07 يناير 2025

الترابط الأسري.. ملاذ آمن لضمان الاستقرار والتميز

محررة في مجلة كل الأسرة

مجلة كل الأسرة

تُشكّل الأسرة البيئة الأولى التي يتعلم فيها الفرد القيم والمبادئ، ليُعزّز ترابطها من ثقة أفرادها بأنفسهم، وهو ما يسهم في إنشاء جيل يتمتع بصحة نفسية سليمة، بيد أن التحديات الحديثة مثل انشغال كل فرد بعالمه الخاص، باتت كحجر عثرة يحول دون تعزيز الترابط الأسري، الأمر الذي يتطلب جهوداً مشتركة من جميع الأفراد، لضمان بناء مجتمع قوي ومتماسك.

الدكتورة منيرة عبدالله، لايف كوتش ومستشارة تربوية وأسرية ومختصة إرشاد نفسي، تقول «الأسرة بالنسبة لي هي الملاذ الذي يحتويني مهما كانت العواصف من حولي، والكيان الذي يمنحني القوة لأواجه تحديات الحياة في عملي ومجتمعي، ودائماً ما أرى أثرها في سعادة أفرادها واستقرارهم، وأدرك كم هو ثمين هذا الترابط في حياتنا اليومية، إلا أنه مع تسارع إيقاع الحياة الحديثة وظهور تحديات مثل هيمنة التكنولوجيا والتغيرات الاجتماعية، أصبحت فكرة الحفاظ على ترابطها أشبه برحلة مملوءة بالتحديات تحتاج إلى وعي واهتمام، فالبيت ليس مجرد مكان نعيش فيه، بل هو شعور بالأمان والانتماء، وهو الأساس في بناء فرد قوي ومجتمع مستقر؛ لذا أجد نفسي دائماً متحمسة للحديث عن أهمية تعزيز هذا الترابط والبحث عن طرق عملية للحفاظ عليه؛ لأنني أؤمن بأن الأسرة المتماسكة ليست مجرد حلم، بل هدف يمكن تحقيقه».

مجلة كل الأسرة

تعقد الدكتورة منيرة مقارنة بين الأسرة المترابطة والمفككة ومدى تأثيرهما في المجتمع «من خلال عملي أيقنت أن الأسر المترابطة تنشئ أفراداً يتمتعون بالثقة بالنفس والاستقرار الذاتي، هؤلاء الأفراد غالباً ما ينجحون في حياتهم المهنية والاجتماعية؛ لأنهم يشعرون بأن لديهم قاعدة صلبة يستندون إليها. وأذكر حالة لأحد الأبناء كان يعاني الخجل الشديد، لكن دعم عائلته ساعده على تجاوز مخاوفه ليصبح ناجحاً، ومثل هذه الأسر تنتج أفراداً متوازنين يسهمون بشكل فعّال في بناء المجتمع، ويكونون أقل عرضة للانحراف أو المشكلات الاجتماعية. في المقابل، غالباً ما تكون الأسرة المفككة بيئة خصبة للمشكلات النفسية والسلوكية، وأحد المواقف التي لا أنساها كانت لأم فقدت الترابط مع أبنائها، ما دفعهم للبحث عن الاهتمام خارج المنزل، وكانت النتيجة مشكلات عاطفية وسلوكية، ومنهم من عانى مشكلات نفسية مثل القلق، والاكتئاب، والانطواء».

مجلة كل الأسرة

ركائز أساسية تدعم الترابط الأسري وتعزز أهميته

بلا شك توجد ركائز يمكن أن تعتمد عليها الأسرة لتحقق ترابطها الذي هو أساس بنيانها، توضحها د. منيرة عبدالله «من تجربتي كشخص مهتم ببناء علاقات أسرية صحية، أرى أن الركائز الأساسية لتحقيق الترابط الأسري تتمثل في:

  • وضع قيم وأهداف مشتركة: تعليم الأبناء قيماً مثل الاحترام والحب والتعاون، ما يعزز من شعورهم بأن الأسرة هي الملاذ الآمن دائماً.
  • الاستخدام الإيجابي للتكنولوجيا: عندما أرى عائلات تستخدم التكنولوجيا لتوثيق لحظاتهم، كالتقاط صور مشتركة أو إنشاء مجموعة عائلية، أشعر بأن التكنولوجيا ليست عدواً دائماً، بل يمكن أن تكون وسيلة إيجابية للتواصل وتقوية الروابط.
  • تخصيص وقت لتعليم الأبناء: الحياة مملوءة بالدروس، وتوجيه الأبناء حول كيفية التفاعل مع المجتمع والحفاظ على القيم الأسرية يعزز شخصياتهم ويحمي الأسرة من التفكك ومعاناة أفرادها من الوحدة.

من جهته، يوضح الدكتور خالد السلامي مستشار أسري وتربوي، «الترابط الأسري ليس مجرد مفهوم عابر، بل عامل جوهري لتنشئة أفراد يتمتعون بالاستقرار النفسي والاجتماعي. فالأسرة المترابطة تضمن وجود بيئة مثالية تقدم الدعم العاطفي والمادي عند الحاجة، ما ينعكس إيجاباً على قدرة الأفراد على مواجهة تحديات الحياة، إضافة إلى ذلك فإن الأفراد الذين ينتمون إلى أسر مترابطة يميلون إلى أن يكونوا أكثر انسجاماً مع محيطهم الاجتماعي وأكثر التزاماً بالقيم والمبادئ».

ومع تطور المجتمعات ودخول التقنيات الحديثة، أصبح الترابط الأسري يواجه العديد من التحديات، يسردها السلامي «انشغال الأفراد بأجهزتهم الإلكترونية، وساعات العمل الطويلة، وتباعدهم داخل المنزل نفسه، كل ذلك أدى إلى ضعف التواصل الأسري. ففي الوقت الحالي يعيش كل فرد تقريباً في عالمه الخاص، ما يزيد من احتمالية تفكك العلاقات، وهذه الظاهرة تُهدد استقرار الأسرة، وبالتالي المجتمع ككل. فالأسرة المترابطة تُنتج أفراداً قادرين على التفاعل الإيجابي مع محيطهم، وهؤلاء الأفراد يتمتعون بقدرة كبيرة على تحقيق النجاح في حياتهم المهنية والاجتماعية.

وعلى الجانب الآخر، فالأسر المفككة تُعاني ضعف التواصل بين أفرادها، ما يؤدي إلى مشكلات نفسية وسلوكية، مثل القلق والاكتئاب، وهذه المشكلات لا تؤثر فقط في الأسرة، بل تمتد إلى المجتمع، مسببة زيادة في معدلات الجريمة والتفكك الاجتماعي».

مجلة كل الأسرة

خطوات تعزيز الترابط الأسري

وللحد من هذا الخطر، لابد من تعزيز الترابط الأسري، وهو ما يتطلب خطوات واعية ومجهوداً مشتركاً من جميع أفراد الأسرة، يلخصها المستشار الأسري والتربوي الدكتور خالد السلامي، في عدة نقاط:

  • قضاء وقت مشترك: يجب تخصيص وقت للأنشطة العائلية، مثل تناول الطعام معاً أو ممارسة هوايات جماعية، فهذه الأوقات تعزز الحوار وتخلق ذكريات جميلة تجمع الأسرة.
  • التواصل الفعّال: الحوار الصريح والشفاف بين أفراد الأسرة يُسهم في فهم احتياجات كل فرد.
  • دعم الأفراد: يتحقق ذلك عاطفياً ومادياً عند الحاجة، ما يعزز الشعور بالانتماء والتكاتف داخل الأسرة.
  • غرس القيم المشتركة: التركيز على القيم الأخلاقية والدينية والمبادئ السامية التي تجمع الأسرة وتحدد أهدافها المشتركة.

ويضيف د. السلامي «لا يمكن فصل الأسرة عن المجتمع، فهما في علاقة تبادلية مستمرة، ومن هنا يأتي دور المؤسسات التربوية والدينية في توعية الأسر بأهمية ترابطها، كما يجب أن تسعى المجتمعات إلى خلق سياسات تدعم العائلات، مثل تحسين إجازات العمل، وتقديم برامج تدريبية تعزز مهارات التواصل الأسري، الذي يعد أساس النجاح والاستقرار في عالم يزداد تعقيداً، ويصبح الحفاظ على هذا الترابط تحدياً كبيراً، لكنه ليس مستحيلاً».