29 يناير 2025

كيف يؤدي تدليل الأبناء إلى إفساد حياتهم؟

محررة متعاونة

مجلة كل الأسرة

يحتاج الأبناء طوال رحلة التربية إلى التوجيه، والتقويم، وبعض من الدّلال. ولكن يجب أن يكون هذا البعض من الدّلال بلا إفراط، أو تفريط. فهناك الكثير من الدراسات التربوية تؤكد أن الطفل المدلّل بشكل مفرط يتأثر في الكبر، ويصبح أكثر اضطراباً نفسياً، أو سلوكياً، وهذا الأمر لا يتوقف على مرحلة البلوغ والمراهقة، بل أيضاً عند الكبر، وفي عمر الزواج، وتحمّل المسؤولية.

فالطفل المدلّل عندما يكبر، ويصبح شاباً يتعرّض للكثير من المشاكل الاجتماعية، بسبب حبّه للسيطرة على الآخرين، إضافة إلى أنه يكون عرضة للقلق، والتوتر، والعصبية، وقد يتحوّل إلى شخص عنيف، غير متّزن.

ويعتقد بعض الآباء والأمهات أن التدليل الزائد لأبنائهم نوع من الرعاية، ومحاولة لتوفير الحياة الملائمة لهم، ولكن لا ينتبهون إلى أن هذا الدّلال الزائد يتحوّل، أحياناً، إلى وحش مدمّر لأبنائهم، بل وأسرهم أيضاً، حيث يخرج للمجتمع إنساناً لا يُعتمد عليه، يتّسم بالأنانية، وحب الذات.

طرحت «كل الأسرة» هذه القضية على خبراء التربية وتعديل السلوك، وسألتهم: ما هي خطورة وتأثير التدليل الزائد في الأبناء؟ وما هي المشاكل النفسية التي يتعرضون لها مستقبلاً، من جرّاء التدليل الزائد؟ وهل يؤثر التدليل الزائد في شخصية الأبناء بعد الزواج؟

مجلة كل الأسرة

الدّلال المفرط = كسلاً وعدم تحمّل المسؤولية

بداية، يؤكد الدكتور إيهاب عيد، أستاذ الطب النفسي السلوكي وعلاج وتعديل سلوك الأطفال والمراهقين، بجامعة عين شمس، أن الأبناء يحتاجون إلى قدر من الدّلع والدّلال، لأن هذا الأمر يحسّن من سلوكاتهم، ويزيد ترابطهم بالأهل.

ويستدرك قائلاً «لكن التدليل أكثر من اللازم يجعل الطفل أقلّ تحمّلاً للمسؤولية، أو ليس لديه القدرة على تحمّل المسؤولية، أو حلّ مشاكله، لأنه ليس لديه نضج عاطفي، ما يجعله سريع الانفعال، وأكثر كسلاً. فالطفل المدلل للغاية يصبح من الصعب أن يكون مستقلاً، ويعيش حياته بالشكل السليم عندما يكبر. وبالبحث في العديد من حالات الطلاق التي وقعت في مصر، خلال السنوات الأخير، تبيّن أن الدّلع منذ الطفولة وحتى الزواج، وعدم تدريب الأبناء على العمل وتحمّل المسؤولية، يعدّ سبباً رئيساً لمشكلة الطلاق، حيث يكون الأولاد ضعاف النفوس والعزيمة، نتيجة عدم تعوّدهم على تحمّل المسؤولية، وبالتالي، لا يستطيعون مواجهة أيّ ظرف طارئ».

ويحدّد الدكتور إيهاب عيد، الآثار السلبية التي يؤدي إليها التدليل الزائد في عدّة نقاط:

1. الكثير من انحرافات الأبناء في سِن المراهقة، ووقوعهم في براثن الإدمان، والكثير من المشاكل الأخلاقية، يكون أحد أهم أسبابها التدليل الزائد في مرحلة الطفولة.
2. تساهل الوالدين مع طفلهما، واستسلامهما لضغوطه، وعدم تمييزهما لاحتياجاته الضرورية ورغباته، تفسده، وتغرس فيه حب الذات، وتنمي لديه حب الامتلاك والأنانية، فلا يعود يعلم شيئاً غير تلبية رغباته، وإلّا الصراخ.
3. لا يقتصر الأمر على هذا فقط، فالتدليل يسلب الطفل الإحساس بالمسؤولية، وواجب المشاركة، بل يفقده كيفية الاعتماد على نفسه، حيث إن دلاله يدفعه للاتّكال على غيره.
4. الابن المدلّل لا يستطيع الاعتماد على نفسه، ودائماً ما يكون إنساناً متواكلاً، والمشكلة تتفاقم عندما يصل إلى الزواج، ويتعامل مع الزوجة، والحياة الزوجية، ويبني أسرة سويّة.. هنا يكون وقت الصّدمات.
5. الفشل الدراسي، وضعف المستوى، هما من مظاهر هذا التدليل الزائد، فيجد الطفل صعوبة في التحصيل الدراسي، لأنه لا يستجيب لكلام المعلم، أو لا يفضّل الاستماع للشرح، وتعوّد أن يمارس ما يحلو له، من دون النظر إلى العواقب.
6. عندما يفرّط الأهل في إعطاء هذا الطفل الدّلال، المعنوي أو المادي، قد يظلمون إخوته، وربما تتولد بينهم الكراهية، والبغضاء.

مجلة كل الأسرة

علامات المراهق المدلّل

وتتفق معه الدكتورة إيمان كشك، استشاري العلاج النفسي والعلاقات الأسرية، بالقاهرة، في أن التدليل الزائد يصنع جيلاً لا يُعتمد عليه أبداً في بناء بيت، أو أسرة، أو تحمّل مسؤولية زوجة وأولاد. وتشير إلى أن أحدث الدراسات تؤكد أن الإفراط في تدليل الطفل ينطوي على مخاطر كثيرة، ربما تكون أشدّ خطورة من ضربه، بخاصة إن كان الطفل وحيداً. وأشارت الدراسة إلى أن الطفل الوحيد غالباً ما يكون أنانياً، يستمتع بالسيطرة على كل من حوله، إلى درجة يصبح فيها ديكتاتوراً.

وتوضح «لدينا اليوم جيل البعض منه يتصرف كأنه ضيف في منزله، لا يساعد، ولا يسهم ولا يتحمّل أيّ مسؤولية عمّا حوله، من سِن المدرسة إلى الكلية، وحتى بعد حصوله على الوظيفة، فهو (أو هي)، يعيش في بيت والديه كضيف، ولا يعرف من المسؤولية غير المصروف الشخصي، ورخصة قيادة السيارة. ويبقى الأب والأم تحت وطأة المسؤوليات عن البيت حتى مع تقدم العمر، وضعف الجسد. فالوالدان لا يريدان أن يُتعبا الأولاد!».

وتتحدث الدكتورة إيمان كشك إلى الأهل قائلة «التقدير وتحمّل المسؤولية هما من التربية التي تزرعها أنت في أولادك، ولا يخلقان فيهم فجأة، ولا حتى بعد الزواج.. لأنهم بعد الزواج يحملون الثقافة التي اكتسبوها من بيوت أهليهم، إلى بيت الزوجية. تعوّد ابنك، أو ابنتك، على تحمّل بعض المسؤولية في البيت يساعد على بناء شخصيته، وبناء جيل مسؤول اجتماعياً.. تحمّل المسؤولية يجعلهم أقوى، ويعينهم على مواجهة ما سيأتيهم مستقبلاً».

وحول علامات الابن المراهق المدلّل، تورد الدكتورة إيمان كشك أبرزها:

  • يرفض تحمّل المسؤولية، فمثلاً يرفض القيام بالأعمال المنزلية، أو أي مسؤوليات أخرى، ويتوقع من الآخرين القيام بها بدلاً منه.
  • تصيبه نوبات من الغضب والإحباط عندما يرفض الأهل طلباته، أو تصرفاته فيقوم بالغضب العارم والتذمّر الشديدين، ويجد صعوبة في تقبّل الرفض، أو التأخير في تلبية طلباته.
  • يميل إلى الاعتماد بشكل كبير على والديه في تلبية جميع احتياجاته.
  • التصرّف بأنانية، مثل التفكير في احتياجاته فقط، من دون مراعاة مشاعر واحتياجات الآخرين من حوله.
  • قلّة التقدير للجهود التي تبذل من أجله، أو للأشياء التي يحصل عليها، وقد يأخذ كل شيء كأمر مفروغ منه، ويطالب بالمزيد.
  • غالباً ما تكون توقعاته عالية، ومطالبه مستمرة، فهو يتوقع دائماً تلبية طلباته بشكل فوري.
مجلة كل الأسرة

نصائح لتفادي الوقوع في مشكلة التدليل الزائد للأبناء

وفي السياق نفسه، تقدم الدكتورة شيماء إسماعيل، استشاري العلاقات الأسرية وتعديل السلوك، بالقاهرة، مجموعة من النصائح للأهل لتفادي إفساد حياة أولادهم بالتدليل الزائد، من أهمها:

1. تربية الأولاد على أنه ليس كل رغباتهم تتم تلبيتها فوراً، وحتى إن تم تنفيذها فهذا لا يعني أنها ستنفذ دائماً.
2. الابن المدلّل، سواء كان مراهقاً أو شاباً، يكون أكثر تركيزاً على نفسه، لذا من الضروري أن نعزز لديه قيم التعاطف، ومراعاة الآخرين.
3. علاج الابن المدلّل أن تجبره الأسرة منذ طفولته على الاعتماد على نفسه في تدبير أموره، مثل ترتيب غرفته، والتعامل بنفسه مع الآخرين، من دون وساطة الأب والأم.
4. الصبر، والتفهم والحذر الشديد، والتعامل بحكمة مع الابن المدلّل حتى لا نسبب له عقداً نفسية، وكثيراً من المشاكل.
5. الصرامة والحزم أيضاً مطلوبان بشدّة، في التعامل مع الابن المدلّل، سواء كان طفلاً، أو مراهقاً، أو شاباً، حينما يتكرر وقوعه في الأخطاء نفسها.
6. الحذر من العواطف الجياشة للابن المدلّل تجاه أسرته، ولا نفرح بها بشكل مبالغ فيه، لأنها تجعل الطفل عاجزاً عن الارتباط بأقرانه، حيث يشعر بتشبّع شديد من عاطفة الأسرة، فلا يميل إلى الآخرين، ما ينمّي في داخله الوحدة، والانطواء. كما تسيطر على الطفل المدلّل الأنانية، وحب السيطرة على إخوته، والعنف في تصرفاته معهم، لإحساسه بالتميّز عنهم، فضلاً عن أنه لا يستطيع الاعتماد على نفسه، أو مواجهة متاعب الحياة، ومصاعبها.
7. كلمة السر في تربية الأبناء هي أن يعتدل الأهل في تربية طفلهم، وألّا يبالغوا في حمايته، وتدليله، أو إهماله كذلك، على حد سواء. وعليهم أن يعوا أنهم عندما يمنعون عنه بعض حاجياته فليس معنى ذلك حرمانه، بل تنشئته بشكل سليم، وصحيح، حتى يخرج الطفل للمجتمع قادراً على مواجهة الحياة.
8. ليس كل شيء ميسراً، وليست كل الرغبات متاحة له، ومحاولة إرضائه وتلبية طلباته، على الفور، ربما تسعده، وتسعد والديه في الوقت نفسه،  لكن هذه السعادة لن تدوم حينما تتعارض رغباته لاحقاً مع الممنوعات. فالدّلال المبالغ فيه، وإن كان مدفوعاً بالحب والعواطف الطيبة، إلا أنه كثيراً ما ينقلب إلى عكس المراد.

اقرأ أيضاً: 10 علامات تدلّ على النجاح في تربية الأبناء