09 أبريل 2025

تحقيق جميع أماني الطفل يعني استقالة الأهل من مهامهم التربوية

أستاذة وباحثة جامعية

مجلة كل الأسرة

الإحساس بصعوبة التربية، أو الإحساس بالضياع، أحياناً، أمام سلوك أطفالنا، ليس فيه ما يدعو إلى القلق. أنتم أهل وتتصرفون بأفضل ما تستطيعون، وتكونون أحياناً، شديدي العفوية، وأحياناً شديدي التعقيد، وأيضاً شديدي العقلنة. فأيّ نوع من الأهل أنتم؟

في ما يلي بعض الإرشادات لتتمكنوا من التعرّف إلى نوعية سلوككم التربوي مع أطفالكم، يقدمها د. ديدييه بْلوه، في كتابه المعنون «الدليل المساعد في تربية الأطفال».

يقول المؤلف إنه في أغلب الأحيان، يكون الطفل مرغوباً فيه، ومنتظراً، ويكون حلم الأهل الإنجاب من أجل تأمين أكبر قدر من السعادة لطفلهم. نريد أن نهب أطفالنا أقصى ما يمكن من الحب، من أجل أن نغذّيهم عاطفياً، ونوفر لهم القوة المطلوبة، حتى يواجهوا واقع الكبار فيما بعد. ومع هذا، قد نعمل، من دون أن ندري، على إضعاف الطفل، وجعله أكثر هشاشة أمام مبدأ الواقع.

وإذ تختلط المبادئ، والأسس، والمرتكزات، في عصرنا اليوم، وبالأخص في المجتمعات الاستهلاكية التي تنعم بالوفرة، يصير الطفل في أغلب الأحيان وحيداً، بلا معتقدات، أو أيديولوجيات، أمام قوى السوق الطاحنة. لذا، فإن طفل الغد بحاجة إلى قوة داخلية كبيرة تمكّنه من قبول حالات الإحباط التي سيواجهها، وتساعده على الانطلاق مجدداً.

مجلة كل الأسرة

تسويق «الحياة المتعة قبل كل شيء»

لكن في مقابل جهود الأهل ثمة خصم كبير، هو الاقتصاد العالمي الذي ضمّ الأطفال إلى قائمة فرائسه. فكل شيء مصمّم حتى يُنسيهم الإحباطات الحالية، أو المستقبلية، إذ يسعى «بائعو الجنة» إلى أن يحوِّلوا أطفالنا إلى مستهلكين بامتياز، عبْر بيعهم حلماً مستحيلاً، وهو أن الحياة متعة، قبل أي شيء آخر. ونحن الأهل نشعر بأننا منزوعو السلاح أمام هذا التسويق العالمي. بيد أن هذا الوضع يشكل سبباً وجيهاً لإعادة التمسك بالمبادئ والممنوعات، وسواها من وسائل التربية.

إن سبيلنا الوحيد لخوض صراعنا مع غياب القيم، وسياق الاستهلاك المفرط، هو قدرتنا على التربية. والتربية اليوم هي، قبل أي شيء آخر، مقاومة أناشيد أيديولوجيات الاستهلاك الساحرة. بيد أن الحياة لن تكون مملوءة بالإحباطات وحسب، ولن تكون متعة وحسب، كذلك! يتعيّن على أولياء الأمور اليوم ألا يتركوا «فراغاً» تسدّه الشركات متعدّدة الجنسيات لتربّي أولادنا بدلاً عنا. ودعونا لا نصغي إلى أولئك الأهل الذين سلّموا، وتعاونوا مع ثقافة المتعة المباشرة تلك، بل علينا النظر إلى ما يصيب أولادهم من أمراض نفسية.

في سبيل إتمام هذا الغرض، وجب أن ندرك بداية أهداف التربية، ومعناها، والخطوات المطلوبة من الأهل لتحقيق تلك الأهداف:

مجلة كل الأسرة

الهدف الأول: مساعدة طفلي على تطوير تقديره لذاته

وهذا يعني:

  • أنه مستقل ويتحمّل مسؤولياته
  • أنه يقبل نقاط قوته ونقاط ضعفه
  • يعرف مشاعره ويعبّر عنها
  • يثق بنفسه ويعرف أيّ مخاطر بإمكانه التعاطي معها، وأي مخاطر يجب أن يتجنبها
  • يعزز نقاط قوّته وميزاته الشخصية
  • يحقق قدراته الحقيقية
  • يتعامل مع الآخرين بثقة
  • يتمتع بعقل سليم في جسم سليم
مجلة كل الأسرة

الخطوات المطلوبة من الأهل

  • أدلّ طفلي على الطريقة الجيدة وأنقلها إليه
  • ألعب معه وأشاركه نشاطات ممتعة
  • أتواصل معه: أعطي رأيي، ولكن أعرف كيف أصغي إلى رأيه وأتبادل معه النقاشات
  • أعرف قدراته وأحفِّزها
  • أقبل به، بما يحبه، وبما يتفرَّد به، وبطباعه
  • أعزز كل جهوده من أجل أن يتأقلم مع الواقع

الهدف الثاني: أرفع من عتبة قبول الإحباطات لديه

وهذا يعني:

  • إنه يقبل بمبدأ الواقع
  • هو أقل هشاشة أمام مصائب الدهر
  • لا يفكر في متعته الفورية والمباشرة وحسب
  • يتقدم ويزدهر من دون أن يتعدّى على حرية الآخرين
  • إنه قادر على التعاطف والتعاضد ويعترف بمشاعر الآخرين ويقبل بها
مجلة كل الأسرة

الخطوات المطلوبة من الأهل

  • أحدِّد المحظورات
  • أطلب منه أن يتأقلم مع المدرسة ومع القواعد الاجتماعية
  • أساعده حتى يفي بالتزاماته إلى أقصى حدّ ممكن
  • أجعله يعترف بفوارق الآخرين عنه
  • أعلِّمه كرم النفس وتقبّل الآخرين
  • أتوقّع منه أن يتقدم للمساعدة
  • أفرض عليه متطلبات يومية
  • أجازيه بعدل
مجلة كل الأسرة

أفكار مسبقة حول التربية

لدى جميعنا أفكار مسبقة عن التربية، لكن يبدو لي أنه من المهم مراجعة بعضها:

  • الاستقلالية يجب أن تكون الهدف الأول لكل تربية: صحيح أنه من المهم اكتساب الحد الأقصى من الاستقلالية للمستقبل، وعدم الوقوع تحت رحمة الآخرين، بيد أن تعلّم الاستقلالية في المقابل يجب ألا يكون على حساب الآخرين. إذا كانت المسألة تنحصر في اكتساب كفايات من أجل تعزيز مركزية الذات، فإن هذا يجعلنا ننسى الهدف الأول للتربية، وهو تناغم المقدرة الذاتية مع مقدرة الآخرين، أي العلاقة بين الذات والآخر. وهذا يعني أن نعلّم طفلنا الاستقلالية، وحدودها أيضاً.
  • الرفاه المادي والمعنوي الذي يحيط بالطفل لا بد أن يسعده: الراحة المادية، وحب الأهل، يسهلان تفتّح الطفل، لكن لا يمكن أن يكونا العاملين الوحيدين للسعادة. فالعطاء والإحاطة الدائمان من قبل الأهل، يكبحان تأقلم الطفل مع الواقع، ويجعلانه ضعيفاً إزاء عراقيل الواقع اليومية، والتي لا بد منها. فثمة علاقة ما بين الإحباط والمقدرة على النهوض من بعده، وهي مقدرة على قبول الواقع بكل تقلباته، وقيوده. كما أن من شأن هذا المعتقد أن يبرر كل أنواع التراخي في التربية.
  • حسن العلاقة مع الطفل هو مفتاح البناء النفسي السليم: وهي فكرة تترافق مع القول بأن سلطة الأهل يجب ألا تكون هي المسيطرة، ويجب التخلي على الدوام عن علاقات القوة، إذ ينبغي ألا يعاني الطفل اللامساواة بين شخصيتنا المتينة، وبين هشاشته الحالية. لذا يتعيّن عليّ أن أركز على الدوام على الكلمة، وأتخلى عن كل المواقف السلطوية، وهي فرض إرادتي وقيمي، من دون أن أشرحها، أو أن أتفاوض معه حولها. وفي المقابل، أقبل بتقديم «علاقتي مع طفلي» على كل ما عداها، ولا أتردّد في التخلي عن بعض المطالب الضرورية، ومعاودة النقاش حول القرارات التي يجدها مجحفة، كذلك التخلي عن بعض الخيارات في الحياة التي لا تعجبه.

هذا بالتحديد ما أسمّيه استقالة الأهل من مهامهم التربوية، ما يشكل حجر الزاوية لكل تراخٍ تربوي، لأن الطفل سيواجه على الدوام متطلبات، وممنوعات لا تعجبه، وتضرب تناغم العلاقة بينه وبين وأهله. فحين تمنع طفلك من الخروج وحده مع رفاقه، لأنك تعتبر أنه لا يزال صغيراً حتى يفعل هذا، لن تسمعه يقول لك: «شكراً لأنك تحميني، فأنت، أم، أو أب جيد».

اقرأ أيضاً: 10 علامات تدل على النجاح في تربية الأبناء