يمثل الابتكار في التعليم ركيزة أساسية لتحقيق «رؤية الإمارات 2071»، حيث يشهد النظام التعليمي تحولاً نوعياً نحو تبني التقنيات الحديثة والذكاء الاصطناعي كأدوات لتعزيز الإبداع وتنمية العقول وبناء أجيال قادرة على مواجهة التحديات.
ومع تركيز المدارس الحكومية والخاصة على غرس التفكير النقدي والإبداعي، تبرز الحاجة إلى دعم مستدام للمناهج وتدريب مكثف للمعلمين، لدعم الأطفال الموهوبين واكتشافهم. فما هي آليات ذلك؟ وكيف يسهم التعليم الابتكاري في رسم خريطة طريق نحو المواهب؟
ترصد الدكتورة هنادي السويدي، استشارية الموهبة والابتكار، أهمية الابتكار والتعليم الإبداعي في اكتشاف مواهب الأطفال «الاستثمار في تعليم مبتكر هو استثمار طويل الأمد في مستقبل الدولة، والمدارس الإماراتية، الحكومية والخاصة، تشهد تحولاً نوعياً نحو تبني التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي كأدوات لتطوير العملية التعليمية، كما أنّ الإمارات خطت خطوات متقدمة في هذا المجال، من خلال تبني استراتيجيات وطنية ومبادرات متطورة تهدف إلى دمج التفكير الإبداعي والذكاء الاصطناعي في العملية التعليمية».
وتوضح «الابتكار يعزز مهارات التفكير النقدي والعمل الجماعي لدى الأطفال ويمنحهم الثقة بالنفس ويجعل عملية التعلم أكثر تفاعلية ومتعة»، مؤكدة أن الأطفال الذين يتعلمون تحويل أفكارهم إلى واقع ملموس يكتسبون القدرة على التأثير الإيجابي في مجتمعاتهم».
من هنا، يتبدى دور الأهل محورياً في «تشجيع أبنائهم على الانضمام إلى البرامج المخصصة للابتكار المدرسي التي أطلقتها وزارة التربية والتعليم، ومنها ورش عمل ومسابقات تدريبية؛ حيث يمكن التسجيل عبر بوابة الوزارة الإلكترونية».
تشرح د. السويدي «وزارة التربية والتعليم أطلقت عدداً من المبادرات النوعية لتعزيز الابتكار، من بينها مسابقات الذكاء الاصطناعي وبرامج غرس الهوية الوطنية التي تهدف إلى تمكين الطلاب من تقديم حلول مبتكرة للتحديات الحياتية مع الحفاظ على القيم الثقافية والوطنية».
السجل الوطني للموهوبين .. مرجعية رسمية لدعم المواهب
وإذ يحتاج الابتكار إلى تطوير مستدام للمناهج وتدريب مكثف للمعلمين، تؤكد استشارية الموهبة والابتكار على وجوب توحيد الجهود بين المدارس الحكومية والخاصة، وتعزيز مشاركة الأسر في دعم بيئة تعليمية مبتكرة، مشيدة بجهود الدولة في دعم الموهوبين والمبدعين، معتبرة أنهم نواة الابتكار الحقيقي. وذكرت مثالاً عن تكريم طالب إماراتي حاز ميدالية ذهبية في الكيمياء دولياً، مؤكدة أن هذا التكريم يعكس التزام القيادة بتشجيع الإبداع وتعزيز مكانة الإمارات على الساحة العالمية.
هذه المراحل تتطلب تضافر جهود الأهل والمجتمع والمدرسة، ولكن الأهم هو وجود رؤية استراتيجية لدعم المتميزين؛ حيث توصي الخبيرة التربوية والمتخصصة في رعاية الموهوبين، بأهمية إطلاق السجل الوطني للموهوبين، كخطوة استراتيجية تهدف إلى تعزيز منظومة اكتشاف ورعاية المواهب في الإمارات، وتحويلها إلى موارد وطنية تسهم في تحقيق التنمية المستدامة,معتبرة أن " هذه المبادرة تشكّل ركيزة أساسية في بناء بيئة تعليمية مبتكرة، تُعنى بتقديم الدعم الملائم للمواهب، وتعمل على تمكين أصحابها من المشاركة الفعالة".
إذ تتبلور فوائد السجل الوطني للموهوبين في:
أولاً: توثيق الموهبة ونوعها
- تسجيل نوع الموهبة (أكاديمية، رياضية، فنية، أو تقنية) وربطها بخطط تنموية مناسبة.
- إدراج خانة خاصة بالمواهب في سجلات وزارة التربية والتعليم، لضمان متابعة تطور الطالب الموهوب عبر مختلف المراحل التعليمية.
ثانياً: التخطيط الاستراتيجي لدعم المواهب
- تطوير برامج مخصصة تلبي احتياجات الموهوبين وتعزز من إمكاناتهم.
- توجيه الموهوبين نحو فرص تعليمية أو تدريبية تتناسب مع ميولهم، وإعدادهم لسوق العمل.
ثالثاً: التكامل بين المؤسسات التعليمية والوطنية
- تعزيز التعاون بين المدارس والجامعات والجمعيات المهتمة بالمواهب، لضمان توفير بيئة تعليمية متكاملة.
- استخدام السجل كقاعدة بيانات موحدة في الفعاليات والمؤتمرات المحلية والدولية لتسليط الضوء على الموهوبين.
رابعاً: المتابعة والتقييم المستمر
- وضع آلية لرصد تطور المواهب بمرور الوقت، لضمان نجاح البرامج المقدمة وإجراء التحسينات عند الحاجة.
خامساً: تعزيز الهوية الوطنية
الإعلاء من شأن الموهوبين وربطهم بالهوية الوطنية والقيم الإماراتية، لتعزيز شعورهم بالفخر والانتماء.
وفي هذا الصدد ,تؤكد د. السويدي إلى أن «الإمارات تتجه بخطى ثابتة نحو تعزيز الابتكار والإبداع، ما يجعل وجود منصة مثل السجل الوطني ضرورة ملحّة؛ كونه يشكل رؤية طموحة لتحويل الموهبة إلى إنجازات تدعم الاقتصاد المعرفي».
رحلة اكتشاف الطفل الموهوب
تلفت د. السويدي إلى أن اكتشاف الطالب الموهوب عملية تتطلب المرور بثلاث مراحل مترابطة للتعرف إلى قدرات الطالب وتميّزه عن أقرانه وضمان وضعه في البيئة المناسبة التي تطور مواهبه:
أولاً: مرحلة الترشيح والتصفية
تُعد هذه الخطوة الأولى؛ حيث يبدأ المعلم أو المختص أو حتى الأهل بملاحظة المؤشرات الأولية للموهبة لدى الطالب. يتم الاعتماد على ملاحظات المعلمين، وآراء الأهل، وأداء الطالب في الأنشطة المختلفة لترشيحه ضمن قائمة أولية.
ثانياً: مرحلة الاختبارات والمقاييس
في هذه المرحلة، يخضع الطلاب المرشحون لاختبارات متخصصة ومقاييس علمية لقياس مستوى الإبداع والذكاء، أو المهارات التي يتميزون بها. هذه الأدوات تضمن التقييم الموضوعي لقدراتهم وتساعد على تصفيتهم؛ بناءً على معايير دقيقة.
ثالثاً: مرحلة الاختيار النهائي
بعد جمع النتائج وتحليلها، تأتي المرحلة الحاسمة لاختيار الطلاب الأكثر تميزاً. تُدرس النتائج بعناية لضمان انضمام الطالب الموهوب إلى البرامج أو المجموعات التي تناسب طبيعة موهبته.