24 مارس 2025

برامج المقالب.. كيف تهدد الصحة النفسية للأطفال؟

محررة متعاونة

مجلة كل الأسرة

تعوّدنا خلال شهر رمضان المبارك تجمّع العائلة حول شاشات التلفزيون، بخاصة في ساعة الإفطار، وتتسابق القنوات الدرامية في بث البرامج والمسلسلات التي تجذب المشاهدين.. ومن أشهر المواد الإعلامية التي تقدم في هذه الأيام، هي محتوى برامج المقالب التي ظهرت منذ فترة طويلة، ونشأ الكثيرون منّا عليها، وأصبحنا نعتاد أحداثها.. ولكن أخيراً، أخذت هذه المقالب صوراً أكثر عنفاً وترهيباً، ما أثار الاستياء والرفض تجاهها، بخاصة أن أكثر الجمهور تعلقاً بها يكون من الأطفال، والمراهقين.

تحذيرات متكرّرة يطلقها خبراء الصحة النفسية والتربية، كل عام، للآباء والأمّهات، من عدم ترك أطفالهم فريسة للتأثيرات السلبية لبرامج المقالب الرمضانية العدائية، لما لها من مردود كبير على الصحة النفسية للطفل وكذلك المراهق. وازدادت وتيرة التحذيرات هذا العام، بخاصة أن الأمر لم يتوقف عند برامج المقالب فقط، بل امتد أيضاً إلى برامج المسابقات، والمسلسلات الدرامية، بسبب كمّ المشاهد العنيفة الذي تبثه.

سألت «كل الأسرة» عدداً من خبراء الطب النفسي وتربية الأطفال والعلاج السلوكي، عن الآثار السلبية في الأطفال من مشاهدة هذا المحتوى العنيف من خلال تلك البرامج، وكيف نحمي أولادنا من تأثير ذلك المحتوى غير الملائم لهم:

مجلة كل الأسرة

تحرّض على العنف والتمرد وتسبب القلق والأرق

في البداية، يؤكد الدكتور إيهاب ماجد، استشاري الصحة النفسية والعلاج الأسري والتربوي، بالقاهرة، أنه قبل الحديث عن مخاطر وتأثير إدمان مشاهدة برامج المقالب والمسابقات التي تحتوي على رسائل عنف وتنمّر، ومخاطر ذلك على الأطفال، علينا توعية الأبوين أولاً، قبل الطفل، من إدمان مشاهدة تلك النوعية من المحتوى الدرامي، بخاصة أن البداية تكون أحياناً من الأبوين، والأطفال يقلدونهما، لذا يجب عليهما، أولاً وأخيراً، أن يكونا قدوة لأولادهما الصغار، من خلال عدم انهماكهما وتعلقهما، هما أيضاً، في مشاهدة برامج المقالب ذات المحتوى العنيف، وكذلك مسلسلات الدراما.

ويحذر الدكتور إيهاب ماجد من التعامل مع الأمر على أنه مجرّد تسلية فقط، لأنها في المقابل لها تأثير كارثي بخاصة في الأطفال، فهي لم تعد كما كانت منذ سنوات مجرّد مادة ترفيهية بريئة، بل تخطت ذلك، وأصبحت عبارة عن مشاهد تعذيب مفتعل، فكيف لنا أن نترك أولادنا يتيهون بين مشاهد التعذيب المقترنة بمحتوى كوميدي مملوء في طيّاته بالتنمّر، والاستمتاع بالتقليل من الشخص (الضيف)؟

مجلة كل الأسرة

ما تأثير هذه المقالب في نفسية الطفل؟

وحول تأثير هذه المقالب والمشاهد في نفسية الأطفال والمراهقين، يحدّده الدكتور إيهاب ماجد في عدة نقاط، منها:

1. تطبيع العنف والخوف: عندما يشاهد الطفل شخصاً يتعرض لمواقف عنيفة، أو مرعبة، ويقال له إن هذا مجرّد مزاح يفقد الإحساس بخطورة العنف، أو الاستهزاء بمشاعر الآخرين.
2. تشويه مفهوم الفكاهة: بدلاً من أن نعلّمهم أن الضحك يكون ناتجاً عن مواقف لطيفة، أو كوميديا بريئة، يتعوّدون على الضحك القائم على الإيذاء، والخوف، والإهانة.
3. خلق مخاوف غير مبرّرة: بعض الأطفال يتربّى لديهم إحساس بأنهم معرّضون للوقوع في المقالب نفسها، في أيّ وقت، وهذا من الممكن أن يسبب لهم قلقاً زائداً، وتوتراً مستمراً، وكذلك رهاباً من مواقف معيّنة، وبالتالي يدمّر ثقتهم بأنفسهم.
4. تعزيز السخرية والتنمّر:حيث يتعلم الأطفال الضحك على خوف وألم الآخرين، ويعتبرون ذلك شيئاً طبيعياً، وهذا الأمر قد يشجعهم على التنمّر في المدرسة، أو مع الإخوة، والأصدقاء، والأقارب.
5. برامج المقالب قد تتخللها مشاهد وألفاظ لا تتناسب أبداً مع سن الأطفال، مثل مشاهد العنف، والتعذيب، والإيذاء، والخطورة تكمن لدى الأطفال في أنهم يميلون إلى تقليد كل ما يدور حولهم من سلوكات، ما يعرّض حياتهم للخطر، أو سلوكهم للانحراف.

مجلة كل الأسرة

الطفل غير قادر على التمييز والتحليل

وتتفق معه الدكتورة رنا هاني ياسين، أخصائية الصحة النفسية والتربية الإيجابية وعلم النفس الإيجابي، بالقاهرة، في أن الخطورة الأكبر تكمن في تعلّق الأطفال والمراهقين بمثل هذه البرامج. ففي الوقت الذي يستوعب فيه الأبوان أن هذا المقلب مبالغ فيه، أو أنه قد يكون مفبركاً، أحياناً، لأنهم أشخاص أكثر نضجاً، لا نتوقع من الأطفال أن يستوعبوا ذلك أبداً.

وتناشد الاختصاصية النفسية أولياء الأمور متابعة أولادهم، وتعريفهم بمخاطر مثل هذه المقالب، حتى لا يفكروا أبداً، في تجربة تقليدها، وتضيف «من اللافت أن الأطفال اليوم أصبحوا أكثر عصبية من ذي قبل، ويعانون اضطراباً، وعدم استقرار نفسي، وينعكس ذلك على أدائهم الدراسي، والسبب في ذلك تركهم فريسة للألعاب الإلكترونية، ومواقع الـ«سوشيال ميديا»، وعدم مراقبتهم في ما يشاهدون، ما يجعلهم أقلّ قدرة على التحمّل والصبر. كما أن الطفل عندما يشاهد هذه المواقف العنيفة يكون مصغياً للأحداث بكل حواسه، كما بقية أفراد العائلة، ولكن الفرق بينه وبينهم أنه لا يملك القدرة على التمييز والتحليل، بل إنه يتوقع أن سلوك المذيع، أو مقدم البرنامج مع الضيف هو السلوك الصحيح، حتى وإن كان عنيفاً، أو منافياً للأخلاق».

وتطالب الدكتورة رنا هاني ياسين، بضرورة إبعاد الأطفال عن هذه البرامج التي تحتوى على مشاهد عدوانية، وسلوكات غير سليمة، بهدف تجنيبهم التأثر بها، بخاصة في المرحلة العمرية من سن 6 سنوات، وحتى سن المراهقة، لأنها مرحلة سنيّة خطرة، ويجب فيها ضبط ما يشاهده الطفل على الشاشة، وكذلك مواقع التواصل الاجتماعي، مشيرة إلى ضرورة الجلوس مع الطفل خلال مشاهدة البرامج التي تقدم أيّ محتوى أكبر من سنهم، وتعويدهم على التفرقة بين ما يشاهدونه من خيال، أو واقع، حتى لا يختلط عليهم الأمر.

مجلة كل الأسرة

كيف نحمي الأطفال من الرسائل السلبية التي تقدمها تلك الأعمال الدرامية؟

من جانبها، تؤكد الدكتورة ياسمين محمد المهدي، استشارية التربية الإيجابية وتعديل السلوك، بالقاهرة، أن مشاهدة الأطفال لبرامج المقالب التي تحتوي على جرعات عالية من الإيذاء والتنمّر، ووضع الآخرين في مواقف صعبة، حتى لو كان في إطار كوميدي، قد يتسبب برفع مستوى الجريمة لديهم عندما يكبرون، حيث يكتسبون الكثير من العادات السيئة التي رسخت في عقولهم منذ الصغر، إضافة إلى التأثير السيئ الذي قد يصيبهم بالأرق، والقلق، وقلّة النوم، خوفاً من التعرّض لتلك المواقف، وبالتالي يتعرّضون للاكتئاب، والعزلة، والانطواء.

وتقدم الاستشارية الأسرية ياسمين المهدي مجموعة من النصائح للآباء والأمّهات للتعامل مع الآثار السلبية التي قد يتعرّض لها الأبناء من جرّاء مشاهدة تلك البرامج التي تعرض محتوى مسيئاً:

  • يجب على أولياء الأمور عدم الاستهانة بأي شيء يؤثر في عقول أولادهم وتفكيرهم، بخاصة في سنّ حب الفضول والرغبة في الاستكشاف لكل شيء.
  • الآباء والأمّهات هم القدوة الأولى لأولادهم، حتى إن لم يفعلوا ذلك عمداً، لأن الأبناء يتحركون ويتكلمون مثل آبائهم، وهو ما يجب الاستفادة منه في التعامل مع ما يقدم من رسائل إعلامية، فنعلّم أولادنا، مثلاً، ماذا يشاهدون، وماذا يرفضون، ونشاهد المسلسلات العائلية معاً، ونتناقش في أحداثها، ونقيّمها.
  • يجب توجيه الأبناء في السّن الصغيرة لمشاهدة البرامج التي تلائم سنّهم، وتعود عليهم بالكثير من الفوائد، والأفضل مشاركة الطفل في ذلك حتى يستمتع بالمشاهدة، ويندمج معها.
  • لابد من مناقشة أيّ موضوع، أو مضمون يتعرض له الطفل، وتعليمه ما هو الصواب والخطأ، وتوجيه الانتقادات أمامه، إذا كان المحتوى سيئاً، والتأكيد على أن العنف مرفوض وغير مبرّر، وأن التنمّر أيضاً لا يكون مقبولاً، حتى لو كان على سبيل المزاح، والضحك.
  • رمضان شهر للعبادة، والدراسة، وممارسة كل طقوس الحياة، وليس موعداً للكسل، وبالتالي، يجب عدم ترك الأطفال أمام الشاشات طوال الليل، والنوم نهاراً، بدعوى التعب من الصيام، ويجب ألا تتأثر الواجبات المدرسية والنشاطات التي يقوم بها الطفل بالصيام، حتى لا يكبر على الكسل، والتراخي.
  • تخطئ كثيراً الأم التي تترك طفلها طوال اليوم أمام التلفزيون، أو فيديوهات المحمول، بهدف إسكاته، وإلهائه عنها، لتُتم أعمالها المنزلية بهدوء، لأنها ببساطة بعد فترة وجيزة ستكتشف أنه أدمن هذه البرامج والفيديوهات، وأصبح يجلس أمامها لا يتحرك، ويكتسب منها سلوكات مضرّة جداً، لا يمكن تجاوز تأثيراتها في المستقبل.
  • يجب أن يتم إبعاد الأطفال عن المحتويات الضارّة لهم بطريقة ذكية، بخاصة أن كل طفل يمكنه بنقرتين، أو ثلاث، الوصول إلى محتوى الفيديوهات التي قمنا بمنعه عنها.
  • محاولة الإجابة عن كل أسئلة الطفل حول ما يشاهده لنصحّح له معتقداته، وحتى لا يسرح إلى أفكار خاطئة، ومحاولة توجيهه نحو برامج هادفة تحتوي على علم ومعرفة، لتنمية مواهبه، وزرع الرغبة في العلم.

اقرأ أيضاً: ما علاقة العنف الأسري بالإعلام والـ«سوشيال ميديا»؟