مجلة كل الأسرة
17 مارس 2025

كيف نحمي الأطفال من إيذاء أنفسهم بسبب التنمّر؟

محررة في مجلة كل الأسرة

مجلة كل الأسرة

يُعدّ التنمّر من القضايا التي تثير الجدل بين الحين والآخر، لما يسببه من آثار سلبية، آخرها لطفلة في الصف السادس بإحدى الدول العربية، تضاربت الأقوال بين إلقائها لنفسها من الطابق الثامن، نتيجة تنمّر زميلاتها عليها، ومعايرتها بإدراج اسمها ضمن البنات اللواتي لم يدفعن مصاريف الدراسة، وبين تنمرهنّ عليها بسبب شعرها، لتنفي المدرسة الواقعة، معلّلة أنها سقطت نتيجة خلل في التوازن أسفر عن وفاتها.

وعلى الرغم من تضارب الأقوال، إلا أن الأمر يستلزم النقاش، لعل هناك من ينتبه لسلوك طفله، سواء كان متنمّراً، أو متنمّراً عليه، ومحاولة وقف نزف هذا التصرف السلبي، الذي يدفع ببعض الحالات لإيذاء النفس، وإزهاق الروح.

تقول د. رقية حسين محمد، مستشارة تربوية وأسرية «من الطبيعي أن الأهل لهم دور كبير لا يمكن أن نغفل عنه في قضية التنمّر، سواء كان أطفالهم متنمّرين، أو متنمّراً عليهم، ففي كلتا الحالتين لهم تأثير كبير في إنهاء، أو تفشي هذه  الظاهرة، بخاصة أنها مرتبطة بشكل وثيق بثقة الطفل بنفسه، والتي إن زادت فهو لا يأبه بالتنمّر مهما بلغت شدّته، وقوّته، ودرجته، وإن انعدمت يؤثر ذلك فيه لدرجة قد تصل إلى مرحلة الخطورة، كمثل بعض الحالات التي تفقد الرغبة في الحياة، نتيجة عدم قدرة أصحابها على مواجهة بعض الكلمات، أو المواقف التي يمرّون بها، أو يتعرضون لها».

مجلة كل الأسرة

3 عناصر أساسية للتنمّر

التنمّر سلوك عدواني متكرّر يقوم به طفل، أو مجموعة من الأطفال، بترهيب وإساءة معاملة آخر بقصد إيذائه، جسدياً وعاطفياً، وتوضح د. رقية حسين «يقوم التنمّر على ثلاثة عناصر أساسية، هي أن يكون هذا السلوك متعمّداً، ومتكرراً، ووجود تفاوت في القوة بين المُتنمّر والطفل الذي يتم التنمّر عليه. وبقدر ما يحمل هذا السلوك من تأثيرات سلبية، ومشاكل خطرة ودائمة على الطفل الذي يتعرض للتنمّر، فإنه يؤثر أيضاً في الطفل المتنمِّر بذات الدرجة.

وهناك نوعان من الأهل لهم  تأثير كبير في أبنائهم في تفشي هذه الظاهرة أو انحسارها:

  • النوع الأول: هم من يعرّضون أطفالهم لتنمّرهم دون قصد وإدراك لحجم المخاطر المترتبة على هذا الفعل، كأن يلقي أحد أفراد الأسرة الضوء على التصرفات كفشل الطفل دراسياً، أو زيادة وزنه، أو سوء خِلقته، أو إعاقته، الجسدية أو الذهنية، وما إلى ذلك من نماذج وأمثلة متعدّدة، يصدر أغلبها بلا قصد من الأم، أو الأب، تجاه أطفالهما، نتيجة صعوبة فهم بعض تعليمات الأسرة بالسرعة والدقة الكافية، فتتحطم نفسيته، ومعنوياته، من دون أن يعي ولي الأمر أن تصرفه فيه هدم وفقدان كلي لثقة الابن، أو الابنة، بنفسه، ما يجعله فريسة سهلة للتنمّر عليه خارج محيط أسرته، وضياع حقه أمام عينه وهو عاجز عن استرداده، أو الدفاع عنه. ومع تكرار مواقف التنمّر قد يصل به الأمر لعواقب لا تحمد عقباها، كفقدان رغبته في الحياة، أو ضياع الشغف لديه.
  • النوع الثاني: هم الأهل المهتمون بمسؤولياتهم الأخرى، فيهملون جانب التوعية لدى أطفالهم بخطورة سلوك التنمّر، ووجوب عدم إعطائه أهمية، وتعليمهم كيفية وضع حدٍّ له، بشعور المتنمّر بأن كلامه لا يعني شيئاً، وغير مهم ولا يؤثر بشيء».  

التعرّف إلى أسباب التنمّر كفيل بإنهاء المشكلة

أسباب التنمّر عند الأطفال

تبين د. رقية حسين «إنّ معرفة الأسباب التي تقف وراء هذا السلوك العدواني هي السبيل الحتمي لإيجاد الحلول المناسبة، والقضاء على هذه الظاهرة التي أصبحت شائعة بين الأطفال، وتهدّد حياتهم، ومن هذه الأسباب:

  • قلّة اهتمام الآباء بأطفالهم: إذ يقوم الطفل المتنمّر بتعويض ذلك النقص من خلال جذب انتباه الآخرين إليه، وعادة ما يكون ذلك في حالات الطلاق، أو إدمان أحد الأبوين على الكحول، أو المخدرات.
  • تعرّض الطفل للتنمّر من والديه: يعد الغضب الذي يمارسه الآباء على أبنائهم، وعدم قدرتهم على التصرف بحكمة في مواجهة المشكلات هو أحد أسباب التنمّر.
  • الغيرة: إذ تجعله يشعر بأنه أقوى وأفضل من الطفل الذي يتنمّر عليه، ما يجعله يتمادى في سلوكه.
  • وسيلة للدفاع عن النفس: يجد الطفل في التنمّر وسيلة للدفاع عن نفسه وإبقاء المتنمّرين بعيداً عنه.
مجلة كل الأسرة

أهم المشاكل التي يواجهها الطفل المتنمَّر عليه

  • الشعور بالاكتئاب والوحدة.
  • فقدان الشهية.
  • صعوبة في النوم.
  • معاناته من عدة مشاكل صحية، أو نفسية، أو جسدية.
  • ضعف التحصيل العلمي وانخفاض ملحوظ في درجاته.
  • قلّة مشاركته في الفصل، كما يميل إلى التغيب عن المدرسة، أو تركها كلياً.
  • فقدان الحماس تجاه أي نشاط كان يستمتع بممارسته، وقد تستمر هذه المشاكل معه حتى سِن البلوغ.

 وكما ذكرنا، فإن الطفل المتنمّر قد يحصد هو أيضاً نتاج سلوكه غير السّوي، وتوضح المستشارة التربوية ذلك بقولها «الطرفان يدفعان الثمن، ومخطئ من يظن أنه في معزل عن تأثير ما يصدر من سلوك، فمن اعتاد التنمّر قد تدفعه سلوكاته غير السوية تلك إلى القيام بأفعال أخطر خلال مرحلة البلوغ، منها: الإدمان على الكحول والمخدرات خلال مرحلة المراهقة، وترك المدرسة، مع القيام بأعمال شغب وعنف، كتخريب الممتلكات، وإيقاع الأذى بالآخرين».

الحلول التي تساعد الطفل على مواجهة التنمر

  • الاستماع له وتقديم الدعم اللازم حتى يتحدث معك من دون خجل أو خوف من ردة فعلك تجاه تعرّضه للتنمّر.
  • مدحه والثناء عليه عند حديثه معك حتى يشعر بأنه فعل الصواب، ولا يتردد في إخبارك عند تعرّضه للتنمّر مرة أخرى.
  • التواصل مع معلّمه، أو المرشد الاجتماعي في مدرسته، حتى يقوم بدوره في الحديث مع والدي الطفل المتنمّر.
  • إعادة بناء ثقته بنفسه بقضاء الوقت مع الأصدقاء الذين لهم تأثير إيجابي فيه.
  • ممارسة الرياضة والأنشطة المختلفة.
  • تجنب المتنمّر والحرص على وجود صديق معه في وقت الاستراحة.
  • مساعدته على التحكم في غضبه، وعدم إصدار أيّ ردّة فعل أمام المتنمّر، مثل البكاء، أو احمرار الوجه.
  • التصرف بشجاعة بالابتعاد عن المتنمّر وتجاهله.
  • اللجوء إلى شخص بالغ يثق به كالمعلم، أو المرشد الاجتماعي، عند الحاجة لذلك ومن دون تردّد.

 كيف أمنع طفلي من التنمّر؟

تجيب المستشارة التربية والأسرية «بداية، يجب البحث عن الأسباب التي دفعته إلى هذا السلوك، فقد يكون الطفل يتعرض لمشكلة عاطفية، أو اجتماعية، حتى تتم معالجتها، ومن ثم الحديث معه عن التنمّر، والتوضيح له بأنه تصرّف مخجل، وغير مقبول، وأنك لا تدعمه في ذلك. كما يجب أن تحرص على أن يتعرف طفلك إلى السلوكات الجيدة، بالثناء عليه عند التصرف بشكل لائق مع الآخرين، أو السيطرة على هدوئه عندما لا يعجبه شيء ما، إذ تعزز عبارات المدح والإطراء عليه إدراكه لما يجب فعله، ويمكنك أيضاً طلب المساعدة من مدرسته، حيث إنّ عملكما معاً، يساعد بشكل كبير على حل المشكلة».