة وقتها بالشكل المطلوب، فقل التواصل العاطفي والتفاعل الأسري، وزاد شعور الأبناء بالعزلة ونقص الدعم نتيجة غياب الأبوين الدائم وانشغال كل واحد منهما بالعمل».
طرق تحقيق الاستقرار الداخلي للأسرة
أسهمت كثير من التحديات الحديثة في عدم القدرة على إيجاد توازن بين العمل وتربية الأبناء، وهو ما يتطلب مشاركة أكبر من الزوجين للمساهمة في تربية أبناء أصحاء نفسياً وبدنياً، ولتحقيق الاستقرار الداخلي والوصول إلى بيت هادئ ينعم أفراده بالحب والطمأنينة، يمكن أن يعتمد الأبوان على عدة جوانب أساسية، منها:
- التواصل الفعّال والمفتوح: والذي يعزز التفاهم ويمنع تراكم المشاعر السلبية، ما يسهم في بناء علاقة متينة ومتفاهمة، تنعكس إيجاباً على الأبناء.
- تحديد أولويات الحياة المشتركة: سواء كانت تتعلق بالعمل أو الأسرة أو الصحة أو العلاقات الاجتماعية، فمن المهم وضع أهداف مشتركة لتوجيه الأسرة نحو استقرار طويل الأمد.
- تقسيم المهام والمسؤوليات العائلية بشكل عادل ومتوازن: مثل تقسيم الأعمال المنزلية ورعاية الأطفال، بحيث لا يتحمل طرف واحد العبء الأكبر.
- الاحترام المتبادل والدعم العاطفي: وهو يعزز الثقة ويقوي الروابط بين الزوجين، ما يعكس الاستقرار النفسي والعاطفي في المنزل.
- المرونة في التعامل مع التحديات: سواء تلك التي تتعلق بضغوط العمل أو مشاكل الأسرة، والتحلي بالصبر وتقبل التغيرات والتكيف معها وهو يعزز استقرار العلاقة.
- مشاركة الأنشطة العائلية: والتي تقوي العلاقات وتوفر مساحة للاسترخاء والتمتع بالحياة العائلية، ما يسهم في بناء جو من الحب والطمأنينة، ما يعزز التربية الإيجابية.
- التعامل بحب وتقدير مع الأبناء: ترك مساحة للتعبير عن مشاعرهم واحترام وجهة نظرهم؛ إذ يسهم ذلك في تربية جيل واثق ومؤثر بشكل إيجابي في مجتمعه.
- الاهتمام بالصحة النفسية والجسدية: من خلال ممارسة الرياضة، وتناول طعام صحي، والتحدث عن أي مشاعر سلبية أو ضغوط معينة، ما يسهم في تقوية العلاقة الزوجية، وزيادة القدرة على العناية بالأبناء.
- الاعتراف بالإنجازات الصغيرة والاحتفاء بها: يمكن أن يشمل ذلك إنجازات في العمل أو العائلة أو حتى الأمور الشخصية، فهذا كله يساعد على استقرار العلاقة العاطفية، ويصب في مصلحة الأبناء.
- توفير بيئة هادئة وخالية من التوتر: باستخدام تقنيات الاسترخاء مثل التأمل، فالبيئة الهادئة تسهم في تقليل المشاعر السلبية وتعزز شعور الاستقرار داخل الأسرة.
- التسامح والمرونة عند حدوث خلافات أو أخطاء: القدرة على التفاهم والاعتذار عند الحاجة، من أهم عوامل بناء علاقة صحية ومستقرة.
التوازن.. سر نجاح الأم العاملة
من جانبه، يضيف الدكتور عادل عبدالله، مستشار التدريب والتنمية وخبير ببرامج الموارد البشرية وإدارة الأزمات، «يمثّل تحقيق التوازن بين ساعات العمل الطويلة وتربية الأبناء تحدياً كبيراً، ما دفع كثيراً من الأمهات العاملات لتعليق حياتهن المهنية بالكامل، خاصة في ظل ارتفاع كلفة توفير رعاية جيدة للأطفال أثناء غياب الأمهات في العمل».
ويواصل «دائماً ما يتوقّع من النساء العاملات، خاصة إذا كانت زوجة وأماً، أن يبذلن جهدهنّ للموازنة بين المسؤوليات المختلفة التي تقع على عاتقهن وإعطاء كل جزء من المسؤوليات حقّه، ولا ننكر العمل الرائع الذي تقوم به النساء العاملات بشكل يومي، في مختلف المجتمعات ودول العالم، خاصة في ما يتعلّق بمجال موازنة المسؤوليات، وهناك عدد لا بأس به ممن يعرّضن أنفسهنّ للضغوط الكثيرة من أجل الوصول إلى المعادلة السليمة، ولكن قد يبدي بعضهم تخوّفاً بالغاً من قدرة المرأة، وخصوصاً الأم العاملة، على إحداث التوازن بين عملها، وحياتها الأسرية، والزوجيّة وحتى الشخصيّة، إلا أن العديد من الدراسات والبحوث تُشير إلى أن النساء العاملات هنّ الأكثر سعادة في حيّاتهنّ؛ إذ إن تحقيق الإنجازات بالعمل يخلق لدى المرأة حالة من الرضا النفسي والسعادة التي تعود بها إلى المنزل، الأمر الذي يؤثّر إيجاباً في أسرتها وأبنائها ويجلب السعادة والنجاح لهم أيضاً».
ويضيف «بيد أن التخوّف من قدرة المرأة العاملة على الوصول إلى التوازن، نابع من الاعتقاد السائد بأنها هي المسؤولة الرئيسيّة عن تربية الأبناء ورعايتهم وكذلك المسؤولة، ولربما الوحيدة أيضاً، عن رعاية المنزل، وهو ما يسبّب لها ضغوطاً لا تنتهي، فمتطلبات العمل خارج المنزل كثيرة كمسؤوليات العناية بالأسرة، التي لا تنتهي أيضاً، الأمر الذي يستلزم ضرورة العمل على تغيير هذا التصوّر السائد، الذي يضع المرأة على رأس المسؤولية للعناية بالأطفال وشؤون المنزل، وإشراك الرجل من خلال تفعيل دوره كأب، لأنه شريك الحياة ومسؤول عن العناية بأطفاله واحتياجاتهم».
أفكار عملية لتنظيم حياة الأم العاملة
وبما أن المرأة هي محور الأسرة والوقود الذي يستمد منه الزوج والأبناء طاقتهم، يستعرض د. عادل عبدالله بعض الحلول والأفكار العلمية التي تجعل حياتها أسهل وأكثر تنظيماً، وتحطّم الصور النمطيّة الموجودة عن الأمّ العاملة، وأنها غير قادرة على الموازنة بين المسؤوليات:
- توزيع المهام على أيّام الأسبوع: يساعد ذلك على إنجازها بفاعلية، فلا داعيَ لإرهاق نفسك من خلال القيام بالعديد من المهام كلّ يوم، حتّى لو شعرتِ بأنك قادرة على القيام بها، فذلك سيؤثّر حتماً في صحّتك.
- تنظيم وترتيب الوقت: وهو أحد مفاتيح النجاح في أي مجال، إلا أن النساء العاملات يحتجن لتلك الخطوة بشدة؛ نظراً لكثرة المهام والمسؤوليات التي تقع على عاتقهن؛ لتوزيع المهام بفاعلية ونجاح.
- لا تتردّدي في طلب المساعدة: تذكّري دوماً أن هذا أمر طبيعي، ولا تثقلي على نفسك وتتحمّلي أكثر من طاقتك كالنساء في أساطير «سوبر ماما»، حتى وإن شعرتِ بأنّك قادرة على القيام بالعديد من المهام، سيؤثّر هذا الإجهاد الجسدي والنفسي في صحّتك مع مرور الوقت، فاستعيني بعاملة منزلية إن أمكن ذلك، وإن كنتِ ممّن لا يفضّلون طلب المساعدة من شخص غريب، تذكّري أن لديك شريك حياة، وبإمكانك طلب المساعدة منه، فإشراكه في أعمال المنزل يعزز روابط الشراكة والتعاون بينكما.
- مشاركة الأبناء أحاديثهم الجانبية: احرصي على قضاء وقت خاص للحديث معهم يملؤه المرح واللعب، فذلك لا يقلّ أهميّة عن تحضير الوجبات الصحيّة، وإيصالهم للمدرسة ومساعدتهم على أداء واجباتهم المنزلية، فإشراك الابن لتفاصيل يومه له فوائد عدة أهمها تعزّيز العلاقة العاطفية بينكما.
- جدّدي علاقتك الزوجية بانتظام: قد تتأثّر كثيراً العلاقة الزوجية عندما تخرج المرأة للعمل، خاصة مع كثرة المشاغل والمسؤوليّات، وفي الكثير من الأحيان يقل الوقت الذي يقضيه الزوجان معاً ويصل إلى أسفل سلّم الأولويات بعد العمل، ورعاية البيت والأطفال. ولكن في الحقيقة، فإن الاهتمام بتجديد العلاقة الزوجية باستمرار هي من أهمّ الأشياء التي عليكِ الاستثمار بها.
- تخصيص وقت لنفسك: تذكّري دائماً أنكِ الشريك الاستراتيجي في هذه المعادلة؛ لذلك احرصي على مراعاة نفسك وصحتك والعناية بها جيداً، واشحني طاقتك باستمرار كي تقومي بأداء أدوارك المتعدّدة بنجاح والوصول للموازنة المرجوّة؛ إذ إن سرّ النجاح هو مراعاة النفس وتقديرها، فلا تنسي نفسك ولا تهمليها بين كل هذه المشاغل التي لا تنتهي.
ولكون الرجل شريك المرأة دون التنصل من مسؤولياته كأب، يوجه الدكتور عادل عبدالله، كلمة له «كثيراً ما يقع الزوج في فخّ «الشعور بالذنب» بسبب انشغاله وابتعاده عن بيته وأطفاله، فيقوم بتدليلهم وغضّ الطرف عن سلوكيّاتهم السلبية وغير المستحبّة، وكثيراً ما يقوم بتعويض وقت غيابه عنهم من خلال شراء الهدايا والحلويات، ومن الممكن أن تمنح هذه الأفعال للأب قدراً جيداً من الشعور بالرضا والسعادة، إلا أنها بالطبع ذات تأثير سلبي على المدى البعيد؛ إذ إنّ هذه السلوكيات من شأنها تحويل العلاقة بين الأب وأطفاله إلى علاقة مادّية بحتة، بعيدة عن العواطف والمشاعر والتوجيه والإرشاد، فلا تجعل هذه السلوكيات تسيطر على علاقتك بأطفالك، وكن معهم حنوناً ورؤوفاً وفي نفس الوقت صارماً، وتقاسم وزوجتك مهام ومسؤولية التربية وصولاً إلى الخروج الآمن من مراحل التربية والتأسيس والعبور بأبنائكم إلى بر الأمان».
اقرأ أيضاً:
- هل المرأة العاملة أكثر سعادة وحظاً في الزواج؟
- من المسؤول عن تربية الأبناء: الأم أم الأب؟