
في العيد يحرص كبار العائلة، من الأجداد والجدّات، على كل طقوس العيد القديمة، لتوثيق مشاعر الودّ والمحبة بين أفراد الأسرة، ولذلك فإن العيد في أحضان منازلهم المملوءة بالدفء والذكريات الجميلة، له طعم مختلف.
واللمّة حول طاولات العجين لإعداد الكعك والبسكويت فرحة لا تعوّض، حتى لو كان الجميع يمكنهم شراء أفخم الأنواع.. أما مظاهر الاحتفال والفرحة بقدوم العيد في بيوت الأجداد والجدّات فلها مراسم وطقوس لا تنسى، ولا تزال محفورة في أذهاننا جميعاً.
كما أن العيد فرصة ذهبية للتواصل مع الأحفاد لفترة أطول، ما له أكبر الأثر في نفوس الأطفال والمراهقين، وحتى الكبار.. لذلك سألت «كل الأسرة» عدداً من خبراء التربية والعلاقات الأسرية حول تأثير مظاهر الاحتفال في بيوت الأجداد والجدّات في نفسية الأبناء، وسلوكاتهم، وما دور لمّة العيد في بيوت الأجداد والجدّات في جمع الشمل، وكيف نتمكن من استعادة لمّة العائلة لتحقيق الودّ والألفة بين أفراد الأسرة:

تأثيرات إيجابية ممتدة المفعول
في البداية، يؤكد الدكتور مدحت عبد الهادي، استشاري الطب النفسي السلوكي والعلاقات الأسرية بالقاهرة، أن الاحتفال بمظاهر العيد له نكهة مختلفة عندما يكون وسط الأهل والأقارب، بخاصة عندما يتجمع الجميع في بيوت الأجداد والجدّات، حيث للعيد رونق، وطعم لا يشبه بأي حال من الأحوال تلك الأعياد التي نقضيها بعيداً عن بيوتهم.
ويقول «إن قضاء العيد في بيوت الأجداد مناسبة سنوية يجب أن تتكرّر، سواء في الأعياد، أو غير ذلك، لأنها ليست مجرد تجمعات للاحتفال بالعيد فقط، بل هي فرصة ذهبية لتدعيم روح لمّة الأسرة التي افتقدتها كثير من الأسر العربية خلال السنوات والعقود الماضية، بسبب «رتم» الحياة السريع، وتضارب أوقات العمل والمدرسة، حتى أصبح الأمر بالنسبة إلى بعض الأسر أن أفرادها نادراً ما يلتقون بسبب كثرة انشغالات الجميع».
ويشدّد الدكتور مدحت عبد الهادي على أن «على الجانب الآخر في الحياة الأسرية يعتبر الأجداد والجدّات مصدراً لجميع المشاعر الإيجابية لأحفادهم، ويظهر هذا بشكل خاص من خلال الحب والحنان الذي يقدمونه لأحفادهم في كل الأوقات والمناسبات. ولا شك في أن الأحفاد الذين يمكنهم مشاركة بعض أوقاتهم مع الأجداد والجدّات محظوظون بشكل أكبر، لأن دورهم في تربية الأبناء لا يقدّر بثمن.. لذلك، يجب الحرص على اصطحاب الأبناء في التجمعات العائلية خلال الأعياد، وعدم تركهم بمفردهم في المنزل، أياً كانت الأعذار، ولا استثناءات في ذلك».
ويعدّد الدكتور مدحت عبد الهادي بعض المزايا التي تعود على الأسرة من لمّة العيد في نقاط عدّة، منها:
1. تقوية الروابط الأسرية والاجتماعية وصِلة الرحم.
2. تبادل الخبرات يعزّز مهارات الدماغ لدى الأطفال.
3. تبادل الأحاديث والمواقف السعيدة يحسّن من الحالة المزاجية والنفسية.
4. في لمّة العائلة لا مكان، ولا وقت للشعور بالفراغ، والتشتت الذي يُعد من أبرز المشاعر التي تهاجمنا في الأعياد، إذ عند الاندماج مع العائلة يقل هذا الشعور تماماً.
5. التوتر والشعور بالعزلة بسبب تغيّر الروتين اليومي في الإجازات والأعياد لا مكان له وسط لمّة العائلة، بل على العكس يتلاشى تماماً.
6. بلا شك، فإن الأبناء الذين تعوّدوا لمّة العائلة في العيد في بيوت الأجداد ينتظرون موعد اللمّة حول الطعام ويحرصون عليها.
7. لمّة العيد كفيلة بأن تعيد التواصل الروحي بين الأسر، لذلك يجب الحرص عليها لما لها من أثر طيب في نفوس الجميع، بخاصة الأبناء.

فرصة ذهبية للترابط الأسري.. ولكن بمحاذير
وتتفق معه الدكتورة عزة فتحي، أستاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس، في أن بيوت الأجداد تلمّ الشمل، وتبني الذكريات، وتعمّق مشاعر المودة والرحمة بين أفراد الأسرة «أغلبنا بنى معظم ذكرياته عن رمضان والعيد من خلال لمّة العائلة وتجمّع الأسرة في بيوت الأجداد والجدّات، وكان هذا هو أكبر دافع لتعزيز التماسك والترابط الأسري. فالأسر التي تتجمع في بيت الجد لقضاء العيد معاً تبقى معاً للأبد تتجمع في كل المواقف والمناسبات».
وتحذّر الاستشارية الأسرية عزة فتحي الأسر من الاستجابة لسلوكات الأجيال الجديدة من الأبناء الذين أصبحوا يفضلون قضاء أيام العيد مع الأصدقاء، وبعيداً عن التجمعات العائلية، أو يفضلون البقاء في البيت بمفردهم، متحججين بمبررات واهية للبقاء بعيداً عن أيّ تجمع عائلي في الأعياد، لأن ذلك يجعل أفراد الأسرة غرباء داخل عائلاتهم، ولا يعرف بعضهم بعضاً، ولا يلتقون إلّا في أضيق الفرص، ولكل منهم عالمه الخاص، وذكرياته التي لا مكان للعائلة فيها.
لكنها في الوقت نفسه تشدّد «على الآباء والأمّهات عدم التوبيخ والإيذاء النفسي للأبناء أثناء التواجد في التجمعات العائلية خلال العيد، حتى إن بدر من الأبناء أي سلوك مرفوض، علينا التوقف عن مناقشة الأمر، والتعامل مع الموقف بهدوء لحين الانتهاء من الزيارة، فالغضب والجدال والتوبيخ خلال لمّة العائلة تخلّف ذكريات سيئة، ويضفي جواً من النكد على الجميع».
وترى الاستشارية الأسرية أن وسائل التواصل الاجتماعي قلّلت، بشكل كبير، من التجمّعات الأسرية بحجة أنها تتواصل معاً من خلال التطبيقات المختلفة، وتطمئن على أحوال بعضها بعضاً، ورغم أن هذا الأمر فيه جزء من الصحة، إلا أنه على الجانب الآخر تسبب بالانطوائية، والعزلة الاجتماعية، وإدمان الإنترنت بين أفراد الأسرة، وتبيّن «دائماً ما أنصح الأسر باستغلال الإجازات وأجواء الأعياد لعلاج المشاكل مع الأبناء، وإصلاح علاقتنا بهم، وإعادة دمجهم داخل العائلة، بعيداً عن العزلة الافتراضية التي يعيشون فيها باقي أوقات العام، لأن هذه الأوقات تكون بمثابة منحة ربانية يبعثها لنا المولى عز وجل، في هيئة أيام كلها بركة وخير، لإصلاح مشاكلنا الأسرية، والنفسية، وعلاج مشاعر العزلة والإحباط، والرغبة في الانعزال التي أصبح الكثير منا يعيش فيها».
كما تحذّر الاستشارية الأسرية أيضاً، الآباء والأمّهات من ترك الأبناء ينامون طوال النهار في يوم العيد، وعدم إيقاظهم إلا في المساء ليخرجوا مع أصدقائهم، وترى أن ذلك خطأ فادح يجعلهم لا يدركون قيمة العيد، ويغرس فيهم معاني سلبية عن العيد، ويتعاملون معه على أنه إجازة، ووقت راحة. لكنها في الوقت نفسه، تدعو الأسر إلى الحديث مع أولادها حول أهمية صلة الرحم في العيد، وأهمية التجمع مع الأقارب في بيت العائلة لقضاء وقت سعيد ومبهج، مملوء بالضحك والمرح، بعيداً عن المحاسبة والعتاب، وتصيّد الأخطاء.

نصائح للمّة عائلية بلا منغصّات في العيد
وحول كيفية استعادة لمّة العائلة والاستفادة منها لإصلاح العلاقات الأسرية، تقدم الاستشارية الأسرية نادية جمال، المتخصصة في العلاقات الأسرية والزوجية وتعديل السلوك، مجموعة من النصائح التي تجعل التجمعات العائلية ذكرى جميلة، لها مردود إيجابي على الجميع:
- لمّة العيد تمنح الأسر والأقارب فرصة عظيمة لتكوين ذكريات سعيدة مشتركة، وتبادل الأحاديث اللطيفة معهم، لذلك يجب ألا نستغل هذه اللمة في مناقشة القضايا الخلافية، والمشكلات المتراكمة التي تتسبب بتصاعد الأزمات بين الأسر.
- يجب أن نستغل لمّة العيد، وتناول الطعام على مائدة واحدة تجمع أفراد الأسرة والأقارب المقربين، لأن هذا الأمر يضفي على العلاقات الأسرية دفئاً وحميمية، بشكل كبير.
- اصطحاب الأبناء وتعويدهم صلاة العيد في المسجد مع الأهل والأقارب يعلّمهم روح الجماعة، ويترك لديهم ذكريات رائعة عن صلاة العيد.
- الحرص على التقاط الصور التذكارية والاحتفاظ بها، وتبادلها مع باقي أفراد الأسرة، لتبقى ذكرى طيبة للعائلة.
- يجب أن نعوّد أنفسنا على الصبر والتحمّل لأيّ موقف يثير حفيظتنا خلال لمّة العيد، ولا نتوقف عند الصغائر التي قد تثير غضبنا بسبب الاحتكاكات التي قد تحدث بين الأسر.
- التوقف عن العادات السيئة التي قد تفسد أجواء المحبة بين الأسر، وعدم الترصد وتصيّد أخطاء الآخرين حتى يمرّ اليوم بسلام، وبلا مشكلات.
- في التجمّعات العائلية يجب مدح الأبناء وتشجيعهم على التصرفات الصائبة، كلما سنحت الفرصة، ولا يجب بأي حال من الأحوال، التقليل من شأنهم أمام الآخرين، حتى لو كانوا أقرب الناس إلينا.
- من المهم أن نعلّم أولادنا، بخاصة الأطفال، آداب الطعام ليكون الأمر سهلاً في التعامل معهم أمام الأقارب، وحتى لا يتعرّضون للنقد والإحراج من الآخرين.
- أما بالنسبة إلى الأبناء من المراهقين، فيجب أن نتحدث معهم عن آداب التعامل مع الأقارب، وحتى إن بدا البعض منهم متطفلاً، ويتدخل في ما لا يعنيه، يجب أن يتعامل معه الابن بطريقة مهذبة ولبقة، حتى لا نفسد أجواء العيد.
- لمّة العائلة في العيد تتيح للأبناء الإحساس بالانتماء، والحب، والمودة، وهي ضرورية ليشبّ الطفل سويّاً، أما الأبناء الذين نستجيب لرغباتهم في تركهم بمفردهم فلن يشعروا بأي انتماء للأسرة بعد ذلك.
اقرأ أيضاً: كيف نجح الأجداد والجدّات في لمّ شمل العائلة؟