12 أبريل 2025

بناء الثقة أم تجاوز الحدود؟ قراءة تربوية في سلوكات التعبير عند الأطفال

محررة في مجلة كل الأسرة

مجلة كل الأسرة

يتعلم الطفل، ومنذ سنواته الأولى، كيفية التعبير عن ذاته، وتبدأ ملامح شخصيته بالتبلور من خلال سلوكات تبدو أحياناً جريئة، وفي أحيان أخرى خارجة عن حدود اللباقة، ويظهر التحدّي أمام الأهل في التمييز بين الجرأة المحمودة التي تعبّر عن الثقة بالنفس، والوقاحة التي تنمّ عن خلل في التوجيه، أو الفهم. تسلط المستشارة التربوية والأسرية ليلى أبو طرابي، الضوء على الفرق بين الجرأة والوقاحة، والأسباب النفسية والاجتماعية التي تدفع الأطفال نحو تبني هذه السلوكات، وأهم الأساليب التربوية التي تضمن تنمية شخصية جريئة، بطريقة متزنة، ومحترمة.

مجلة كل الأسرة

توضح ليلى أبو طرابي الفرق بين الجرأة والوقاحة «الجرأة هي سمة إيجابية تعكس قدرة الطفل على التعبير عن آرائه، أو احتياجاته بثقة، بشرط أن يكون ذلك بأسلوب محترم، ومهذّب. على سبيل المثال، عندما يطلب الطفل شيئاً، أو يعترض على أمر معيّن بطريقة هادئة، ومنطقية، فإنه يُظهر جرأة تعزز ثقته بنفسه، وتساعده على بناء شخصيته المستقلة، فهي تساعده على مواجهة المواقف الصعبة، والتعبير عن أفكاره من دون خوف. بينما تكون الوقاحة، عكس ذلك تماماً، وتحدث عندما يتخطّى الطفل حدود الأدب والاحترام في كلامه، أو تصرّفاته، ويمكن أن تتجلّى الوقاحة في رفع الصوت على الآخرين، واستخدام كلمات جارحة، أو غير لائقة، أو حتى التصرف بعدوانية تجاه من حوله. لذلك، لا تعكس الوقاحة الثقة، بل تدلّ على افتقار الطفل إلى المهارات الاجتماعية، أو التوجيه الصحيح».

لكن ما هي الأسباب التي تدفع الطفل لأن يكون جريئاً؟

تقول المستشارة التربوية، هناك عدة عوامل تدفع الطفل لتبنّي سلوكات معيّنة، سواء كانت جرأة، أو وقاحة، منها:

  • الرغبة في الاستقلال: مع نمو الطفل وزيادة وعيه بنفسه، يبدأ بالبحث عن استقلاليته، ويرغب في إثبات أنه يستطيع اتخاذ القرارات بنفسه. لكن في أحيان كثيرة، لا يمكنه معرفة كيفية التعبير عن هذا الاستقلال بطريقة مناسبة، فيظهر ذلك في شكل سلوك جريء.
  • البحث عن الانتباه: شعور الطفل أحياناً بأنه لا يحصل على الاهتمام الكافي من والديه، أو المحيطين به، يدفعه إلى التصرّف بشكل مختلف، أو غير متوقع، في محاولة منه لجذب الانتباه. وحتى لو كان السلوك سلبياً، فإن حصوله على ردود فعل من الآخرين يشبع حاجته للشعور بأنه مرئي.
  • تقليد السلوك: يتعلم الأطفال بالسماع والمشاهدة، إذا كانوا محاطين بأشخاص يتصرّفون بجرأة، سواء في المنزل أو في محيطهم الاجتماعي، أو حتى إذا شاهدوا سلوكات لا تتناسب مع سنّهم على التلفاز، أو الإنترنت، فإنهم يعتقدون أن هذا السلوك مقبول ويبدأون بتقليده.
مجلة كل الأسرة

تقدم ليلى أبو طرابي، مجموعة من الأساليب التربوية التي تلعب دوراً محورياً في تشكيل شخصية الطفل وسلوكاته، منها:

  • التربية المتساهلة: إذا كان الوالدان متساهلَين للغاية، ولم يضعا قواعد واضحة للسلوك، المقبول وغير المقبول، فإن الطفل قد يعتقد أنه لا توجد حدود لما يمكنه فعله. هذا النوع من التربية يمكن أن يؤدي إلى ظهور سلوكات جريئة، وغير مقبولة أحياناً، لأنه لا يشعر بوجود عواقب لسلوكاته، أو تصرّفاته.
  • التربية الصارمة: اعتماد الوالدين على الشدة المفرطة، والعقوبات المستمرة في التربية، من دون إعطاء مساحة للطفل للتعبير عن مشاعره، أو آرائه، يشعره بالإحباط، أو الغضب. هذا الإحباط قد يظهر في شكل جرأة، قد تصل في بعض الأحيان إلى سلوك وقح، تمرّداً على القواعد المفروضة.
مجلة كل الأسرة

وتوجه المستشارة التربوية بضرورة تعامل الأهل مع المواقف اليومية باحترام وهدوء «الطفل يراقب جميع سلوكات والديه، ويعتبرهما النموذج الأول الذي يتعلم منه، ويكتسب منه الصفات، ويقلّدها، على سبيل المثال، إذا شاهد الطفل والده يتحدث مع الآخرين بأسلوب مهذب، حتى في المواقف الصعبة، فإنه يتبنى الطريقة نفسها في التعامل مع التحدّيات. أما إذا أظهر الأهل سلوكاً سلبياً، مثل الصراخ، أو استخدام كلمات جارحة، فإن الطفل يعتقد أن هذا السلوك مقبول، ويطبّقه في حياته اليومية. لذا، فإن الطريقة التي يتصرف بها الوالدان تشكل قاعدة أساسية لسلوك الطفل».

وتلفت إلى دور وسائل التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا الحديثة، في تشكيل هذه السلوكات «تؤثر التكنولوجيا الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي، بشكل عميق، في الأطفال. من جهة، تشجيع الأطفال على أن يكونوا أكثر جرأة من خلال إعطائهم منصة للتعبير عن آرائهم، وأفكارهم. مع الانتباه إلى أمكانية تحوّل هذه الجرأة إلى وقاحة، عندما يشعر الأطفال بالأمان خلف الشاشة، ويعتقدون أن بإمكانهم قول أي شيء، من دون محاسبة. كما أن تعرّض، أو مشاهدة الطفل لشخصيات، أو مواقف وقحة، أو غير مقبولة عبر الإنترنت، يمكن أن تجعل الطفل يعتقد أن هذه السلوكات طبيعية، أو حتى مميّزة. وهنا يكون لزاماً على الأهل مراقبة ما يتعرض له الطفل على هذه المنصات».

تكمل «ولتحقيق التوازن بين الجرأة وحدود السلوك المقبول، على الأهل أن يوضحوا للطفل أن التعبير عن رأيه أمر مقبول، ومطلوب، لكن يجب أن يكون بالتزام واحترام الآخرين، على سبيل المثال، يمكن أن نشجع الطفل على مناقشة وجهة نظره في موقف ما، مع تذكيره بأهمية اختيار الكلمات المناسبة، ونبرة الصوت اللائقة. كما يمكن للأهل الاستفادة من المواقف اليومية لتعليم الطفل الفرق بين الجرأة والوقاحة، مثل الإشارة إلى موقف إيجابي لسلوك جريء، وآخر سلبي لسلوك وقح».

مجلة كل الأسرة

أهم الاستراتيجيات التي يمكن للأهل اتّباعها لتعزيز السلوك الجريء والمحترم لدى أطفالهم:

  • الاستماع الجيد للطفل: عندما يشعر الطفل بأن آراءه واحتياجاته مسموعة، ومقدّرة، يصبح أكثر استعداداً للتعبير عن نفسه بطريقة محترمة.
  • وضع قواعد واضحة: من المهم أن يحدّد الأهل قواعد للسلوك المقبول وغير المقبول، داخل المنزل وخارجه، بشرح القواعد للطفل بطريقة يفهمها، مع التأكيد على العواقب عند مخالفتها.
  • التعزيز الإيجابي: تشجيع الطفل عندما يظهر سلوكاً جريئاً ومهذباً يعزز هذا النوع من السلوك. يمكن استخدام كلمات التشجيع، أو مكافآت بسيطة لتعزيز السلوك الإيجابي.
  • التوجيه بهدوء: عندما يُظهر الطفل سلوكاً وقحاً، من الأفضل للأهل عدم الرد بغضب، أو صراخ، بل التعامل مع الموقف بهدوء، وتوضيح سبب رفض هذا السلوك، وكيف يمكن تحسينه في المستقبل.
  • التواصل المستمر: إجراء حوارات منتظمة مع الطفل حول مشاعره، وتجربته اليومية، يساعده على فهم كيفية التعبير عن نفسه بشكل مناسب، ويشعره بالدعم من والديه.