17 فبراير 2025

رمضان بين الماضي والحاضر.. كيف أثرت مواقع التواصل في إعداد أطباق الطعام؟

رئيس قسم الشباب في مجلة كل الأسرة

مجلة كل الأسرة

في الماضي كانت الفتيات يتعلّمن من أمّهاتهنّ إعداد أطباق الطعام، وعندما يصبحن ربّات بيوت يتبعن المنهج الذي تعلّمنه بحذافيره، فيسعد الزوج والأبناء بالأطباق المُعدّة، والتي ترضي رغبات الجميع، خصوصاً في الشهر الفضيل، حيث يضرب الجوع أطنابه، وتزقزق عصافير المعدة طلباً لطعام لذيذ، صحّي ونظيف.

ومع طيّ صفحة الماضي، واطّلاع الفتيات المقبلات على الزواج، وغيرهنّ من النساء، سواء كنَّ ربات بيوت أو موظفات، على الوجبات العالمية، ومع تطور التقانة، وانتشار الفيديوهات التي تعرض ما لذّ وطاب من الأطباق، لم تعُد الفتاة بحاجة إلى اتّباع نصائح أمّها، إذ يكفيها أن تشاهد فيديو يعرض عليها طريقة الإعداد والمكوّنات كي تقلّده، وتُعدّ الطبق الذي يعجبها، سواء نجحت أو أخفقت.

وأكثر من ذلك، انتشرت تطبيقات توصيل الطعام بمختلف أنواعه، بسرعة تلبّي كل الاحتياجات، وتشبع البطون من غير مجهود، أو حتى مشاهدة فيديو.

هل بات عصر السرعة يتحكم فينا، حتى في طبق الطعام؟ وهل نسير في طريق عشوائي لا علاقة له بذلك الطريق الذي كانت تسلكه أمّهاتنا؟ وهل تنجح فتيات اليوم في أن يكنّ ربّات بيوت وطاهيات، بالمعنى الحقيقي للكلمة، ومن دون الالتزام بتعليمات أمّهاتهن؟ وإلى أين تتجه معلومات الطهي في زمن تقول فيه الفتاة لأمها: «أنا أعلم كيف أحصل على وصفات لأطباق شهية، ومتنوعة، أكثر من التقليدية التي تعدّينها»؟

كي نعرف تأثير ما يعرض في الفيديوهات من إعداد لأطباق الطعام، ودرجة استغناء ربّات البيوت عن العودة إلى ما كانت تُعدّه الأمّهات في زمن الجدّات، سألنا بعض الأمّهات ممن يتحسّرن على الماضي، بكل ما فيه من نكهات وطيّبات، ويعانين تعنّت الأبناء، والتركيز على الطعام الجاهز، وكذلك فتيات عرضنَ وجهات نظرهنّ المقنّعة أحياناً!

مجلة كل الأسرة

«حزينة ولكنني استسلمت»

تقول أم هيثم، البالغة من العمر ستين عاماً «لا أعرف إن كنت أشعر بالراحة، أم بالقلق، لديّ ثلاثة أبناء، وبنت واحدة، الكبير متزوج وهو سعيد بالتطور التقني، كل طعامه يطلبه من المطاعم عن طريق الهاتف، خصوصاً في الشهر الفضيل، فزوجته موظفة، ولديها طفل صغير، وترى في الطلبات السريعة إنقاذاً لها من ضيق الوقت. أما ابنتي التي ما زالت تعيش معي في البيت، وهي في السادسة والعشرين من عمرها، فترفض، تماماً، تعلّم الطبخ منّي كما تعلّمته أنا من والدتي، أحياناً، أحزن لذلك، وأتمنى لو أنها تتعلّم إعداد بعض الأطباق التي قد لا نجدها في المطاعم، أو على الأقل، ليست نظيفة، ومُعدّة بالطريقة التي نعدّها بها».

«أطباقي خالية من النكهات!»

أما أم أحمد، فلديها ابن واحد في العشرين من عمره، وتقول «عندما دخل ابني الجامعة، بدأ بتناول الطعام في الخارج، في البداية كنت أحزن، ثم وجدت أن هذا يعجبه، ويريحني إلى حد ما، لأنني موظفة، ولا أجد دائماً الوقت الكافي لأعدّ له ما يشتهي، خصوصاً بعدما أخبرني أن الطعام في المطاعم أطيب من الذي أعدّه له، وأن أطباقي خالية من أيّ نكهة».

مجلة كل الأسرة

للصبايا رأي مختلف

للبنات مفهوم مختلف يتجاوز حدود تعلّم الطهي، والتلذذ بالأطباق. تبيّن ليان، البالغة من العمر 22 عاماً «الفيديوهات التي تعرض أطباق الطعام رائعة، نطّلع منها على الثقافات الأخرى، كما يمكن للمتابعين في بلدان أخرى الاطّلاع من خلالها على ثقافتنا، ومعرفة أنواع الطعام العربي الذي نفتخر به، والذي يتميّز بمكونات خاصة، و نكهات متنوّعة. فالفيديوهات التي تنشر طرق إعداد الطعام ليست مدرسة طهي فقط، إنما هي أيضاً رحلات في بلدان كنا من قبل لا نعرفها، ولا نعرف تقاليد شعوبها، فهي ثقافة بحد ذاتها».

أمّا نورة، وعمرها 27 عاماً، فترى أنه ليس هناك مشكلة «لا تشكّل فيديوهات إعداد الطعام تحدّياً، إذ يمكننا أن نتعلم منها الكثير، إضافة إلى ما نتعلّمه من أمهّاتنا. فنحن في زمن معظم الأمّهات فيه عاملات، ونحتاج إلى التعلم بسرعة كي نكون عوناً لهنّ، وكي نعطيهنّ أفكاراً جديدة لم يطّلعن عليها من قبل».

ماذا تقول أخصائية التغذية؟

توضح أخصائية التغذية ليال صبري «تهتم فتيات اليوم بالمظاهر، وهنّ يطبّقن كل ما يشاهدنه من محتوى في فيديوهات الـ«سوشال ميديا». وهذا التقليد قد يكلفهنّ الكثير، أحياناً، فهناك صانعات محتوى يتفنّن في إعداد الأطباق، وتقديمها وسط أجواء مميّزة، وديكورات مكلفة، وهمهنّ الوحيد حصد أكبر عدد من المتابعين».

«من ناحية أخرى»، تضيف ليال، «تظن بعض الفتيات أن كل ما يشاهدنه عن إعداد الطعام صحيح، فبعض صانعات المحتوى يستخدمن الكثير من السّمن والزيوت، وهذا، كما نعلم، ليس صحياً على الإطلاق.

إلى ذلك، تلجأ بعض الفتيات إلى طلب الطعام الجاهز، خصوصاً اللاتي لا يجدن الوقت الكافي للتقليد، سواء بإعداد الطعام، أو بصنع محتوى مشابه. وعندما تتزوج الواحدة منهنّ ترهق نفسها، وزوجها، بالمصروفات التي لم تحسب لها حساباً، لا من الناحية المادية، ولا من الناحية الصحية».

وتتابع «بعض الفتيات يقلّدن صانعات محتوى لديهنّ دخل كبير، ومطبخ متميّز، فلا يستطعن اللحاق بالركب. ولكن لا يمكننا القول إن كل الفيديوهات ذات تأثير سلبي، فبعض الفيديوهات، خصوصاً تلك التي يقدّمها طُهاة محترفون، تحتوي على معلومات صحية، ومفيدة، والأطباق التي تُعدّ فيها جيدة، وعلى الفتاة أن تكون واعية، فتختار المفيد، وتستبعد الضار».

وتضيف «الظهور والشهرة أيضاً، من أهداف صانعات المحتوى، سواء في أماكن معيّنة، أو في المطاعم، لإعطاء صورة وهمية للعالم الخارجي لا علاقة لها بالواقع، وللحصول على المزيد من المتابعين، وهنّ لا يعلمن أن كثيراً من فتيات الجيل الجديد لا يدركن أنه مجرّد ظهور ومتاجرة، وأن بعض الأطباق تضرّ بصحتهنّ وتفقدهنّ اللياقة، خصوصاً عندما يصنعن البيتزا المحشوة، والكريسبي، والبرغر، والإسكالوب، بأنواعها الدسمة».