بينما يعتقد الأهل أن ميل الطفل لاستكشاف العالم من حوله سلوك فوضوي، فإن هذه الفوضى ليست مجرد عبث عشوائي، بل جزء طبيعي من نموه ومؤشر إلى مشكلات مختلفة بحاجة إلى اهتمام ورعاية.
ويبقى السؤال: ما الذي يدفع الأطفال لهذا السلوك؟ وكيف يمكن للأهل تحويل هذه الفوضى من مصدر للإزعاج إلى فرص تعليمية؟
توضح المستشارة في مجال التربية والأسرة ليلى أبو طرابي، الفضول على أنه «فطرة طبيعية عند الأطفال، يعكس رغبتهم في التعلم والاكتشاف ويساعدهم على فهم العالم من حولهم، وهو جزء أساسي من تطورهم المعرفي والاجتماعي».
أسباب الفوضى عند الطفل
تتوقف ليلى عند أسباب هذا السلوك، وتحدد مجموعة من أسباب بروز الفوضى عند الطفل:
- الفضول: يمكن أن يؤدي لعب الأطفال وتفاعلهم مع محيطهم في الكثير من الأحيان إلى فوضى، فاستكشاف المنزل واللعب بأشياء جديدة كالخزائن والأدراج ينتهي في الغالب بفوضى، لكن في الوقت نفسه يعكس هذا السلوك تفكيراً خلاقاً ورغبةً في التعلم؛ لذلك على الأهل أن يدركوا أن هذا النوع من الفوضى جزء طبيعي من نمو الطفل يمكن أن يتحول إلى فرصة تعليمية إذا ما تم توجيهه بالشكل الصحيح.
- الإهمال العاطفي: يعمد الأطفال أحياناً للفوضى كوسيلة لجذب انتباه الأهل والمحيطين بهم، هذا البحث عن الانتباه يكون نتيجة شعورهم بالإهمال وعدم الاهتمام الكافي، ما يدفعهم للتصرف بطريقة فوضوية، معتقدين أن هذا السلوك يجذب انتباه الأهل، حتى إن كان بطرق سلبية. لذلك ينبغي للأهل أن يكونوا واعين لاحتياجات أطفالهم العاطفية، وأن يسعوا لتلبيتها بطرق إيجابية، مثل قضاء وقت ممتع، ما يقلل من تصرفاتهم الفوضوية لجذب الانتباه».
- التعبير عن المشاعر: يستخدم بعض الأطفال الفوضى أحياناً كوسيلة للتعبير عن مشاعر عميقة أو مكبوتة، فقد يشعر الطفل بالغضب أو الإحباط بسبب ظرف مرّ به في حياته، مثل مشاكل المدرسة أو الخلافات الأسرية، لذلك على الأهل أن يدركوا أن الفوضى ربما تكون مؤشراً على وجود مشاعر عميقة تحتاج إلى التوجيه والمساعدة عن طريق فتح قنوات للحوار حتى يتمكن الطفل من التعبير عن مشاعره بطريقة صحية وصحيحة.
- عوامل نفسية واجتماعية: «تلعب البيئة الأسرية دوراً حاسماً في سلوك الطفل بهذه الطريقة، خاصةً إذا ما كان المنزل مملوءاً بالتوترات أو النزاعات المستمرة، حينها يشعر بفقدان الأمان الذي يدفعه للتصرف بشكل فوضوي، حيث تؤثر الضغوط الأسرية في قدرته على التركيز والاستقرار، وهي غالباً ما تكون بسبب انفصال الأبوين أو التوترات المالية».
- غياب الروتين والقواعد الأساسية في حياة الطفل: «يحتاج الأطفال لهيكلة واضحة للشعور بالأمان والتوجيه، عندما يلتف الغموض حول ما هو مقبول وما هو غير مقبول يصبح الطفل أكثر عرضة للتصرف بطريقة عشوائية، فوجود قواعد سلوكية واضحة وروتين يومي يساعد الأطفال على فهم توقعات الأهل ويقلل من حجم الفوضى في حياتهم، فيما تظهر بعض الدراسات، أن إظهار الأطفال بعض السلوكيات الفوضوية، بسبب تعرضهم لبعض المشكلات النفسية كالقلق أو فقدان التركيز يعيقهم عن تنظيم أفكارهم وأفعالهم، وبالتالي يصعب عليهم التفاعل بشكل سليم وإيجابي مع بيئتهم».
الآثار المترتبة على فوضى الطفل
تكشف المستشارة التربوية، الآثار المترتبة على هذا السلوك:
- ضعف الأداء المدرسي: تعد الفوضى من العوامل التي تؤثر بشكل سلبي في الأداء المدرسي، الأطفال الذين يعيشون في بيئات فوضوية يواجهون صعوبة في التركيز على المهام الدراسية، ما يؤدي إلى تدهور في تحصيلهم الأكاديمي، بسبب تشتت الانتباه الذي يصعّب عليهم فهم المواد الدراسية، وبالتالي انخفاض درجاتهم وفقدان الحافز للتعلم. لذا، يجب على الأهل والمعلمين العمل معاً لخلق بيئة منظمة تشجع على التعلم وتعزز أداء الطفل الأكاديمي.
- صعوبة تكوين علاقات مع الأقران: يمكن أن يؤثر سلوك الفوضى أيضاً في علاقات الطفل مع أقرانه، الأطفال الذين يظهرون سلوكيات فوضوية قد يجدون صعوبة في تكوين صداقات أو الحفاظ على علاقات صحية، بسبب بعض التصرفات الفوضوية غير الناضجة أو المزعجة، التي تجعل الأطفال الآخرين يتجنبونهم. لذلك على الأهل توجيه أطفالهم لتطوير مهارات اجتماعية صحيحة تساعدهم على التفاعل بشكل إيجابي مع أقرانهم.
- التوتر الأسري: تؤدي الفوضى المستمرة في المنزل إلى خلق جو متوتر، يمكن أن يشعر الأهل بالإحباط بسبب تصرفات الطفل غير المتوقعة، ما يزيد من حدة التوتر في العلاقات الأسرية، فيبدأ الأهل بالتصرف بشكل أكثر انفعالاً، ما يؤثر في تواصلهم مع الطفل. لذلك من الضروري أن يسعى الأهل إلى تقليل الفوضى من خلال وضع قواعد وتنظيم البيئة المنزلية، بما يعزز جواً أسرياً أكثر هدوءاً واستقراراً.
كيف يسيطر الأهل على فوضى الطفل؟
تزود ليلى أبو طرابي الأهل بعدة نصائح لمساعدتهم في السيطرة على فوضى الأطفال:
- وضع قواعد واضحة: وجود قواعد سلوكية متفق عليها يساعد الطفل على فهم السلوكيات المتوقعة منهم؛ لذلك يجب أن تكون هذه القواعد بسيطة وقابلة للتطبيق، ما يسهّل على الطفل الالتزام بها.
- التعزيز الإيجابي: يجب أن يكون لالتزام الطفل بالقواعد مكافأة ومقابل لتعزيز هذه السلوكيات، مثل كلمات تشجيع، أو هدايا صغيرة، أو أنشطة يفضلها الطفل، هذا النوع من التعزيز يساعده على الشعور بالتقدير ويحفزه على الاستمرار في التصرف بشكل إيجابي.
- تشجيع الحوار: فتح الأهل قنوات التواصل وتشجيع الطفل على الحوار والاستماع إلى ما يشعر به يجعله أكثر قدرة على التعبير عن مشاعره بطريقة صحيحة، ما يقلل من الفوضى ويسهم في تحسين حالته النفسية والاجتماعية.
- توفير بيئة منظمة: وجود جدول يومي ثابت ومساحات بيئية منظمة ومرتبة، سواء في البيت أو المدرسة، يسهم في مساعدة الأطفال على إدارة وقتهم وسلوكهم بشكل أفضل وتقليل حجم الفوضى.