24 فبراير 2025

رمضان.. جسر للتواصل وتعزيز الروابط الأسرية

محررة في مجلة كل الأسرة

مجلة كل الأسرة

تهدف مبادرة «عام المجتمع» 2025، إلى تعزيز الروابط داخل الأسرة وترسيخ قيم التعاون والانتماء والتجارب المشتركة، ليأتي شهر رمضان الكريم ويدعم أركان هذه الرؤية التي انطلقت تحت شعار «يداً بيد».

مجلة كل الأسرة

ففي ظل الأيام العادية نادراً ما تجتمع الأسرة على مائدة واحدة لتناول الطعام، فهناك من تحكمه ساعات الدوام، وآخر تجذبه التكنولوجيا لعالمها الافتراضي، وثالث يفتقر إلى روح المشاركة الاجتماعية، وغيرها من الحجج التي تبث الفرقة داخل كيان الأسرة الواحدة، ليأتي الشهر الفضيل ويمدّ جسراً للتواصل بين أفرادها، نتيجة ما ترتبط به من ممارسات وأنشطة تعيد إحياء الترابط العائلي.

الدكتورة فاطمة الغرباوي، محاضر في قسم علم الاجتماع بجامعة الشارقة، ترى في الشهر الفضيل فرصة يجب أن تغتنمها الأسرة، وتقول «تُشكل المجتمعات الحديثة، بكل تطورها وتقدمها، عبئاً ثقيلاً في وجه التواصل الاجتماعي الفاعل والتقليدي، فأصبح من الصعوبة بمكان إبقاء الروابط الأسرية المتينة، والرصينة، على الرغم من السرعة والسهولة التي تفوق الماضي بمراحل، فأخذت الملهّيات الاجتماعية أبناءنا وبناتنا بعيداً عن السياق الأسري المعتاد. ولا شك في أن شهر رمضان الكريم من المناسبات الدينية المحفزة لإعادة إعمار الروابط الأسرية، بخاصة أن عوائق الزمن والسرعة التي يفرضها التقدم والحداثة تقف جامدة في ظل الشهر الفضيل، حيث الوقت المحدّد للتجمع، والوقت المعلوم للقاءات الأسرية، الأمر الذي يساعدنا على رفع راية الصمود في وجه العزلة، والانعزال. فتكرس الأم الحوار الأسري والاجتماع الرمضاني من خلال ممارسات ممنهجة، تتمثل في الدعوة المستمرة لاستضافة الأقرباء على مائدتها، والحث على أهمية التواصل والتواجد، ويأتي دور الأب مكملاً لذلك مع أبنائه وأسرته، بشكل عام، من خلال دعمه لصِلات الأرحام من خلال الزيارات، واصطحاب الأطفال للمسجد لأداء الفرائض، ومشاركتهم إنفاق الصدقات، وأداء الزكاة، وغيرها من الأنشطة التي يؤديها كلا الوالدين من دون مجهود، وتعمل على ترسيخ العلاقة الأسرية والعائلية بشكلها الطبيعي».

وتضيف «بلا شك، يُعد ما يقوم به الوالدان من ترسيخ لهذه القواعد الرمضانية الاجتماعية وسيلة لدوام هذه العادات والعبادات بعد رمضان، ولعل هذا أحد أنواع التنشئة الاجتماعية غير المباشرة التي تترسخ في وجدان الأبناء، وتستقر في ذاكرتهم، ليواجهوا بها عصر المغريات، وليطبّقوها مع أبنائهم في المستقبل، فما يزرعه الآباء والأمّهات في الصّغر يحصده الأبناء في الكبر».

 وتقول الدكتورة مهرة آل مالك، أخصائي العلاج النفسي، وأستاذ مساعد في جامعة عجمان «تتولد في رمضان مجموعة من المشاعر الروحانية، والنفسية، والاجتماعية، التي تحفز لدى الإنسان الشعور بالرغبة في زيادة التواصل الاجتماعي، فيسعى منجذباً إلى إحياء ما يرتبط بهذا الشهر الفضيل من عادات، متمثلة في:

  • أداء العبادات: إذ تزداد الرغبة لدينا في مشاركة الآخرين تلك التجربة الروحانية وأداء الصلوات في جماعة، لما لهذا الفعل من تأثير عميق في النفس.
  • دعوة صائم للإفطار: يتولّد لدينا في رمضان الشعور بالانتماء، فنبحث عن إشباع ذلك بجلسات الأهل والأصدقاء، ودعوتهم لتناول وجبة الإفطار، أو السحور.
  • الحنين إلى الماضي: حيث الرغبة في استعادة ذكريات الطفولة، وما يرتبط بها من تجمعات عائلية في رمضان.
  • التكافل والتعاون: يترسخ خلال رمضان شعور قوي بالتعاون والتكافل، ويتمثل ذلك في مساعدة الفقراء، وهذه الروح تجعل الناس يرغبون في التواصل مع الآخرين، وتقديم الدعم لهم بكل أريحية، من دون ملل أو كلل.
  • تطهير النفس: فالتصالح مع الذات نتيجة تغذية الروح بالعبادات، يجعلنا أكثر رغبة في التجمع، وزيادة أواصر المحبة والبحث عن معانٍ أعمق للحياة».
مجلة كل الأسرة

نصائح لإحياء الترابط والتلاحم

تقدم الدكتورة آل مالك، نصائح لبعض الأنشطة التي تعيد إحياء الترابط والتلاحم بين أفراد الأسرة، قائلة «بما أن الوالدين هما الوقود الذي يتزود منه الأبناء بالطاقة التي تعينهم على خوض معارك الحياة بقوة، ومن يضعا الأسس والنهج التي يسير عليها الجميع..

ولكون رمضان فرصة عظيمة لتأصيل الترابط الاجتماعي، فيمكن للوالدين اتّباع بعض الأنشطة التي تصب في هذا الجانب، منها:

  • مشاركة الأبناء الأنشطة: مثل صناعة الزينة الرمضانية، وتزيين المنزل بالأنوار والديكورات البسيطة، أو رسم وتلوين لوحات ذات طابع رمضاني، مثل الهلال، النجوم، المساجد.
  • تخصيص وقت لتعليمهم دروساً مستفادة: مثل قراءة القصص القرآنية المرتبطة بحياة الأنبياء، أو ما تشير لتأصيل القيم الإسلامية، وحفظ آيات من القرآن الكريم، تعلّم بعض الأحاديث النبوية، ما يزيد من ارتباطهم الروحي بدينهم.
  • ممارسة الأنشطة البدنية: تنظيم بعض الألعاب الجماعية المشتركة في حديقة المنزل مثل (كرة القدم الصغيرة، القفز، أو الركض)، لتفريغ طاقة الأطفال بطريقة صحية.
  • ممارسة الأعمال الخيرية: إذ يمكن للأطفال المشاركة في تحضير السلال الغذائية، وتوزيع الطعام على المحتاجين، كل ذلك يعزز لديهم روح العطاء والتكافل.
  • المشاركة في الأنشطة الجماعية: مثل التحضير للإفطار الجماعي مع العائلة، وإعداد الطعام أو ترتيب الطاولة.
  • تنظيم المسابقات الرمضانية: التي تعيد لذاكرة الأبناء بعض المعلومات الدينية المرتبطة بالعادات المرتبطة بالشهر الفضيل.

من جانبها، توضح رقية البلوشي، مستشار مهني وشخصي، أن «الاجتماع حول سفرة واحدة عادة متأصلة في البيوت الإماراتية، لتأتي مظاهر الاحتفال بشهر رمضان وتعزز من تلك العادة، حيث تجمع الأهل والأصدقاء والمعارف والأقارب على الإفطار، أو السحور، في جو يسوده التسامح، والمودّة، والمحبة، فتزداد أواصر الحب والتكافل والتضامن الاجتماعي، فضلاً عن تبادل الزيارات وتجمعات العائلة التي تدخل السرور على قلب الصغير قبل الكبير، إضافة إلى حث الأبناء على مشاركة الأم والأب، بعض الأعمال الجماعية. كل ذلك يحفز روح التضامن بين الجميع، ولذلك وجب على الوالدين استغلال هذه المناسبة، وليتخذا من رمضان فرصة لصناعة الذكريات التي تبقى طوال العمر، فهذا الشهر الفضيل لا تقتصر فيه الأعمال على العبادات المفروضة فحسب، بل هو أيضاً فرصة ثمينة لغرس قيم الولاء والانتماء للعائلة، وبالتبعية للمجتمع ككل».

رمضان فرصة لصناعة الذكريات مع أبنائكم

وتكمل «املأوا حياتكم بتجارب ومواقف مشتركة، وذكريات لا تُنسى، مع الأهل والأصدقاء، وشاركوا لحظات الإفطار والسحور مع بعضكم بعضاً، واستمتعوا بالأوقات التي تجمعكم بعد الصلاة، واصنعوا ذكريات من خلال القصص والحكايات التي يرويها الأجداد، وتشاركوا الألعاب الجماعية مع الأبناء، وأطفال الجيران، وأعيدوا أجواء الفريج التي افتقدناها، تلك التي تبعث على المرح والسعادة، وتنمّي روح التعاون والألفة، فهذه اللحظات مهما كانت بسيطة، تظل محفورة في القلوب، ومصدر سعادة لمن يتذكّرها في المستقبل».