
يرتبط العيد لدى الأطفال بالفرحة والسعادة، فهم ينتظرون أجواءه العامرة بالحب والمودّة، من العام إلى العام، ومما لا شك فيه، أن هذه الأيام هي التوقيت الأفضل والأنسب للتقرّب إليهم، وبناء علاقة طيّبة معهم، واستثمار هذه الأجواء الاحتفالية للعيد لقضاء أوقات مرحة، ومشاركتهم ذكريات رائعة تبقى معهم لسنوات مقبلة.
بعض الخبراء التربويين أكدوا أن العيد يُعد بمثابة فرصة ذهبية للآباء والأمهات للتواصل مع أولادهم، وعلاج مشاعر الجفاء، وتراكمات الإهمال التي تؤثر في العلاقات الأسرية، وتحسين العلاقة لا يخص الأطفال فقط، بل أيضاً المراهقين، وحتى الكبار، ويرون أن التواصل معهم يجب أن يكون من نوع آخر، نغيرّ فيه من لغتنا المعتادة، وننسى الشدّة، وعدم الإنصات.
سألت «كل الأسرة» عدداً من هؤلاء الخبراء عن: كيفية استغلال هذه الأجواء الاحتفالية في العيد لنعيد التواصل والحميمية مع أولادنا؟ وكيف ننتهز فرصة العيد لإصلاح علاقتنا بهم، وبناء علاقة جيدة معهم؟

لماذا العيد هو التوقيت الأنسب لنبدأ من جديد مع أولادنا؟
في البداية، تؤكد الدكتورة شيماء عطية، الاستشارية الأسرية والمتخصصة في الصحة النفسية وتعديل سلوك الأطفال والمراهقين، بالقاهرة، أن أيام الأعياد تكون بمثابة منحة ربانية يبعثها لنا المولى عز وجل، في هيئة أيام كلّها بركة وخير ،لإصلاح مشاكلنا الأسرية والنفسية، ومعالجة مشاعر العزلة والإحباط، والرغبة في الانعزال، التي أصبح الكثيرين منا يعيشونها.
وتقول «دائما ما أنصح الآباء والأمهات باستغلال أجواء العيد لإصلاح العلاقة مع الأبناء، وإعادة دمجهم داخل العائلة بعيداً عن العزلة الافتراضية التي يعيشون فيها باقي أوقات العام، لأن فترة الإجازة التي يحصل عليها الجميع في العيد، تسمح لنا بفتح حوار متبادل ومناقشات مستمرة، تظهر للأبناء حب الوالدين، وعطفهم وحنانهم. فمظاهر العيد تعالج فقدان الأمان لدى الأبناء، وتوفر لهم العاطفة الأسرية داخل المنزل، فليالي رمضان والعيد حقاً فرصة ذهبية للتقرب من الأبناء، وإشعارهم بالأمان، وعناقهم لتخليصهم من مشاكلهم النفسية، بخاصة في مرحلتَي الطفولة والمراهقة».
وترى الاستشارية النفسية أن الأم يقع عليها العبء الأكبر في تصفية الأجواء خلال العيد، سواء بين الأب والأبناء، أو بين الأبناء، وبعضهم بعضاً، فهي مطالبة بضبط النفس، والتعامل مع أسرتها على أنها هي المدرّب الذي يخلق منهم فريقاً متجانساً يعامل كل منهم الآخر بلطف، واحترام.
وتشير إلى أن أهم ما تقدمه الأم لأبنائها هو أن تكون صديقة لهم، قريبة من الجميع، فحقاً أولادنا لن يتذكروا الطعام غالي الثمن الذي نملأ به بيوتنا، وكذلك صراعاتنا، المادية والحياتية، لكي يبقوا في مستوى أفضل، كما أنهم لن يتذكروا الأقساط التي يتكبّدها الأب والأم من أجل توفير احتياجات أولادهما، والسهر والوقت والمجهود المبذول لكي يسدّدا مصاريفهم، ولكن سيخلد في ذاكرتهم كم مرة قضينا معهم أياماً سعيدة في الأعياد، وكم مرة كنا أصدقاء معهم، وكم مرة حدثت لهم مواقف مؤلمة وكانت أحضاننا هي الملاذ الآمن لهم في كل شكواهم، وكم تعاطفنا معهم في كل مواقفهم المؤلمة.
وتضيف «استغلال الفرص السعيدة بالقرب من الأبناء، وبناء علاقات ودودة معهم، وأن نصبح أصدقاء لهم، لا يعني أبداً أننا نفقد هيبتنا وشخصيتنا القوية معهم، لكننا لا نحتاج سوى إلى ضبط الأعصاب فقط، في تربية الأبناء، وهذا لا يعني أبداً أن الصداقة معهم ستقودنا إلى تجاهل أخطائهم، وإنما توخّي الحكمة والحذر في التعامل مع السلوكات السيئة، بخاصة في هذه الأيام. فعند تقديمي للاستشارات النفسية والتربوية، للأطفال والمراهقين بخاصة، أطلب فيها من الأبوين كخطوة أولى إصلاح علاقاتهما مع طفلهما، وإرجاع العلاقة إلى أصلها وفطرتها، وهي أن الأبناء هم زينة حياة الآباء والأمهات».

العيدية والضحك واللعب معهم يعيد إليهم الألفة
ويتفق معها الدكتور جمال فرويز، أستاذ الطب النفسي وخبير نفسية الطفل، بالقاهرة، في أن أغلب المشاحنات والاضطرابات في العلاقات الأسرية تذوب في فترات الأعياد، فهي حقاً أوقات للبهجة، والتسامح، واستعادة المودة، لذلك يجب استغلال الفرصة لفتح صفحة جديدة بين الآباء والأبناء، والبدء بالصلح ونسيان الماضي، وغرس البذل، والمحبة، والتضحية.
ويبيّن «فقرة إعطاء الأبناء العيدية، والضحك، والمزاح، واللعب مع الأبناء في العيد، تجعل من البيت مكاناً لطيفاً، وآمناً، ومحبوباً، وتزيد من ثقة الطفل بنفسه، وتنمّي قدراته على التواصل، وتزيد من ثقة الطفل بوالديه، واطمئنانه، وحبه لهما، وتصنع للطفل ذكريات رائعة تربطه بهذا البيت، وتحبّبه إليه، وفي المبادئ والقيم والأخلاق التي تعلّمها فيه. وعلى الجانب الآخر، هذه الأحداث لها مفعول السحر في نفسية الآباء والأمهات، لأنهم يفرحون مثل أولادهم، بل وربما أكثر، كما أنها تزيل حواجز الجليد بيننا وبينهم، بخاصة لو أن العلاقة بيننا عبارة عن جدّية وصرامة، ونتعامل معهم في كثير من الأحيان بحزم، كأن التربية تأديب، وتهذيب، وإصلاح، من دون روح، والعلاقة معهم كلها أوامر، وتوجيهات، ونقد، وعقاب».
ويستطرد «تعاني بعض بيوتنا من أنها تُعدّ طاردة ومنفّرة للأبناء، فلا يجد الأبناء فيها أي سعادة، أو متعة، أو طمأنينة، أو أي شيء يربطهم بتلك البيوت، لذلك يجب علينا استغلال أجواء الألفة التي تعم البيوت في أوقات الأعياد، والتوقف، ومراجعة أنفسنا، وإصلاح علاقتنا معهم، والذهاب بها إلى منطقة الود، والفرحة، والصداقة، والضحك، واللعب، التي تغيّر من مكانتنا عندهم، وتذهب بنا إلى منطقة نحن في حاجة إليها لنشعر جميعاً بالأمان والراحة».

خطوات إصلاح العلاقة مع الأبناء
من جانبها، تضع الدكتورة حالة حماد، استشارية الطب النفسي للأطفال والمراهقين بالقاهرة، برنامجاً لإصلاح العلاقة بين الأهل والأبناء، وترى أن العيد فرصة مناسبة، وتوقيت مثالي لنبدأ معهم من جديد، ونحميهم من الأمراض النفسية، ونساعدهم ليكونوا أقوياء في مواجهة صعوبات الحياة، ولكن علينا اتّباع هذه الخطوات، وننتظر النتيجة التي ستكون مُرضية لنا تماماً:
1- يجب أن نبني معهم علاقة حوار وصداقة، فنبدأ مثلا بعشرين دقيقة يومياً، حواراً مع الأبناء باعتبارهم أصدقاء (من دون نصح، ولا حديث عن المدرسة، ولا توجيه).
2- يجب على كل أب وأم، ألا ينسيا أن يعبّرا لأولادهما عن حبهما لهم، بالتعبير عن مشاعر الود والحب من الآباء للأبناء، ويجب أن يكون يومياً، ولا يقل عن 5- 10 مرات، كل يوم.
3- العيد فرصة مناسبة نعوّدهم فيها على المدح، فنبدأ معهم بمدح يومي لا يقل عن خمس مرات على كل سلوك إيجابي يصدر عنهم (أمر مهم يجب ألا ننساه، أو نهمله بعد الآن).
4- لا يوجد توقيت أفضل من ذلك لمدح الأبناء، يومياً خمس مرات، على الشكل الخارجي (ابتسامته - شعره- عينيه - أي شيء فيه)، والتعبير عن مدى جماله، وهو يرتدي ملابس العيد.
5- من العيد نبدأ مشاركتهم أنشطتهم المختلفة، ونستمر بعد العيد مرتين أسبوعياً، على الأقل، في مشاركة الابن نشاطاً خارج البيت، حتى لو استغرق خمس دقائق (مشي- رياضة- تمشية- لفّة بالسيارة).
6- ثلاث دقائق يومياً لتثبيت القيم قبل النوم:
- كنت سعيداً عندما رأيتك اليوم تفعل كذا.
- مساعدتك لأختك الصغيرة كان جميلاً منك.
- وفاؤك بالاتفاق جميل.
7- مرتان أسبوعياً، عشاء مع العائلة، في البيت أو خارجه، يكون وقته طويلاً حتى يتم الحديث والتحاور مع العائلة بوقت أكثر .
8- من (1-3) دقائق يومياً «كلّي آذان صاغية»، وتنفذ على النحو التالي: اجلس مع الابن في مكان هادئ، وأطلب منه أن يقول كل ما يريد، بلا قيود، ولا نقاش، ولا تردّ عليه، ولا تقاطعه، ولا تعقيد، وحينما تنتهي الدقائق الـ3، انتهت الجلسة.
9- عبّر عن حبك لابنك من خلال اللمسات اليومية (خمس لمسات يومياً):
- اللمس على نهاية رأس الابن وتعني «الرأفة والرحمة».
- وضع اليد على الرأس «الفخر».
- وضع اليد على الجبين «التهدئة».
- وضع اليد على الوجنتين «الشوق».
- مَسك اليد «تقوية العلاقة والحب».- إذا كان غضبان، أو عنده مشاعر سلبية امسح بيدك على صدره
- أربع قبلات يومياً: في الجبين «الاستقبال»، وفي الرأس «فخر واعتزاز»، وفي الخد «الشوق»، وفي اليد «الاستقبال والشوق»، إضافة إلى أربع ضمّات احتضان متفرقة خلال اليوم.
كان الرسول عليه الصلاة والسلام قدوتنا في بناء العلاقة، وكان نموذجاً رائعاً للتربية. فقد كان يقبّل فاطمة الزهراء كلما رآها، يقبّل جبينها، ويدها، ويحتضنها في بيته، وفي مسجده، وأمام الصحابة.
وأخيراً، تشدد الدكتورة هالة حماد، على أن هذا البرنامج يساعدنا على بناء علاقة جيدة مع الأبناء، حتى يصبح بين يديك محباً، مطيعاً، وخلوقاً وبارّاً، فبهذا البرنامج تبنى شخصيته، ويتعرف إلى ذاته، وتقوى محبته، وتصبح الأب النموذج الأمثل في نظره، وتتلاشى كل المدمّرات للعلاقة التي كنت تمارسها من قبل، أو كانت سبباً في اضطراب شخصيته، أو عناده، أو عنفه، أو مراهقته المزعجة، أو انحرافه، أو سبباً للأمراض الناتجة عن السلوك والتي تم شرحها في المدمّرات سابقاً. (قل لابنك أو ابنتك: شكراً إنك موجود في حياتي).
اقرأ أيضاً: كيف نحتفل بالعيد من دون خلافات زوجية وأُسرية؟