تزداد شكوى بعض الأمهات من استهتار أبنائهنّ، سواء في مذاكرتهم، أو ترتيب غرفهم، وعدم تقبّلهم النصيحة، وضرب عرض الحائط بالتعليمات وضوابط السلوك.. وغيرها من السلوكات التي تصبّ في خانة الاستهتار، وعدم المبالاة، الأمر الذي يجعل البعض حائراً في كيفية التعامل مع هؤلاء، ومدى ارتباط تلك الصفة بالسمات الشخصية، أو هي وليدة خلل ما في التربية.
تبيّن المستشارة تهاني التري، خبيرة علاقات أسرية وتربوية «الأسرة هي خط الدفاع الأول للأبناء، وهي التي تغذي لديهم التجارب، والخبرات التي يقودون بها معارك الحياة المستقبلية، وكلما كانت العلاقة سليمة بين الأبوين، كانت الأضرار أقلّ على مخرجاتهما، وأقصد الأبناء، وهذا شيء بديهي نلاحظه في سلوكات الطلاب في المدارس.
وبالحديث عن سِن المراهقة، حيث الانتقال من مرحلة الطفولة والاكتشاف والفضول، إلى مرحلة عدم تقبّل النصيحة من الأهل، نجد أنها أصعب مرحلة يمكن أن يمرّ بها الوالدان مع أبنائهم، بخاصة الأولاد، والسبب يرجع لطبيعة المجتمعات العربية التي تعزز من تواجد المجتمع الذكوري، والتي تربّي فيه الأسرة ابنها على أنه صاحب الرأي، والسلطة، والنفوذ، والحرية، عكس البنت المطالبة طوال الوقت بتنفيذ الأوامر والتعليمات، يغذي هذا كله لدى الابن الشعور بـ«الأنا»، وعلوّ القيمة الذاتية، فيبدأ بالتمرّد على الأهل، ورفض قراراتهم، وأوامرهم، وتزداد لديه النظرة بأن الأسرة رباط خانق، كلما اشتد عليه زادت رغبته في التحرر، والتخلص من تلك القيود».
سلوكات المراهق غير السوية وسيلة لإثبات الذات
حقيقة الأمر أنه كلما ازدادت تلك النظرة التي أشرنا إليها سلفاً للواقع الذي يعيشه الابن، ازداد تمرّده الذي يظهر في صور عدة، تتباين من شخص لآخر، وفقاً لتربيته وتنشئته، وما زرعه الوالدان فيه منذ الصغر. وتوضح خبيرة العلاقات الأسرية والتربوية «سلوك مثل الاستهتار قد يعتبره المراهق عادياً، في محاولة لإثبات ذاته، وأنه شخصية مستقلة يجب أن تحترم رغباتها، ومتطلباتها، حتى وإن كانت عكس ما يرغبه فيه الوالدان، فنجده لا يكترث لتصرفاته وسلوكاته، وحتى مذاكرته، فضلاً عن تغافل الأوامر من باب النسيان، أو التمسك بالمظهر غير اللائق في الملبس، وتسريحة الشعر، كونها حرية شخصية، ويجب على الأبوين احترامها، وعدم الاعتراض عليها، بخاصة وأنهما غير متابعين لترندات وصيحات الموضة.. كل هذه السلوكات، وغيرها، وسيلة لإثبات الذات، ومحاولة للوقوف على أرض صلبة تعبّر عن ذاته، من وجهة نظره الخاصة».
نصائح للأبوين في كيفية التعامل مع الأبناء
تقدم الخبيرة التربوية تهاني التري نصيحة للأمهات «أكبر عدو يضرب علاقة الآباء بالأبناء، ويجعلهم ينغلقون على ذواتهم بعيداً عنهم، هي كثرة النصح والتوجيه، فعندما ينفتح الابن على أصدقائه الذين يعتبرهم جزءاً من ذاته، يبدأ بإخفاء كثير من الأمور حتى لا يتعرض للنقد، واللوم، إذ يعتبر نقد الأهل لأصدقائه نقداً صريحاً له، ولذلك يجب ألا ننتقد الأصدقاء، بل نعلّم أبنائنا معايير معيّنة نبدأها في سن 7 سنوات، فما فوق، مثل معيار من يجب أن يكون صديقك، معيار من ترافق.. وهكذا.
وعلى الأم أن تتخلص من هذه الأشياء، وأن تحاور ابنها حوار الأصدقاء، فلا تسألي عن الدراسة والأصدقاء، بل تحدثي عن النادي الذي يشجعه، واللاعب الذي يفضله، وأنواع السيارات التي يحبها، وهذا الاختلاف في نوع الحوار يتطلب صبراً من الأم، ووقتاً يمتد تقريباً 3 لـ 4 أسابيع، حتى تتغيّر صورة الابن عنها، ويرى فيها الصديقة التي يمكن أن تمرّر ما تريده منه، من دون أن يكون على شكل نصيحة صارمة، وتوجيه مغلّف بالنقد، واللوم..
وإضافة إلى ذلك يمكن اتّباع النقاط التالية لتحفيز الابن على التغيير:
- الثواب والعقاب: ادعمي أيّ سلوك إيجابي يقوم به ابنك للتخلص من الاستهتار، واجعلي العقاب آخر أسلحتك.
- القدوة: تعتبر أهم الوسائل التربوية في تشكل وتعديل السلوك غير السوي، واجتهدي أن تكوني مثلما يحب هو.
- التحاور بالقصة: وفيها يتم استعراض تجارب من هم في مثل سنّه، ولكن بطريقة الحكاية، من دون تلخيصها بعمل إسقاط عليه في النهاية.
- وضع خط زمني للخطط: وهي نقطة مهمة تعلم الالتزام وضبط النفس وصولاً للهدف".